معالم الإصلاح والتجديد لدى شيخنا الغزالي:
من خلال دراستنا لكتبه، نستطيع القول بأن أهم عناصر الإصلاح والتجديد في فكره وأعماله وأنشطته، هي ما يأتي:
- عنايته بتزكية الداخل وتقوية التقوى في النفوس.
- مقاومته القوية والجريئة للانحراف الفكري والإفراط والتفريط، من الوقت المبكر، والتركيز على المنهج الوسط.
3- مقاومته للاستبداد السياسي، ودعوته إلى الحرية المنضبطة وإصلاح النظام السياسي.
4- مقاومته ومواجهته للفساد بشتى أشكاله، والدعوة إلى النزاهة والعدالة.
5- محاربته للتدّين المغشوش، وجهوده لبيان الدين الحق القائم على السلوك والأخلاق.
6- مقاومته للتخلف والجهل، والدعوة إلى التقدم والتحضر.
7- مقاومته للغزو الفكري والثقافي، ودعوته إلى التجديد في الفكر والثقافة.
8- مقاومته للاستعمار، وسعيه إلى تحرير الأمة.
9- تحرير المرأة في ظل الفكر الإسلامي الصحيح، وإبعاد ما جُعل ديناً -من العادات والتقاليد- عنها.
10- ترشيده للصحوة الإسلامية.
تلك عشرة كاملة، تكوِّن الأسس الركائز التي انطلق منها شيخنا، والتي هي في حدّ ذاتها من أهم أسس الإصلاح والتجديد والتغيير، نحاول أن نلقي بعض الأضواء على كل واحد منها. وهذه الأسس العشرة تتضمن التخلية والتحلية (حسب مصطلح أهل الزهد)، نشرحها بإيجاز، ونطيل النفس في الجوانب الاقتصادية عندما نتطرق للإصلاح الاقتصادي. أولاً- عنايته بتزكية الداخل وتقوية التقوى في النفوس: فقد أَوْلى الشيخ عنايته القصوى بتزكية الأجيال الناشئة على أساس العقيدة الراسخة، والإيمان القوي بالله تعالى وباليوم الآخر وبجميع أركان الإيمان والإسلام، وبغرس التقوى في القلوب والنفوس، وبإصلاح القلوب والنفوس والأرواح والعقول، ليترتب على ذلك العمل الصالح والسلوك القويم. فقد تحدّث في كتابه «علل وأدوية» عن أهمية ربط الناس بالإيمان بالله تعالى، وغرس الخوف والرهبة والخشية منه مع الأمل والرجاء، فقال: (إن كثرة الحديث عن الآخرة والجنة والنار لم يكن من قبيل اللغو، وكثرة الحديث عن التقوى وما تورثه في القلب من استقرار وما تُلقيه في الطريق من نور ليس من قبيل الخيال.
لقد استيقنت أنه لا يقلّ الغرور والشره، وحب النفس وحب الظهور، والمكاثرة بالمال والجاه.. إلا بالإيمان الحي والتعلق الشديد بما عند الله تبارك وتعالى. لقد رأيت من طغى عندما حكم، ومن غشّ عندما تعامل، ومن استكبر عندما استغنى، ومن أفسد أسرته وأمته عندما تمهّد له الطريق…، وتأملت الدوافع إلى هذا كله فلم أرَ إلا قلوباً خالية من الله -جل وعز- بعيدة عن الشعور بعظمته ورقابته! وإن هَمْهَمْت بكلمات محفوظة عن الدين والوحي! وأؤكد أنه عند فساد الفطرة لا يوجد دين، وعند اختلال العقل أو نقصانه لا يُفهم وحي! وأن الأوامر الجزئية المتناثرة المنفصلة عن روح جامع لا تكون سلوكاً، كما أن اللبنات المركومة وأسياخ الحديد الملقاة لا تُنشئ بيتاً). ثم بيّن أن نبينا العظيم -صلى الله عليه وسلم- قد أقام (حضارة حققت الغاية العليا من الوجود الإنساني، وكانت عدّته في ذلك ما تلقّى من وحي، وما أُلهم من هدى. كان أقدر المستقدمين والمستأخرين على تصحيح المسار الإنساني عن طريق ضبط الأجهزة الرئيسية في الكيان الإنساني). ولكن الشيخ مع تركيزه الشديد على تزكية النفس، فقد أَوْلى عنايته أيضاً بصناعة الحياة، وأهمية الجهاد في سبيل الله؛ ولكن في مجال إنشاء حياة طيبة ناجحة في الدنيا، لتكون موزعة للآخرة، فقال: (فأنا رجل مسلم أعلم أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم، وأعلم أن تداعي الأمم علينا سببه حب الدنيا وكراهية الموت)، ثم قال: (إنني أريد إفهام المؤمنين أن الحياة في سبيل الله كالموت في سبيل الله، جهاد مبرور، وأن الفشل في كسب الدنيا يستتبع الفشل في نصرة الدين، وأن الواجد الذي ينزل عما عنده خير من المفلس الذي لا ينزل عن شيء؛ لأنه لا يملك أي شيء.. إن السلبية لا تخلق بطولة، لأن البطولة عطاء واسع ومعاناة أشد). هكذا وازن بين الزهد والغنى الإيجابي.