السؤال :
عند طرح أي مناقصة يشترط تسليم المناقصة في موعد محدد بتاريخ ويوم
وكل يوم تأخير عن الموعد المتفق عليه يتم دفع غرامة مالية وغالبا ما تكون الغرامة
عالية جدا … ما حكم الإسلام في هذه الغرامة؟ كما أنه قد تشترط هذه الغرامة في
حالة أصلها ليست الديون التي قد تكون في ربوية أو غير ربوية ؟
الجواب :
الغرامة على التأخير على نوعين:
النوع الأول :
غرامة التأخير على تأخير العمل عن موعده كما هو الحال في عقود
المقاولات والاستصناع ونحو ذلك، فإن اشتراط هذه الغرامة جائز شرعاً لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم، ولما ورد من أقضية بعض التابعين كالقاضي شريح
وغيره بذلك.ـ ومن جانب آخر فإن تأخير تسليم العمل يترتب على صاحب العمل أضراراً
كبيرة، بل قد يكون هو أيضاً ملتزماً بالتزامات في مقابل الآخرين، وقد صدر قرار من
مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة يجيز اشتراط غرامة التأخير وأخذها في عقود
المقاولات والاستصناع بمختلف أنواعه.
ومع ذلك لا بد ألا يكون هناك استغلال أو شروط تعسفية بين الطرفين
أما إذا كانت الظروف الخارجة عن إرادة الطرفين قد حالت دون إنجاز العمل أو الشيء
المصنوع فإنه تنطبق عليه قاعدة الظروف القاهرة التي يسميها الفقهاء بوضع الجوائح (أي
الآفة الشاملة كالحروب والزلازل …) وحينئذ لا يجوز أخذ هذه الغرامة ما دام
المقاول أو الصانع لم يكن لهما دور في التأخير.
هذا وقد صدر قرار خاص بالاستصناع من مجمع الفقه الإسلامي الدولي
قرار رقم (65(3/7) حيث نص على أنه ( يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً
بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة ) وصدر كذلك قرار من
المجمع نفسه : قرار رقم : ( 109(3/12) حول الشرط الجزائي وهذا نصه : ( إن مجلس مجمع
الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة
بالرياض في المملكة العربية السعودية، من 25 جمادى الآخرة 1421هـ ـ 1 رجب 1421هـ
الموافق 23 – 28 أيلول ( سبتمبر ) 2000م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (الشرط
الجزائي). وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع
وخبرائه وعدد من الفقهاء.
قرر ما يلي:
أولا: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين
على تقدير التعويض الذي يستحقه من شُرِط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم يُنَفِّذ
الطرف الآخر ما التزم به، أو تأخّر في تنفيذه.
ثانيا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي
الواردة في قراره في السَّلَم رقم 85(2/9)، ونصه: “لا يجوز الشرط الجزائي عن
التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في
الديون عند التأخير”، وقراره في الاستصناع رقم 65(3/7). ونصه: “يجوز أن يتضمن عقد
الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان ما لم تكن هناك ظروف قاهرة”،
وقراره في البيع بالتقسيط رقــم 51(2/6) ونصه: “إذا تأخر المشتري المدين في دفع
الأقساط بعد الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون
شرط، لأن ذلك ربا محرم”.
ثالثا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترناً بالعقد الأصلي،
كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحقٍ قبل حدوث الضرر.
رابعا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود
المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً؛ فإن هذا من الربا
الصريح.
وبناء على هذا، يجوز هذا الشرط – مثلاً – في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد
التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفّذ ما التزم به
أو تأخّر في تنفيذه.
ولا يجوز – مثلا – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد
الأقساط المتبقية سواء، كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع
بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه.
خامسا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي
الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر
الأدبي أو المعنوي.
سادسا: لا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرِط عليه أن
إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من
الإخلال بالعقد.
سابعا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تُعدِّل
في مقدار التعويض إذا وجدت مبرراً لذلك، أو كان مبالغاً فيه.
