الدوحة — الشرق:
شن فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي هجوما على الطغاة الحكام والقادة الذين يقاومون الثورات العربية الشعبية السلمية وقال ان هؤلاء الطغاة لا يستطيعون العيش في الهواء فقاموا بقتل شعوبهم، وسخر فضيلته ممن مازالوا يسمون انفسهم رؤساء وهم يقومون بقتل شعوبهم، ودعا في خطبة الجمعة بجامع عائشة رضي الله عنها بفريق كليب الى الوقوف مع الثورات السلمية كما دعا لوحدة الشعب الصومالي التي خصص لها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اجتماعات مؤخرا بالدوحة.
وقد بدأ فضيلته خطبته قائلا: إذا نظرنا الى تاريخ الأمم السابقة، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، أن نسير في الأرض، للنظر ماذا فعلوا وماذا جنوا، واذا قرأنا كذلك الكتب المنزلة وكتب الحكمة والعلم والأدب لوصلنا الى أن أهم اسباب تدمير الشعوب والأمم السابقة، يعود الى عدم الالتزام بالأخلاق والقيم الربانية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، والتي خلقها الله سبحانه وتعالى داخل النفس الانسانية من الفطر السليمة.
ومن هنا كانت الامم التي أنزل الله سبحانه وتعالى عليها الرسالات السماوية حينما حرفت أفعالها وحينما غيرت أخلاقها نحو السيئ كانت النتيجة الهلاك والدمار، وقد اصيبت أمتنا الاسلامية منذ فترة ليست قصيرة بجزء مما اصاب الأمم السابقة من الفصل بين الأخلاق والقيم وبين الواجبات الشرعية والعبادات، بحيث أصبح معظم الناس يولون العناية للعبادات بمعناها الشعائري من الصلاة والصيام ولكنهم في معظمهم يتخلون عن هذا الواجب الاساسي، وهو الالتزام بالاخلاق الاسلامية والقيم السامية، بل الاخلاق التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها..
بيننا وبين الأمم الأخرى
واستدرك قائلا: الفرق بين امتنا الاسلامية والامم السابقة هو ان الامم السابقة حينما انحرفوا حرفوا ايضا كتبهم ورسالاتهم السماوية ونسوا جزءا كبيرا من هذه القيم والاخلاق “يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به” غير ان امتنا الاسلامية التي اراد الله سبحانه وتعالى لها الخير الدائم والشامل والخلود النسبي في هذه الدنيا والخلود الدائم في الاخرة، حفظ الله سبحانه وتعالى لها قيمها واخلاقها ودينها وشرائعها من خلال حفظ القرآن الكريم وكذلك حفظ السنة النبوية المشرفة التي هي بيان لهذا القرآن وبوعد من الله سبحانه وتعالى “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” فالله سبحانه وتعالى تكفل وضمن حفظ القرآن الكريم فحفظ فعلا في الصدور، وكلما تقدم العلم ازدادت وسائل حفظ القرآن الكريم حرفا بل حركة ورسما. حفظ الله سبحانه وتعالى هذا القرآن على عكس ما حدث لبقية الرسالات السماوية التي كلف الله سبحانه وتعالى علماءهم بحفظها ولكنهم لم يقوموا بهذا الواجب، ولكن الله اكرم هذه الامة بهذا الضمان.
أمة المبادئ
وتابع فضيلته: من هنا فما يقال عن السنن التاريخية التي تطبق على الامم من رحلة الضعف والطفولة والشباب والهرم والشيخوخة والفناء لا تطبق هذه السنن على هذه الامة من خلال امة المبادئ والقيم، وان كانت هذه الامة تطبق على الشعوب والاقوام التي يطبقون ويكملون الحضارة الاسلامية (وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم) الاقوام تتبدل ولكن الامة الاسلامية بقيمها تبقى ولذلك تتجدد مع مر الازمان والدهور ولكن الاشكالية في فترة الجمود وفي فترة الضغف والرخص والحيل، حينما ضعفت بعض اقوام هذه الأمة وكانت الاشكالية حينما تكونت فكرة وتصور أو مجموعة من التصورات التي اسندت الى الاسلام في الفرق بين الأوامر والنواهي اللت تعلق في قضايا العبادات والأمور التي تقوم بها جوارح الانسان وبين الأوامر والنواهي الأخلاقية التي تتعلق بقلب الانسان وبنفسه وبروحه وبعقله وبفطرته، هذه الاشكالية التي حدثت في هذه الأمة والتي أخرتها فعلا، ولذلك حتى في الجوانب الفقهية تجد فرقاً كبيراً بين ما يسمى في الحكم التكليفي يكون ذلك الشيء حراماً مع أنه في بعض الآراء أنه صحيح وليس باطلاً، بينما الحقيقة تقتضي أن يكون هناك انسجام تام بين ما هو محرم وبين آثاره وبين ما هو من الحرمة وكذلك من البطلان والفساد.
