الحِكَم في أسس فرض الزكاة:
أ – أساس التكليف ، والعبودية والخضوع والاستسلام لله رب العالمين ، وتعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى، وأن الإنسان لم يخلق إلا لعبادة الله تعالى ( بمعناها الشامل ) حيث تقتضي هذه العبودية الاستجابة لأوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، فكان فرض الزكاة نابعاً من حقوق وواجبات هذه العبودية، ومنبثقاً من مبدأ الاستسلام لله رب العالمين تطبيقاً لمعنى الإسلام، وتنفيذا لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) وقوله تعالى: ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً).
ب – أساس الاستخلاف في الأرض وفي المال، فالمبدأ الإسلامي بخصوص المال يقضي بأن المسلم مستخلف في ماله، لأن المال لله تعالى، وأنه تعالى هو المالك الحقيقي له ولكن الله تعالى استخلفنا في الأموال ولذلك يذكرنا الله تعالى بهذا الاستخلاف عند طلب الإنفاق حيث يقول تعالى : (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) ، وهذا الاستخلاف جزء من استخلاف الانسان في الأرض كلها
ج – أساس الأخوة الإسلامية في نظر الإسلام أخوة تفوق أخوتهم أخوة الدم والنسب ، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ومن مقتضى الاخوة التعاون والعطاء والبذل والإنفاق، فلكل شيء حقيقة، وحقيقة الأخوة أن يساهم الأخ في ضراء أخيه فيساعده، ويدفع حاجته مادام قادراً على ذلك ولذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، وهذا دليل على أن من لم يحس بأخيه وبحوائجه وآلامه فليس بمسلم حقيقي، فالزكاة تجسد هذه الأخوة حيث تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء لسد حاجتهم وعوزهم .
د – أساس التكافل الاجتماعي الذي يقضي بأن يقوم المجتمع الإسلامي على تكافل حقيقي بحيث يكون ضمناً لتحقيق الخير لجميع أفراده، ويكون كل فرد منه كفيلاً وضامناً لأخيه الفقير، من خلال مشاركته معه ومساهمته في رفع حاجته وعوزه ، ويكون الجميع متعاونين يحمل بعضهم بعضاً، ولا يكونون أنانيين مصلحيين لا ينظرون إلا إلى مصالح أنفسهم، فمجتمع الرعيل الأول كان قائماً على التكافل بل الإيثار حيث قال الله تعالى في وصف الأنصار وموقفهم من إخوانهم المهاجرين: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
نسبة الزكاة وما فيها من حِكَم وإعجاز من حيث التوزان وتحقيق الهدف المنشود دون إنهاك الأغنياء:
ومن المعلوم أن مقدار الزكاة الواجب في الأموال يختلف حسب معادلة عظيمة وتوازنات لا يحيط بها علماً إلاّ الله تعالى، ففي الذهب والفضة والنقود، وعروض التجارة النسبة الواجبة فيها هي 2,5% وهي نسبة مئوية واحدة، ولا تتغير بالزيادة أو النقصان مهما كانت كميّتها ، في حين أن مقدارها في الثروة الحيوانية معلوم ، ولكنه ليس نسبة مئوية ، كما أنه مقدار متغير حيث يجب غنم واحد في 40 – 120 غنماً ، ثم غنمان في 121-200 ، ثم ثلاث شياه في 201-299 ، وبعد 300 غنم يتحول المقدار إلى 1% .
وهذا المقدر يختلف في الأبقار ، والجمال
وأما مقدار الزكاة في الثروة الزراعية (وبخاصة الحبوب) فهي نسبة مئوية مرتفعة ، لأن الأصل معفو عنه حيث هي 10% إذا سقيت بماء السماء (المطر) ، و5% إذا سقيت بمياه الآبار ونحوها.
في حين أن زكاة المصانع والمشروعات الإنتاجية أخف ، حيث لا تجب الزكاة في الأصل المنتج، وأن نسبة الزكاة في صافي ناتجها قليلة أيضاً وهي 2,5% على الراجح المعتمد لدى المجامع الفقهية.
فهذه النسب والمقادير لو حللناها لتوصلنا إلى نتائج مدهشة، ومعادلات دقيقة روعي فيها قلة التكاليف، وكونها من الضروريات أو الحاجيات، ومقدار الأيادي العاملة، وقضية الإنتاج ، وكذلك رعاية كون وعاء الزكاة من النقود حيث تكون نسبة الزكاة أكثر، وليس فيها عفو ، في حين أن نسبة الزكاة في العروض أقل، وأن الأصول الثابتة والأصول الدّارة مثل المصانع ، وأصول القنية لا تجب فيها الزكاة ، في حين تصل نسبة الزكاة في صافي المعادن من البترول، والغاز، والحديد ونحوها إلى 20%.