New Page 1


السؤال :

( قام المصرف الزراعي التعاوني بتنفيذ المبادرة الزراعية لدولة رئيس الوزراء لتقديم
القروض والسلف الكافية لإنشاء المشاريع الزراعية الخاصية بالثروة الحيوانية
والنباتية وإنشاء البساتين ومساعدة الفلاحين للحصول على المكننة الزراعية واستخدام
طرق الري الحديثة كحفر الآبار الارتوازية والسطحية والري بالرش والتنقيط ودعم
المشاريع الاستثمارية الكبرى .

وإن الكتاب الصادر من دولة رئيس الوزراء جاء دعماً للفلاح وينص أن تدفع السلف
والقروض للمزارع بشروط مناسبة وبدون فائدة .

غير أن المصرف حينما يقوم بالتسليف وصرف المبالغ يستقطع من المبلغ المصروف نسبة
2% كنفقات إدارية وسميت برسم الخدمة وإن هذه النسبة كانت عائقاً لكثير من العراقيين
لاستلامها والتحفظ من هذه النسبة من الناحية الشرعية مع العلم أن القائمين على
المصرف أخبروني بأن هذه النسبة ليست من قبيل الفائدة وإنما لتغطية النفقات الإدارية
وأجور العمال وغيرها .

ونظراً للظروف الصعبة التي يمر بها الفلاح العراقي وحاجة البلد إلى توفير الأمن
الغذائي فإن العراقيين يأملون باباً شرعياً لتيسير أمورهم وإنقاذهم مما هم فيه من
الفقر والضنك وقلة المؤونة علماً اننا نرى ثلي الشعب العراقي أخذ من هذه القروض
وبقي الثلث الآخر يتطلع إلى مخرج شرعي لتغطية نفقاتهم واحتياجاتهم وان سماحتكم يعلم
ان تغير الفتوى أمر وارد وفق متطلبات المرحلة الحالية وحسب الظروف الراهنة وطبقاً
للأوضاع الداخلية التي يمر بها العراقيون ، أفيدونا أفادكم الله ) .

الجواب :

أولاً ـ إن مما لا يخفى على أحد من العارفين ما ذكره القرآن الكريم حول
الربا ، حتى وصف الله تعالى الاستمرار فيه بالحرب ، وخيّر أكلته بين الإيمان الصادق
الذي يمنعهم من الربا ، وبين الحرب من الله فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)
سورة البقرة/ الآية 278 279 .

ولذلك أناشد المسؤولين في العراق وغيره أن يبدؤوا بخطة مدروسة متأنية للخروج من
هذا الوباء العظيم الذي سماه الله تعالى في آية أخرى بالمحق في البركات فقال تعالى
: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا ) سورة البقرة / الآية 276 ، ولا سيما أن دستور
العراق ينص على أن المرجعية الأساسية لقوانينه هي الشريعة ، وأنه لا يجوز إصدار
قانون يخالف ثوابتها .

ثانياً ـ بالنسبة للجواب عن السؤال المطروح نقول :