انفصال عن العقيدة
وقال فضيلته: لذلك تجد بعض أمتنا في العصر القريب والى يومنا هذا ايضا ترى الالتزام الكامل بالصلوات والتراويح والعمرة والحج، ولكن في المقابل لا تجد هذه الاثار على الاخلاقيات والسلوكيات وعلى تعامل هؤلاء القوم انفسهم مع الاخرين، وحتى في فترة الحج والعمرة ترى الرجل معتمرا او حاجا ولكنه لا يتخلق باخلاق الاسلام حتى في التعامل مع اصدقائه ومع زملائه هذا دليل على اننا نفرق بين العبادة الشعائرية وبين الاخلاق العملية، بينما هذا مخالف لفكرة وتصور الاسلام وعقيدة الاسلام وعبادته، وكلتاهما تركز على ان تكون للعقيدة آثارها في تعاملك وفي حسن تعاملك مع المخلوقين، وتعاملك مع صفات الله سبحانه وتعالى التي نقرأها ونحفظها دون ان نعتبر بها، فحينما نقول الرحمن الرحيم الغفور العفو فهذه صفات الله نقرأها وندعو بها، ولكن لا نلتزم بمقتضياتها، فما دام الانسان يحب الله فيجب ان يتصف بهذه الصفات ولله المثل الاعلى “ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء” وهكذا في بقية الصفات، ما عدا الخاصة بالذات الالهية التي تصف الرب من الخلق والايجاد.
كونوا ربانيين
وقرر القره داغي ملامح القضية قائلا: القضية هي باختصار شديد ان بعض الافكار في ظل الضعف اوصلت الامة الى هذا الفصل بين العبادات والاخلاقيات والسلوكيات، بل ووصل الامر ان جعلت بعض الاراء القضايا الاخلاقية غير ملزمة، وجعلتها احسانية طوعية غير ملزمة، بينما الاساس في الاسلام هو الاخلاق بعد العقيدة الصحيحة. بل يجب ان تؤدي العقيدة الصحيحة بصاحبها الى الاخلاق الجميلة والربانية “ولكن كونوا ربانيين” وهذه صفة الرب، فهو رب العالمين، والعبد يكون ربا حينما يكون لطيفا ومحبا وخادما للناس، يربي الناس على محبة الاخرين، ومن هنا ادى هذا الفصل الى هذه النتيجة الخطيرة سواء اعترفنا بها ام لم نعترف بها، وهو الفصل بين الاخلاق والعبادات. وهذا الفصل غير صحيح، فالله سبحانه وتعالى جعل اعظم صفة للرسول صلى الله عليه وسلم والتي اقسم الله سبحانه وتعالى عليها هي صفة: الخلق العظيم بعد القسم بالنون والقلم “ن والقلم وما يسطرون” وبعد ذلك بآيات يقسم بالصفة العظيمة “وانك لعلى خلق عظيم” وحرف ان للتوكيد وبعدها جاءت اللام لضمان التوكيد، وبكلمة لعلى بمعنى التمكين والاستعلاء بالخلق العظيم، ولم يقل الله سبحانه وتعالى انك تتصف بالخلق العظيم وانما انت مسيطر ومتمكن بالخلق العظيم واصبح الخلق العظيم جزءا من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فطرة منفطر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد تناولت في صفات عباد الرحمن ان الصفة الاولى التي جعلتهم يستحقون الغفران والفردوس الاعلى هي الاخلاق قبل الصلاة “وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا” وهذه الصفات الفعلية للجوارح، “واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” وهذا خطاب قولي، وكل هذه الامور الفعلية والقولية منضبطة بالاخلاق الجميلة والعظيمة وفي قمتها وليست في وسطها.. وكذلك الايات الاخرى كلها تربط بين العبادات والسلوكيات: “ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” “خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” تطهير النفس للغني من الجشع والطمع، وللفقير من الحقد والحسد، والتزكية والنماء للمجتمع. وكذلك الاحاديث الشريفة الواردة في قضايا الأخلاق اكثر من كثير من قضايا العبادات.
نطبق ونفصل
وقال فضيلته: لكننا نلتزم بأمور العبادات ولا نطبق جزأها الآخر من الأخلاقيات وهذه ما يجعلنا نخاف أن يطبق الله سبحانه وتعالى علينا ما قاله رب العالمين في اليهود والنصارى “لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” أو يطبق علينا “أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض” وهنا لا يقصد بكفر العقيدة وانما كفر العمل أي حينما لا تكون أعمالنا متناسقة متناغمة مع عقيدتنا ومع أوامر الله سبحانه وتعالى وشريعته والدين التي تنتسب اليها، فقد كفرت بهذه النعمة ولم تطبق ما أراده الله سبحانه وتعالى منك.
