تنفيذ التكافل الإسلامي بين الماضي والحاضر

كان التكافل الاجتماعي الإسلامي، وضمان الحياة الكريمة للفرد والجماعة يتمان من خلال موارد الدولة المتعددة المتمثلة في: الزكاة، والخراج (ضريبة الأرض) والجزية (ضريبة المواطنة) والفيء، واستثمارات الدولة وغيرها من أموال الدولة الإسلامية حسب ضوابط ومعايير شرعية خاصة بكل واحد من هذه الموارد، وبخاصة الزكاة.

إصدار قوانين لرعاية حقوق العمال، وضمان حقوقهم، وحرية اختيار العمل المناسب لهم من حيث التخصص، أو المواهب الفردية، مع حماية حق التنافس، والتفاوت، وقانون العرض والطلب ما دام ينأى عن الاستغلال والاحتكار، وبعبارة أخرى فإن الإسلام يحمي حقوق الطرفين: العمال، وأصحاب العمل من خلال توزان عادل. وقد ربط الإسلام بين العامل وصاحب العمل، بالقيم والضوابط الأخلاقية الإسلامية من الرحمة والشفقة والإحسان، وعدم تكليف العامل بما لا يطيق هذا من رب العمل، وأما من جانب العامل فهي: الأمانة، والإخلاص، والإتقان، والحفاظ على أسرار العمل، ونحو ذلك.

 

دور الأفراد والأسرة والقبيلة والمجتمع في تحقيق التنمية

إن المسؤولية في الإسلام لا تنحصر في الدولة وإن كانت تتحمل نصيب الأسد منها، ولكنها تعمّ غيرها من الأفراد والأسرة، والقبيلة والمجتمع، وفي هذه الفلسفة تكمن عظمة الإسلام وخلودها واستمرارها حتى لو تخلت عنها الدولة، في حين أن الضرائب مرتبطة بوجود الدولة، وتظهر تلكم الأدوار في ضوء دور الفرد في التنمية وتخفيف الفقر والبطالة، وذلك من خلال الأمور الآتية:

الأول: الزكاة الواجبة في حالة ما إذا كانت الدولة لا تقوم بعملية جمع الزكاة كلها، أو بعضها.

الثاني: النفقة الواجبة للزوجة وإن كانت غنيّة، وللأصول (أي الوالدين وإن عملوا) والفروع (الأولاد وإن نزلوا) ما داموا فقراء غير قادرين على الكسب، أما العجز أو لعدم وجود الكسب المناسب لهم، وهذا عند الجمهور.

الثالث: النفقة الواجبة لبقية الأقارب الورثة المحتاجين أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا مذهب جماعة من الفقهاء على التفصيل الآتي:

ذهب الحنفية إلى وجوب النفقة للحواشي ذوي الأرحام المحرمة بالنسب لا بالرضاع كالعم، والأخ، وابن الأخ، والعمة، والخال، والخالة، ولا تجب لغيرهم كابن العم، وبنت العم، وبنت الخال، وبنت الخالة، واشترطوا الفقر، والعجز عن الكسب بالنسبة للذكور منهم، وأما الإناث فاكتفوا بالفقر فقط.

والذي يظهر لنا رجحانه هو أن النفقة مرتبطة بالتوارث، فتجب على المنفق نفقة من يرثه بالفرض أو التعصيب ما دام محتاجاً ليس له مال ولا كسب، ويدل عليه ما يأتي:

أ- قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

فقوله تعالى (… وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ….) واضح في الدلالة على المقصود.

ب- وقوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) حيث أمر الله تعالى، والأمر حقيقة في الوجوب وأيضاً استعمل الحق، وهو أيضاً ظاهر في ثبوت هذا الحق.

ج- ما رواه مسلم وغيره بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك…).

د- ما رواه أبو داود وغيره بسندهم أنه قال: يا رسول الله من أبرّ؟ قال: (أمك، وأباك، وأختك، وأخاك…حقاً واجباً…).

هـ – وهناك آثار كثيرة عن الخليفة عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة تدل على ذلك.

و- ولأن النصوص الشرعية التي تثبت في مقابل الحق حقاً آخر، أو واجباً أو ما سميناه بالحقوق المتقابلة تدل على هذه المعادلة يقول ابن قدامة: (ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحقّ بمال الموروث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم).

ز- وكذلك تقتضي قاعدة (الغرم بالغنم) أن تكون هناك معادلة بين الإرث والنفقة وتحمل الدية (العاقلة) بالنفس، ثم أهله، ثم القرابة.

ح- هذا الرأي يتفق مع قواعد العدالة، والمبادئ العامة، ومقاصد الشريعة في تحقيق التكافل الاجتماعي.;