  1.  أن مما اتفق عليه العلماء أن أية زيادة مشروطة على الأجل في القروض
    فهي محرمة وربا قلّت أو كثرت ، وهذا ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي
    الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ( قرار رقم 10(10/2) ، وهذا نصه : (إن
    مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة
    انعقاد مؤتمر الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الآخر 1406هـ، الموافق 22 – 28 كانون
    الأول ( ديسمبر ) 1985م، بعد أن عرضت عليه بحوث مختلفة في التعامل المصرفي
    المعاصر، وبعد التأمل فيما قدم ومناقشته مناقشة مركزة أبرزت الآثار السيئة لهذا
    التعامل على النظام الاقتصادي العالمي، وعلى استقراره خاصة في دول العالم
    الثالث، وبعد التأمل فيما جرَّه هذا النظام من خراب نتيجة إعراضه عما جاء في
    كتاب الله من تحريم الربا جزئياً وكلياً تحريماً واضحاً بدعوته إلى التوبة منه،
    وإلى الاقتصار على استعادة رؤوس أموال القروض دون زيادة ولا نقصان قلّ أو كثر،
    وما جاء من تهديد بحرب مدمرة من الله ورسوله للمرابين،
    قرر ما يلي:
    أولاً: أن كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء
    به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد. هاتان
    الصورتان ربا محرم شرعاً.
    ثانياً: أن البديل الذي يضمن السيولة المالية والمساعدة على النشاط الاقتصادي
    حسب الصورة التي يرتضيها الإسلام هو التعامل وفقاً للأحكام الشرعية.
    ثالثاً: قرر المجمع التأكيد على دعوة الحكومات الإسلامية إلى تشجيع المصارف
    التي تعمل بمقتضى الشريعة الإسلامية، والتمكين لإقامتها في كل بلد إسلامي لتغطي
    حاجة المسلمين كي لا يعيش المسلم في تناقض بين واقعه ومقتضيات عقيدته والله
    أعلم ؛؛ ) .
  2. غير أن الفقهاء المعاصرين فرقوا بين زيادة تؤخذ على القرض لأجل الزمن ،
    وبين عمولات مفصولة عن عقد القرض تؤخذ على العمل والاشراف والإدارة ، حيث إن
    الأول محرم مهما كان قليلاً أو كثيراً ، وأن الثاني جائز بالشروط والضوابط ،
    وهذا ما صدر به قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر
    الإسلامي ( قرار رقم 13(1/3) وهذا نصه : ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي
    المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13
    صفر 1407هـ، الموافق 11 – 16 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1986م، بعد دراسة مستفيضة
    ومناقشات واسعة لجميع الاستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع،

قرر ما يلي:

أ ـ بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية:
أولاً: يجوز أخذ أجور عن خدمات القروض على أن يكون ذلك في حدود النفقات
الفعلية.
ثانياً: كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعاً )

وبناء على ذلك فإن هذه الزيادة المذكورة في السؤال يمكن علاجها والحكم عليها على
ضوء ما يأتي :

  1.  إذ كانت هذه الزيادة مصاريف فعلية ومفصولة ، وحينئذ نفصلها عن عقد القرض من
    خلال عقد الوكالة فإنها جائزة، ولا سيما إذا كان القرض من الدولة ، ويكون البنك
    الزراعي مجرد منفذ ، ويأخذ هذه الزيادة كمصاريف فعلية ، ويرتب لها عقد الوكالة
    المرفق مستقلاً عن عقد القرض ، وحينئذ يوقع الفلاح على عقدين مفصولين ، أحدهما
    : عقد قرض مضمون يجب رده بالمثل ، والعقد الثاني : عقد الوكالة المرفق .
    ويدل على إباحة هذه الصورة بهذه الحالة أن النسيء المحرم بالاجماع هو الزيادة
    في النقود مقابل الأجل ، وهذا المعنى مؤكد بالجانب اللغوي الذي نزل به القرآن
    الكريم ، ولذلك فإذا كانت الزيادة في مقابل أعمال أو إشراف ، وفصلت عن عقد
    القرض فقد خرجت عن الربا المحرم ، ودخلت في عقد الوكالة بأجر .
    ومن المجمع عليه بين الفقهاء جواز أخذ الأجر ( العمولة ) على الوكالة ، وقد
    أجاز جمع من الفقهاء القدامى ـ أمثال الفقيه الحنفي ابن عابدين ـ وجماعة من
    الفقهاء المعاصرين ، أن تكون العمولة نسبة من المال كما هو الحال بالنسبة
    للسمسار .
  2.  أما إذا كانت هذه الزيادة في مقابل القرض والأجل فإنها محرمة حتى ولو
    كانت قليلة ، لأنها تدخل ضمن الزيادة المشروطة التي اتفق الفقهاء على حرمتها ،
    ويعبر ذلك بالقاعدة المعروفة : ( كل قرض جرّ منفعة مادية مشروطة فهو ربا ) وهذه
    القاعدة معضدة بالنصوص الشرعية والاجماع .

الخطوات العملية :

  •  وجود عقد القرض خالياً من أية زائدة يوقع عليه الفلاح بالرد عليه
    بالمثل حسب الأقساط المرتبة من البنك .
  •  عقد الوكالة الذي يوقعه الطرفان .

هذا والله الموفق وهو أعلم بالصواب