أما النوع الثاني :
فهو غرامة التأخير على الديون فمهما كانت أسبابها كالقرض
والالتزامات الآجلة، فإن هذه الغرامة لا تجوز شرعاً سواء كانت الديون ربوية في
أصلها ، أم لا عند جماهير الفقهاء، ومنهم من أجاز ذلك ولكن بشرط النص في العقد بأن
هذه الغرامة سوف تصرف في وجوه الخير، وهذا يؤصل فقهياً بالتزام الشخص بالتبرع طوعاً
فيكون ملزما بما التزم به وهذا مبني على رأي للمالكية أجازوا الالتزام بالتطوع
والخير ، وقد صدر بذلك قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم (133(7/14)
وهذا نصه : ( إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر
الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة ( دولة قطر ) 8 – 13 ذو القعدة
1423هـ، الموافق 11 – 16 كانون الثاني (يناير) 2003م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع مشكلة
المتأخرات في المؤسسات المالية الإسلامية، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت
حوله.
قرر ما يلي:
أولاً: إن أسلوب معالجة مشكلة المتأخرات التي تواجهها
المؤسسات المالية الإسلامية تختلف عن الأسلوب الذي تستخدمه البنوك التقليدية، حيث
إن البنوك التقليدية تتعامل بالفائدة المحرمة، لذا فإن من المناسب التأكيد على
تحريم الفوائد البنكية في ضوء ما يأتي:
-
وظائف البنوك التقليدية:
إن القوانين المنظمة لعمل البنوك تمنعها من العمل في مجال الاستثمار القائم على
الربح والخسارة. فهي تتلقى الودائع من الجمهور بصفتها قروضاً، وتحصر وظائفها –
كما يقول القانونيون والاقتصاديون – في الإقراض والاقتراض بفائدة، وخلق
الائتمان بإقراض تلك الودائع بفائدة ً.
-
العلاقة بين البنوك التقليدية والمودعين:
إن التكييف الشرعي والقانوني للعلاقة بين المودعين والبنوك هو علاقة إقتراض لا
وكالة، وهذا هو ما تقرره القوانين وأنظمة البنوك، وذلك لأن الوكالة في
الاستثمار عقد يفوض بمقتضاه شخص آخر في استثمار مبلغ من المال مملوك لصالح
الموكل مقابل أجر محدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وقد انعقد
الإجماع على أن الموكل يملك المال المستثمر، وله غُنمه ( ربحه ) وعليه غرمه (
خسارته ) وللوكيل الأجرة المحددة في عقد الوكالة إذا كانت الوكالة بأجر. وعلى
ذلك فلا تكون البنوك وكيلة عن المودعين في استثمار ودائعهم لأن هذه الودائع
بتقديمها إلى البنك التقليدي وضمانه لها تكون قروضاً يملك التصرف فيها مع
التزامه بردها، والقرض يُردّ بمثله دون أي زيادة مشترطة.
-
فوائد البنوك التقليدية من الربا المحرم شرعاً:
إن فوائد البنوك على الودائع من الربا المحرم شرعاً في الكتاب والسُنة وهو ما
تضافرت عليه القرارات والفتاوى منذ المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث
الإسلامية المنعقد بالقاهرة في المحرم سنة 1385هـ / مايو 1965م، وحضره خمسة
وثمانون فقيهاً من كبار علماء الأمة، وضم ممثلين لخمس وثلاثين دولة إسلامية،
ونصّ في بنده الأول على أن: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم. وتعاقبت
بعد ذلك قرارات وتوصيات مؤتمرات عدة منها:
المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة
المكرمة عام 1396هـ/1976م والذي حضره أكثر من ثلاثمائة من علماء وفقهاء وخبراء في
الاقتصاد والبنوك، وقد أكد على حرمة فوائد البنوك.
-
المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية المنعقد في الكويت
1403هـ/ 1983 م وقد أكد على المعنى نفسه. -
مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر
الإسلامي في دورة مؤتمره الثاني بجدة في ربيع الآخر 1406هـ/ديسمبر 1985م في
قراره رقم 10 (10/2)، والذي نص على أن: كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل
أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على
القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً. -
المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة
المكرمة الذي أكد في دورته التاسعة المنعقدة عام 1406هـ/ 1986م: على أن كل ما
جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً. -
لجنة الافتاء بالأزهر التى أكدت على حرمة عوائد شهادات
الاستثمار (أ، ب) لأنه من باب القرض بفائدة، والقرض بفائدة ربا، والربا حرام. -
فتوى فضيلة المفتي – آنذاك – الشيخ الدكتور محمد سيد
طنطاوي في رجب 1409هـ/فبراير 1989م، تنص على أن: إيداع الأموال في البنوك أو
إقراضها أو الاقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً حرام.
