خاص بـ “هاولاتي”
في مقابلة خاصة مع هاولاتي يؤكد فضيلة الاستاذ الدكتور علي محي الدين القرداغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس الرابطة الاسلامية الكوردية بأن الاسلام لا يجوّز الاعتداء وله مبادئ وقواعد لحالات السلم ولحالات الحرب وانه يجمع بين الثوابت والمتغيرات، ويشير في الوقت نفسه الى ان الاعلام جهاد بالقلم والكلمة والصوت والصورة. ويجيب عن اسئلة اخرى وفي محاور مختلفة.

هاولاتي: يقول البعض إن الاسلام برنامج واسع يسع كل التفسيرات والتأويلات، وبالتالي يمكن أن يستعمل في الخير وغيره، وأن يستعمله الارهابي المتطرف، والوسطي المعتدل، فعلي سبيل المثال فإن الله تعالى ذكر القتال والاعتداء في سورة البقرة أكثر من 25 مرة في حين نجد فيها أيضاً الدعوة إلى التسامح، وهكذا ..

الدكتور علي: هذا الكلام بعمومه غير دقيق بل غير صحيح، فإن القرآن الكريم له منهج خاص في عرض الأمور، فيذكر الخير والشر، والنور والظلام، والعلم والجهل ..، ولكن يضع كل شيء في مكانه في ضوء ميزان دقيق لا يضل فيه العالم الراسخ أبداً .
فمثلاً إن القرآن الكريم حينما يتحدث عن القتال والاعتداء يخصصهما بحالات التعامل بالمثل، أي حالة القتال والاعتداء والدفاع عن النفس، ومع ذلك يعقب القرآن بقوله ( وَلَا تَعْتَدُوا ) أي أنه حتى في حالة اعتداء الآخر فلا يجوز للمسلم أن يعتدي على الآخر، وإنما يجوز الدفاع عن النفس، وعن الدين، وعن حرية الأديان، ولذلك بيّن القرآن الكريم ذلك في أول آية عن الجهاد في سورة الحج : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ـ سورة الحج، الآية 39-40 ـ أن من مبررات الجهاد ظلم الآخر، والدفاع عن حريات الأديان والحفاظ على أماكن العبادة كلها حرة مفتوحة غير ممنوعة ولا مهدومة، ثم حينما يتحدث عن التسامح يتحدث عن حالة السلم والدعوة، فللسلم والظروف الطبيعية أحكامها الخاصة بالتسامح، وللحروب والاعتداء والهجوم من قبل الأعداء أحكامها الخاصة من القتال للدفاع ودرء الأعداء والقضاء على شوكتهم .
لذلك فالقرآن الكريم ليس فيه تعارض أبداً ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) ـ سورة النساء، الآية 82 ـ   وإنما الاشكالية في فهم هؤلاء، فالإسلام بحق دين السلم والسلام والتسامح والرحمة وهذا هو الأصل لآيات كثيرة منها قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) ـ سورة الأنبياء، الآية 107 ـ .
وقد اختار الله تعالى اسم الاسلام من السلم والسلام، واسم (الايمان) للأمن والأمان، وأن سلام المؤمن بعد الصلاة يميناً ويساراً عهد منه بأن يحافظ على هذا السلام على كل من في يمينه، أو يساره إلاّ المعتدين .
ومع ذلك فإن الإسلام أيضاً دين القوة والعزة والكرامة فلا يقبل لأهله الذل والاستسلام، ولذلك أمرهم بالقوة المعنوية والعلمية والمادية والعسكرية والاقتصادية فقال تعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) ـ سورة الأنفال،  الآية 60  ـ وقد بينت هذه الآيات بأن هذه القوة ليست للاستعمال إلاّ عند الضرورة بل لمنع الاعداء من الاعتداء عندما يعرفون بقوة الاسلام يخافون فلا يهاجمون، ولذلك قال الله تعالى : ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ولم يقل : تقتلون به عدو الله وعدوكم، وهذا ما يسمى بنظرية الردع الاستراتيجي، حيث وقعت حربان عالميتان في أوروبا وحدها في النصف الأول من القرن العشرين، ولكن عندما تمكنت الدول الكبرى (أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق ) من القوة النووية لم تقع حرب عالمية ثالثة .
ولقد جمعت هذه الآيات في كتاب لي سميته بفقه الميزان، وقلت : هناك ميزان للحرب له متطلباته وأوزانه، وميزان للسلم والتعايش له متطلباته ومقتضياته .