وهكذا أيها الإخوة لو قرأنا القرآن والأحاديث الشريفة لوجدنا الأخلاق هي المعيار، هي الميزان، بالإضافة الى قدوتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كما قال أنس أنه كان أحسن الناس خلقاً، والسيدة عائشة تقول “كان قرآنا يمشي” فكم من أناس تكلموا وكم من أناس جذبوا رداءه حتى أثر الرداء في كتفه المبارك وهو يبتسم ويلتفت اليه ويسمع منهم حتى يقال له (اعدل) وهو رسول الله وهو الحاكم ولكنه لا يتركهم حتى يبينوا السبب لفعلتهم ولقولهم ومن ثم يرضيهم حتى لا يبقى بينه وبين الصحابي شيء وحتى يقول الصحابي رضيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرضاء الناس ورضاء الشعوب مهم جدا لأن شهادة الناس شهادة مقبولة عند الله سبحانه وتعالى.
تطبيق الاخلاق
فإذا أردنا ونحن في خضم هذه الثورات وفي خضم هذه الصحوة المباركة أن تنجح هذه الثورات وأن تنجح هذه الأمة أن تصل بالأخلاق والقيم الى مصافي العبادات بل أكثر وأن تطبق الأمة هذه الأخلاقيات والقيم في مجموعها والا سنكون غثاء كغثاء السيل، والغثاء هو حينما يكثر عددنا في بعض العبادات ولا يكثر عددنا في الأخلاقيات وفي الحرية والعزة والكرامة وفي الدفاع عن الآخرين والتضحية والفداء والشجاعة (انكم كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل) ويتحول هذا الغثاء الى الجد حينما تكونون قرآنا يمشي على الأرض وقد ذكرت في خطب سابقة حين تكلمت عن عباد الرحمن قلت ان عباد الرحمن معروفون كالشامة البيضاء.
يقتل شعبه ولا يستحي
في خطبته الثانية تناول فضيلة الشيخ القره داغي واقع الامة فقال: أمتنا اليوم في خير كثير ولكنها تحتاج الى أن تنهض أكثر حتى تستحق ما أعد الله لعباده المخلصين المتقين وكل ما نراه في أمتنا من غلبة هؤلاء الطغاة وسطوة هؤلاء الجبابرة فانه يعود الى هذه القيم الأخلاقية التي لم يلتزموا بها ولم تستطع هذه الأمة أن تنفذ هذه القيم على نفسها أو على الطغاة المستبدين ليصلوا الى هذه المرحلة التي نراها وأخذوا ونهبوا أموال البلاد وكذلك أموال العباد ومن هنا جاءت هذه الثورات رداً لهذه الأمة الى كرامتها والى عزتها وقيمها وأخلاقها والى الأمانة التي أراد الله سبحانه وتعالى لها وهي أمانة الحكم والاستخلاف وأمانة التمكين في هذه الأرض فهؤلاء الطغاة لو كانت لديهم أخلاق وقيم هل كانوا يفعلون ما يفعلون اليوم في ليبيا وسوريا فالمظاهرات كانت سلمية وحدوية غير طائفية ولم يطلبوا غير الحرية ولكن الطغاة لا يستطيعون أن يعيشوا في الهواء الطلق ففعلوا ما فعلوا وقتلوا من قتلوا وكأن الجيش الذي أعد لمحاربة اسرائيل ولم يستعمل منذ ثلاثين سنة أو أكثر بل احتل الجولان وكثير من البلاد المسلمين ذهب هذا الجيش لمحاربة درعا والمدن الأخرى. أي حاكم أو رئيس يرضى أن يقتل شعبه بهذه الطريقة وهو لا يستحي أنه رئيس لهذه الدولة. وكذلك ما يحدث في اليمن فالشعب مع تسلحه تمكن من أن يضبط نفسه وأن يتظاهر سلمياً فالحكمة يمانية، فلم يستعملوا لا خنجرا ولا سلاحاً رغم الاعتداء عليهم. واختتم خطبته قائلا: ادعوكم ايها الإخوة للدعوة بإخلاص حتى يوفق الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتحقيق الصلح بين إخواننا في الصومال فلقد جلسنا معهم في جلسة المصالحة التي ضمت تقريباً أكثر الفصائل الصومالية لا سيما الشباب والحكومة والعلماء والإخوان لتتمكن هذه الدولة الاسلامية، بلد العزة والكرامة بل الخير والبركة من الخلاص من الفتن والقتال الداخلي.