يضاف إلى كل ما سبق ذكره فتاوى العديد من الهيئات العلمية:
كالمجامع الفقهية في البلدان الإسلامية، ولجان الفتوى، والندوات والمؤتمرات العلمية،
وفتاوى أهل العلم والمختصين في شؤون الاقتصاد وأعمال البنوك في العالم الإسلامي
كلها أكدت على هذا المعنى بحيث تشكل في مجموعها إجماعاً معاصراً لا تجوز مخالفته
على تحريم فوائد البنوك.
4. تحديد عائد
الاستثمار بمبلغ مقطوع أو بنسبة من رأس المال مقدماً:
من المقرر أن عقد القرض بفائدة يختلف عن عقد المضاربة الشرعية حيث
إن الربح للمقترض والخسارة عليه في القرض، أما المضاربة فهي مشاركة في الربح وتحمل
للخسارة إن وقعت، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” الخراج بالضمان ” ] رواه أحمد وأصحاب
السُنن بسند صحيح [. أي ما يتحصل من عوائد ونماء وزيادات، إنما يحلُّ لمن يتحمل
تبعة التلف والهلاك والتعيّب، وقد استخلص الفقهاء من هذا الحديث القاعدة الفقهية
المشهورة ” الغُنم بالغُرم “. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ” نهى عن ربح ما
لم يُضمن ” ] رواه أصحاب السُنن .
وقد وقع الإجماع من الفقهاء على مدى القرون وفي جميع المذاهب بأنه
لا يجوز تحديد ربح الاستثمار في المضاربة وسائر الشركات بمبلغ مقطوع أو بنسبة من
المبلغ المستثمر (رأس المال)، لأن في ذلك ضماناً للأصل وهو مخالف للأدلة الشرعية
الصحيحة، ويؤدي إلى قطع المشاركة في الربح والخسارة التي هي مقتضى الشركة والمضاربة.
وهذا الإجماع ثابت مقرر إذ لم تُنقل أي مخالفة له، وفي ذلك يقول ابن قدامة في
المغني (3/34): أجمع من يُحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض (المضاربة) إذا
شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة “. والإجماع دليل قائم بنفسه.
وإن المجمع وهو يقرر ذلك بالإجماع يوصي المسلمين بالكسب الحلال
وأن يجتنبوا الكسب الحرام طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: الديون المتأخر سدادها:
أ- بخصوص الشرط الجزائي في
العقود: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في
السلم رقم 85 (2/9) ونصه: “لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه ؛
لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير”، وقراره في
الشرط الجزائي رقم 109 (4/12) ونصه: “يجوز أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود
المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً، فإن هذا من الربا
الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي – مثلا – في البيع بالتقسيط بسبب تأخر
المدين عن سداد الأقساط المتبقية سواء كان بسبب الإعسار، أو المماطلة، ولا يجوز في
عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه”.
ب- يؤكد المجمع على قراره السابق
في موضوع البيع بالتقسيط رقم 51 (2/6) في فقراته الآتية:
ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد
المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا
محرم.
رابعاً: يحرم على المدين المليئ أن يماطل في أداء ما حل من
الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.
خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط
قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضى بهذا الشرط عند
التعاقد “.
سادساً: لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع،
ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء
الأقساط المؤجلة “.
ج- ضرورة اعتناء المصارف
الإسلامية بمعالجة أسباب تأخير سداد الديون كالاهتمام بالمرابحات والعقود الآجلة،
ومن عدم الأخذ بالوسائل الفنية للتمويل ( كدراسة الجدوى ) وعدم الأخذ بالضمانات
الكافية.
ثالثاً: يوصي المجلس بما يأتي:
-
أن تلتزم المصارف الإسلامية في مسيرتها بالمنهج
الاقتصادي الإسلامي وضوابطه، وأن تقوم بالإصلاحات الفنية والإدارية اللازمة
لتحقيق المزيد من التقدم من خلال الاستثمارات المباشرة والمشاركات لتحقيق
التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي من أهم غايات وأهداف المصارف والمؤسسات
المالية الإسلامية. -
أن يتم البحث عن آليات بديلة لمشكلة المتأخرات في
المؤسسات المالية الإسلامية وتقديم دراسة فيها لعرضها على المجلس في دورة
لاحقة.،والله أعلم )
وكذلك صدر قرار (85(2/9) من المجمع بعدم جواز الشرط الجزائي في
السلم على أنه : (لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه
عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير ).