– إن منهج الإسلام في العقيدة والغيبيات يساعد على عملية التعمير والاستخلاف، حيث منح الإنسان من المعلومات ما يحتاج إليه من بيان المبدأ، والمنتهى، والمصير، وعالم الغيب، وعالم ما وراء الطبيعة، حيث إن المسلم المطلع على القرآن والسنة الصحيحة لديه العلم الكافي والشافي حول الخالق وصفاته، وحول الملائكة والجن، وحول ما بعد الموت إلى الخلود في الجنة أو النار، وحول بداية الخلق ونهاية الخلق.
ولذلك دعا الإسلام المسلم إلى عدم الخوض في عالم الغيب، وعدم استعمال قياس الغائب على الحاضر، فوجّهه إلى المنهج التجريبي، وإلى استعمال عقله وما لديه من علم وخبرة في تعمير الأرض، وبذلك وفر الإسلام له وقتاً كبيراً جداً للتعمير، بدل التيه في عالم الغيب وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا)، ومن هنا يستثمر المسلم عقله بالكامل وطاقاته القصوى للتعمير، ولذلك وصل المسلمون الأوائل إلى تحقيق حضارة عالية خلال أقل من قرنين ما كان بإمكان الحضارة الرومانية أو الساسانية أن تصل إليها، إلاّ من خلال ألف سنة، كما يشهد بذلك المنصفون.
فلو نظرنا إلى العقول الكبيرة لدى فلاسفة الإغريق واليونان مثل أرسطو وأفلاطون لرأينا أنها لو وجهت إلى المنهج التجريبي كم حققت من التقدم العلمي؟، ولكنها تاهت في عالم الميتافيزيقيا.
ومن هنا عادت العقيدة الإسلامية بالفائدة على الجانب الاقتصادي وتحقيق زيادة الإنتاج والتنمية. ب- وهكذا الشعائر التعبدية من الصلاة والزكاة والصيام والحج، كلها تتجه نحو إصلاح الإنسان حتى تعدّه الإعداد المناسب للاستخلاف والاستعمار، فقد بين القرآن الكريم أن الهدف من الصلاة التذكير بالله تعالى وعبادته، وبالتالي الانتهاء عن الفحشاء والمنكر فقال تعالى: «إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، وبالنسبة للصوم يقول تعالى: «…. لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، وبالنسبة للزكاة يقول تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، وفي الحج يقول: «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ».
إذن فإن الشعائر التعبدية تقوم بتزكية الإنسان وتربيته على الخوف من الله، وبالتالي الإتقان والإحسان في العمل، وعدم الغش والخيانة والفساد الإداري، وكل ذلك له دور عظيم في الإنتاج وحماية الأموال وتنميتها، إضافة إلى منع الجرائم المالية وغيرها من السرقات ونحوها.
ويترتب على ما سبق أن حماية الأموال وتنميتها لا تعتمد على القانون فحسب، بل تعتمد أولاّ على التربية والتزكية والقيم الأخلاقية، ثم على القوانين الرادعة والزاجرة، أو الدافعة.
سادساً: إن نعم الله تعالى بما فيها النعم المادية أو ما يسمى بالموارد الطبيعية كافية، بل هي كثيرة لا تعدّ ولا تحصى فقال تعالى عند الحديث عن خلق الأرض والسموات: «وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا»، وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ».
وإن الاقتصاد الإسلامي لا ينكر الندرة في الموارد، ولكن سببها في نظره ليس في أصلها، وإنما السبب يعود إلى عدم استغلال الكون الاستغلال المطلوب في الإنتاج والتنمية، أو إلى سوء التوزيع، والمظالم، والإسراف والتبذير.
سابعاً: إن الأصل في جميع الأشياء والأعيان الإباحة، فقد قال تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ»، بل إن مقتضى التسخير الإباحة والتمكين من كل ما في الكون، إلاّ ما دل دليل خاص من الكتاب والسنة الصحيحة على حرمته.
ثامناً- السعي الحثيث لتحقيق ما هو أوسع من مفهوم الرفاهية في الاقتصاد الوضعي، وهو ما يسميه الإسلام بحسنتي الدنيا والآخرة، والحسنة والخير، والزينة والطيبات، والسعادة في الدنيا، إضافة إلى سعادة الآخرة، فقال تعالى: «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»، وقال تعالى: «وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً»، وقال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ».