صحيفة العرب القطرية
16/08/2010
د. علي القره داغيذكرنا عند بيان الفرق بين علم الاقتصاد، والنظام أو المذهب الاقتصادي أن النظام يمثل الجانب الإديولوجي والاجتماعي، ومجموعة من القواعد التي يبنى عليها النظام، وأن لكل نظام اقتصادي عقيدته الفلسفية التي يبنى عليها لحل المشكلة الاقتصادية.
فعلى ضوء ذلك أن النظام الاقتصادي الإسلامي هو التصور الإسلامي للمشكلة الاقتصادية، الذي يتضمن مجموعة من المبادئ الأساسية والمعطيات الأولية، ثم تحليل كيفية تفاعل المتغيرات الاقتصادية في إطار هذه المبادئ والمعطيات، وبعبارة أخرى فإن الاقتصاد الإسلامي هو الانتفاع المشروع بالموارد الطبيعية المنتجة وحسن استثمارها.
الأسس العامة للنظام الاقتصادي الإسلامي:
يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على مجموعة من الأسس العامة تميزه عن غيره، نذكرها بإيجاز، وهي:
الأساس الأول: قيام أصوله وثوابته على القيم العقائدية، والأخلاقية، والمرجعية الإسلامية التي سنشرحها عند الحديث عن خصائص الاقتصاد الإسلامي.
وهذا الأساس ليس مجرد أساس مرجعي فكري، وإنما له تأثيره الكبير في تنظيم العلاقة بين الإنسان والمال، وبينه وبين الإنسان والمجتمع، وكذلك له تأثيره في التصورات الخاصة باستخلاف الإنسان ودوره في العمران، وبطبيعة الملكية، والتوازن بين أنواعها، وبجميع الأنشطة الاقتصادية.
الأساس الثاني: مبدأ الاعتراف بالملكية المتنوعة وربطها بدورها الاجتماعي، والشاملة للملكية الفردية الخاصة، والملكية العامة، وملكية الدولة.
نوعية الملكية في الاقتصاد الإسلامي:
إن الملكية في الاقتصاد الإسلامي لها طابع خاص متميز، فلا هي ملكية فردية -كما هو الحال في النظام الرأسمالي، ولا هي ملكية جماعية، أو ملكية الدولة لكل أدوات الإنتاج، أو بعبارة أخرى إلغاء الملكية الفردية كما هو الحال في النظام الشيوعي- وإنما هي ملكية مزدوجة ومرتبطة بدورها الاجتماعي، وبغايتها من التعمير، ولذلك نرى أن لها ثلاثة أنواع سيأتي تفصيلها فيما بعد، ولكن هنا نركز عليها من خلال رؤية الاقتصاد الإسلامي إليها، فالملكية الفردية الخاصة محمية في الإسلام، ولكنها مقيدة بقيود نافعة لصالح المجتمع ينحصر أهمها في القيدين الآتيين، وهما:
أ) قيد خاص يتعلق بتحريم بعض الأنشطة الاقتصادية من حيث الكسب، والإنتاج والإنفاق، والاستهلاك والتبادل والتوزيع وإعادة التوزيع -كما سيأتي- ولكن هذا القيد ثبت بالاستقراء أنه لمصلحة الجميع، ولتحقيق التوازن.
ب) قيد على حرية امتلاك الفرد، يخص منع امتداد الملكية الخاصة للموارد ذات النفع العام أو ما يعدّ ضرورياً لعامة الناس مثل مياه البحار، والغابات، ونحوهما، أي أنه يوجد بجانب الملكية الخاصة نوعان آخران من الملكية هما: الملكية العامة، أي ملك للمجتمع، أو الأمة على سبيل الشيوع، وبالتالي فلا يجوز أن يطغى الفرد وحده عليها، وإلاّ تضرر الآخرون، وهي ملكية المياه العامة (كالبحار والأنهار) والغابات.
والملكية الأخرى: هي ملكية بيت المال أو الدولة لمشاريعها الخاصة بها مثل الطرق العامة والمستشفيات، والمشروعات الخاصة بها ونحوها.
وقد استطاع الفقه الإسلامي أن يجعل الملكية الخاصة والملكية العامة في مجال التكامل والتعاون، وليستا في مجال التضاد والتناقض، فالملكية العامة تتجه نحو الموارد العامة، والخاصة تتجه نحو الموارد الخاصة دون أن يتضرر أحد من ذلك.
إن التجارب الإنسانية مع الرأسمالية والشيوعية تدل بوضوح على أن الملكية الخاصة وحدها مع حريتها أدت إلى ظلم شديد وتعسف لمعظم طبقات الشعب الكادحة، وأن إلغاءها في النظام الشيوعي لم يعالج فقر الفقراء، بل قضى على الأغنياء وظلمهم فجعلهم فقراء، ثم انتهى النظام بالفشل الذريع كما شاهدناه في انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار نظامه الاقتصادي الذي أرجع إليه فشل نظامه السياسي أيضاً.
فالملكية فطرة من فطر الله تعالى التي فطر الناس عليها، لذلك لا يمكن كبتها وحرمان الناس منها كما قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
لذلك لا بدّ من تهذيبها وتحريكها نحو الخير والبناء، وضبطها بالقيم الدينية والأخلاقية كما فعله الإسلام.
وكذلك الأمر بالنسبة لدور الدولة حيث إنه ليس دور التدخل والتحكم، وإنما دور الرقابة والإشراف، كما سبق.
وهكذا الأمر بالنسبة للمنافسة، حيث أجاز المنافسة الشريفة وحرم الاحتكار والاستغلال.
وهكذا الإسلام يجمع في النظام الاقتصادي بين المصالح الخاصة والمصالح العامة، والمصالح المادية والحاجات الروحية، وبين الثبات والتطور.