يقوم فرض الزكاة في الإسلام على عدة أسس من أهما :
أ – أساس التكليف ، والعبودية والخضوع والاستسلام لله رب العالمين ، وتعمير الكون على ضوء منهج الله تعالى، وأن الإنسان لم يخلق إلا لعبادة الله تعالى ( بمعناها الشامل ) حيث تقتضي هذه العبودية الاستجابة لأوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، فكان فرض الزكاة نابعا من حقوق وواجبات هذه العبودية، ومنبثقاً من مبدأ الاستسلام لله رب العالمين تطبيقاً لمعنى الإسلام، وتنفيذا لقوله تعالى: ” وما كان لمؤمن لا مؤمنه إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم “[1] وقوله تعالى:” فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً[2].
ب – أساس الاستخلاف في الأرض وفي المال، فالمبدأ الإسلامي بخصوص المال يقضي بأن المسلم مستخلف في ماله، لأن المال لله تعالى، وأنه تعالى هو المالك الحقيقي له ولكن الله تعالى استخلفنا في الأموال ولذلك يذكرنا الله تعالى بهذا الاستخلاف عند طلب الإنفاق حيث يقول تعالى : ” وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه “[3] .
فإذا تقرر في عقيدة المسلم هذا المبدأ وترسخ في قلبه وكيانه سهل عليه أن ينفذ أوامر المستخلف المالك الحقيقي في الإنفاق وفي مصارفه بالشكل الذي يريده، المالك ولذلك يأتي وصف هؤلاء في سورة الإنسان” ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا” حيث يطعمون هؤلاء الفئات التي لا يرجى منها أي طمع دنيوي ، اللهم ” إنما نطعمكم لوجه الله .. لا نريد منك جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ..”[4] ، بينما يأتي وصف الكافرين الذين لا يؤمنون بهذا الاستخلاف بقوله تعالى “أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين “[5] فالذي ليس له هذا إيمان لماذا ينفق أمواله بدون فائدة ظاهرية في الدنيا فلماذا ينفق على اليتيم الذي لا يحس بشئ ولا يرجى منه طمع دنيوي ؟ ولماذا يدفع أمواله للفقراء والمحتاجين؟ وإنما يدفع أمواله لقضاء شهواته ويحض على طعام الجاه الذين يقابلونه بنفس الأسلوب ، أو يتوقع منهم الكثير ؟
فدفع الزكاة يجسد هذا المبدأ بصورته المتكاملة، حيث يلتزم به المسلم تنفيذاً لأمر خالقه ومالكه.
ج – أساس الأخوة الإسلامية في نظر الإسلام أخوة تفوق أخوتهم أخوة الدم والنسب ، قال تعالى:” إنما المؤمنون إخوة”[6]، ومن مقتضى الاخوة التعاون والعطاء والبذل والإنفاق، فلكل شيء حقيقة الأخوة أن يساهم الأخ في ضراء أخيه فيساعده، ويدفع حاجته مادام قادراً على ذلك ولذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد وسلم المؤمنين الصادقين (بالجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)[7]، وهذا دليل على أن من لم يحس بأخيه وبحوائجه وآلامه فليس بمسلم حقيقي، فالزكاة تجسد هذه الأخوة حيث تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء لسد حاجتهم وعوزهم .
د – أساس التكافل الاجتماعي الذي يقضي بأن يقوم المجتمع الإسلامي على تكافل حقيقي يكون كفيلاً وضامناً لأخيه الفقير، من خلال مشاركته معه ومساهمته في رفع حاجته وعوزه ، ويكون الجميع متعاونين يحمل بعضهم بعضاً، ولا يكونون أنانيين مصلحيين لا ينظرون إلا إلى مصالح أنفسهم، فمجتمع الرعي الأول قائماً على الإيثار حيث قال الله تعالى في وصف الأنصار وموقفهم من إخوانهم المهاجرين:” والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون “[8].
وأما فرض الضريبة فيقوم على عدة أسس نظرية منها: سيادة الدولة، فقد ذكرنا بإيجاز أن الضريبة في عهد الإمبراطورية الرومانية نقوم على مبدأ السيادة العامة للدولة، ومن هنا فكانت السلطة المركزية تفرض الضريبة حسب إرادتها بقصد تغطية النفقات العامة التي تتكبدها في الحروب، وفي الدفاع والخدمات العامة، فقد كان فرض الضرائب في العصر القديم تعبيراً خالصاً عن إرادة السلطة دون أي اعتبار رضا الدافعين[9]. ومنها النظرية التعاقدية حيث نادى بها بعض المفكرين، كما سبق واعتبروا الضريبة بمثابة عقد بين الفرد والدولة ولكنهم اختلفوا فيما بينهم في نوعية العقد، فذهب بعضهم إلى أنه عقد تأمين، وبعض أخر إلى أنه بيع خدمات وآخرون إلى أنه عقد شركة ذلك كما سبق بيانها وما وجه إليها من انتقادات. ومنها : فكرة التضامن الاجتماعي، حيث تبناها الفكر الحديث وأعقب حق الدولة في فرض الضريبة إلى فكرة التضامن الاجتماعي لتوزيع عبئها حسب مقدرة الممول التكليفية، وبذلك تنتقي فكرة المقابل والعقد، حيث أن الدولة تقوم بخدماتها تحقيقاً للنفع العام مما يستلزم تكاتف وتضمان الجميع في المساهمة في الأعباء[10]، ومنها الأساس القانوني حيث أن القانون الضريبي (وهو من فروع القانون العام) يدور حول فكرة الحق والسلطة والامتياز، ويرتبط بالواقع بدرجة أكبر من النوايا، وبالنتائج أكثر من الخطط، وبالآثار أكثر من الأسباب، وقد نادى البعض بضرورة التقيد بألفاظ القانون الضريبي دون الاجتهاد والقياس، لأنه استثناء وقيد على حرية الأفراد ويرتبط بهذا الأساس أن الضريبة لا تقر، ولا تفرض ولا تجبي إلا من خلال قانون ، وقد أصبح من المبادئ الأساسية قانونية الضريبية وعلى ذلك نصت معظم الدساتير فقد نص الدستور المصري على إنشاء الضرائب العامة أو تعديلها، أو إلغاءها لا يكون إلا بقانون[11] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة الأحزاب الآية 36
([2])سورة النساء الآية 65
([3]) سورة الحديد الآية -7
([4]) سورة الإنسان الآية 8-10
([5]) سورة الماعون الآية 1-3
([6]) سورة الحجرات الآية 10
([7]) الحديث رواه البخاري
([8]) سورة الحشر الآية 9
([9]) د. يونس البطريق : المرجع السابق ص 7-8
([10]) د. عبد الكريم صادق بركات: المرجع السابق ص19- المرجع السابق ص 75- 79- ود. يونس البطريق: المرجع السابق ص 230-247
([11]) د. عبد الكريم صادق بركات : المرجع السابق ص 81-83