الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.

(أما بعد)

 فإن الإسلام – كما شرعه الله تعالى- منهج شامل للحياة، فهو: إيمان وعمل، عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكر وعاطفة، أخلاق وعمران، وليس – كما يتصوره بعض الناس أو يصورونه- مجرد ديانة لاهوتية لا صلة لها بالحياة ولا بالمجتمع ولا بالكون.
بل الواقع أنه رسالة متكاملة: تنظم العلاقة بين المرء وربه، وبينه وبين مجتمعه، وبينه وبين أمته، وبينه وبين البشرية كلها، ثم بينه وبين الكون الكبير حوله.

ولهذا كان القرآن الكريم دستورًا شاملاً، يضع الأسس والأصول الكلية لهذه المعاني كلها، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89] فهو تبيان لكل شيء من رب كل شيء.

ووجدنا السنة تبين هذا الدستور، فقد كلف الله تعالى رسوله بذلك: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] فلم تدع السنة أمرًا يقرب الناس إلى ربهم إلا دعت إليه، ولا أمرًا يبعدهم عنه إلا دلتهم عليه.

وفي عصرنا استحدث الناس ألوانًا شتى من المعاملات في كل ميادين الحياة، لم يكن للفقه الإسلامي عهد بها، ولا سيما في الجانب المالي والاقتصادي، وأنشأوا أنواعًا من الشركات غير ما ذكره الفقهاء من شركة العنان والمفاوضة والأبدان والمضاربة، وأهم هذه الشركات جميعا: شركة المساهمة، التي يشترك فيها ألوف من الناس لا يعرف بعضها بعضا، ليقيموا مشروعات كبرى: زراعية أو صناعية أو معدنية أو تحويلية أو تجارية أو غيرها، بوساطة ما يجمعون من أموال هائلة، تستطيع أن تحقق الكثير بتجميعها وتنظيمها وحسن إدارتها، ولو بقيت هذه الأموال مفرقة في جيوب أصحابها لم تستطع أن تفعل شيئا يذكر.

وفي كل شركة من هذه الشركات يحدد لها رأسمال معين، تطرحه على الناس مقسمًا أو مجزءًا في كل شكل حصص متساوية، كل حصة فيها تسمى (سهمًا) أي نصيبًا معلومًا شائعًا في رأسمال الشركة، يقدر بمبلغ معين، ويشترك الناس في هذه الحصص أو (الأسهم) كل بما يقدر عليه، أو ما يخصص له.

ولقد شكك قليل من المسلمين في أصل مشروعية شركات المساهمة في حدّ ذاتها، وأبدوا بعض الشبهات الضعيفة، رد عليها فقهاء الأمة وأجازوها بما يشبه الإجماع.

وإنما كان النزاع بينهم حول بعض ما تمارسه هذه الشركات من أنشطة، وما يمكن أن يطرأ عليها من معاملات محظورة شرعًا، ولهذا قسموا هذه الشركات إلى أنواع ثلاثة:

 شركة أصل نشاطها محظور، كأن تتاجر في الخمور أو الملاهي المحرمة، أو الربا، كالبنوك الربوية.

شركة أصل نشاطها حلال، ومعاملاتها حلال، لأنها تلتزم في نظام تأسيسها بأحكام الشريعة الإسلامية، مثل المصارف الإسلامية، وشركات التأمين الإسلامية، وكل المؤسسات المالية الاستثمارية الإسلامية. فهذه لا حرج من المساهمة فيها، وشراء أسهمها ولا غبار فيها.

ولقد غدا الاستثمار في الأسهم (شراءً وبيعًا واتجارًا): حديث الناس في المجالس والأندية، وأمسى الجميع يسألون عن حكم الاشتراك في هذه الشركات التي تعرض عليهم كل عدة أشهر، ما يحلّ منها وما يحرم، وإذا كان في بعضها شيء من الحرام، فكيف يمكن التخلص منها أو من آثاره؟ وكيف يمكن زكاتها؟ هل تزكى القيمة الأصلية أم القيمة السوقية؟، وهل يزكى الأصل والربح أو يزكى الربح فقط؟ وما مقدار الزكاة إن أخرجنا من الأصل إذا أخرجنا من الربح؟

ولقد تصدى للجواب عنها أخي العلامة الدكتور علي القره داغي حفظه الله، وهو لها أهل.

 الفقير إلى عفو ربه

 يوسف القرضاوي