هاولاتي: هل نستطيع القول بأن الإسلام يمكن أن يستعمل أداة للسلم، أو أداة للحرب ؟

الدكتور علي: هذا كلام يحتاج إلى تفصيل، والحق أن الدين الاسلامي ليس بضاعة صالحة لكذا وكذا، وإنما هو دين نزل للهداية والرحمة والخير للبشرية جمعاء، وان له مبادئ وقواعد لحالات السلم ولحالات الحرب، وأنه ليس خاضعاً لإدارة الإنسان وأهوائه، بل يجب أن يخضع الإنسان للشرع وأحكامه ومبادئه .
ولكن هناك مساحة واسعة للاجتهادات المنضبطة بجانب الثوابت والمبادئ والقواعد الأساسية التي لا تتغير، وبذلك فإن الإسلام يجمع بين الثوابت والمتغيرات، أي بين ما يحفظ الأمة من الانصهار والذوبان، وبين كل ما يطوره من التجارب النافعة والعلوم المفيدة .

هاولاتي: هل حان الوقت للقيام بالاصلاحات في الاسلام ؟

الدكتور علي: إن الإسلام يختلف عن الأديان الأخرى، حيث أنزله الله كاملاً مكملاً من حيث رسم خريطة الحياة السعيدة للإنسان فقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ـ سورة المائدة، الآية 3 ـ  وأن الله قد حفظه من التحريف والتغيير، ويشهد المنصفون جميعاً بأنه دين صالح مرن صالح لكل زمان ومكان حيث شهدت بذلك جمعية الحقوقين الدوليين عام 1936، ثم شهد بذلك الحقوقيون في فرنسا عام 1952، كما شهد بذلك آلاف كبار العلماء الغربين والشرقيين فمنهم من أسلم بسبب تأثره بالإسلام مثل : الفيلسوف جارودي، والعالم المعروف د. موريس بوكاي .
والإسلام الذي لا يتغير هو الثوابت والمبادئ العامة، والنصوص الثابتة، أما اجتهادات الفقهاء على مر العصور فهي قابلة لإعادة النظر والتغيير، والتعديل، كما أن باب الاجتهاد والتجديد مفتوح على أهلهما من العلماء المتوافر فيهم الشروط والضوابط، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهم دينهم ) .
فهذا الدين ثابت في الأمور الأساسية ويقبل التجديد والتطوير في كل مجالات الحياة من خلال اجتهاد منضبط، فعلى سبيل المثال : أنا أعمل مع الاقتصاد الاسلامي منذ حوالي 40 سنة فلم نر مشكلة لا نجد لها حلاً إسلامياً ناجعاً .

هاولاتي: هناك توجه نحو زيادة كليات الشريعة في جامعات كوردستان ؟

الدكتور علي: إننا بلا شك نحتاج إلى خريجي كليات الشريعة في وزارات الأوقاف والمحاكم الشرعية، بالاضافة إلى الدعوة، فأنا مع فتح كليات للشريعة ولكن بشرط ترتيب برامج تخرج العلماء المتقنين، والدعاة الواعين، والأئمة الحكماء، وأن نجمع هذه البرامج بين العلوم القديمة الصالحة، وكل العلوم الجديدة النافعة المتعلقة بتخصص الشريعة، ومع ذلك لا أرى مانعاً من ربط الكليات ـ بما فيها كلية الشريعة ـ بحاجة المجتمع ومؤسساته وحاجة الدولة.

هاولاتي: كيف نرى دور الاعلام حول التوعية الدينية ؟

الدكتور علي: في رأيي إن الاعلام هو الجهاد بالقلم والكلمة والصوت والصورة، وهو من أعظم أنواع الجهاد كما قال تعالى : ( وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) ـ سورة الفرقان، الآية 52ـ ، وقال تعالى : (أ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ) ـ سورة ابراهيم، الآية 24-26 ـ  لذلك يقع على الإعلام دور كبير في التوعية الصحيحة لبناء جيل .