الدوحة في 2صفر 11433 هـ
الموافق: 27 ديسمبر 2011م
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
يهنئ الشعب العراقي بخروج قوات الاحتلال
ويدعو إلى الوحدة الوطنية بين جميع مكونات الشعب العراقي
ويحذردول الجوار من التدخل في الشأن العراقي والحلول محل المحتل
ويدعو الحكومة العراقية إلى التعامل مع مكونات الشعب العراقي بعدل ومساواة دون إقصاء
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على سيدنا وإمامنا محمد رحمة الله للعالمين، وسائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، ومَن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،،،
فبعد أن جثم الاحتلال الأمريكي على صدور العراقيين ما يقرب من 9 سنوات، خرّب فيها العراق وأعاده إلى الوراء أكثر من 100 سنة، وأنبثت في ظلاله الفتن بين مكوناته الدينية والعرقية حيث لا يزال الشعب العراقي يعاني منها، وهو مهدَّد في كل لحظة بنشوب صراع بين هذه المكونات التي طالما عاشت في وئام وانسجام لقرون عديدة.
وبعد أن لاقى من المقاومة العراقية الباسلة بجميع أنواعها العسكرية والسياسية التي أدت إلى هزيمة أمريكا في العراق وخسائرها البشرية والمادية والمعنوية الفادحة، ها هي جحافل الجيش الأمريكي تغادر التراب العراقي مسرعة، حتى قبل المواعيد المتفق عليها بينها وبين الحكومة العراقية، وبالرغم من المعلومات المؤكدة التي تشير إلى أن القوات الأمريكية قد حافظت لها على ما يقرب من خمسة عشر جندي (15000) تحت أسماء دبلوماسيين في حمى السفارة التي تعد أكبر سفارة في العالم، وعدد لا يقل عن بعض الآلاف تحت غطاء الشركات الخاصة للحماية، وكذلك عدد لا يقل هو الآخر عن بعض الآلاف من الجنود الذين سيتولون تدريب الجيش العراقي. ولكن وبالرغم من هذا الخداع فإنه لا يلغي حقيقة دامغة وظاهرة لا ينكرها إلا معاند، ألا وهي هزيمة هذا الجيش الجرار الذي ما جاء لينسحب بهذه السرعة، وما احتل العراق ليتركه بهذه السرعة، وعليه فمن حق المقاومة العراقية وجميع الشعب العراقي وكل الشعوب العربية أن تشعر بالفخر والعزة لهذا الانسحاب، وإنهاء حقبة الاحتلال المباشر لبلد من أهم البلدان العربية.
إلا أنه ومباشرة بعد انتهاء عملية الانسحاب هذه اندلعت أزمة سياسية خطيرة بين مكونات العملية السياسية متمثلة في توجيه الاتهام بالإرهاب لنائب رئيس الجمهورية السيد طارق الهاشمي، والمطالبة برفع الحصانة البرلمانية عن نائب رئيس الحكومة السيد صالح المطلق، لتقديمه هو الآخر للمحاكمة بنفس التهم، مما تسبب في أزمة سياسية حادة، عادت معها التفجيرات والقتل الجماعي في قلب العاصمة بغداد، مما ينذر بدخول البلاد في نفق الحرب الطائفية التي طالما ابتليت بها لسنوات إبان وجود الاحتلال الأمريكي للعراق، ومما يثير الشكوك كذلك حول طبيعة الجهات التي تقف وراءها وما هي مصالحها في عدم استقرار العراق؟.
وأمام هذه الأوضاع الصعبة والدقيقة التي يعيشها العراق فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يقرر ويؤكد ما يلي:
أولا: يحيي ويهنئ الاتحاد المقاومة العراقية ومن ورائها الشعب العراقي بهذا الانسحاب وما هو إلا انتصار لروح المقاومة الباسلة التي أقضت مضاجع الأمريكان وأجبرتهم على هذا الانسحاب، بعد أن أعدوا العدة لاحتلال العراق لعقود، ومن ورائه إعادة ترتيب ما سمي بالشرق الأوسط الجديد، تكون فيه دولة العدو الإسرائيلي هي القوة المسيطرة على المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
ثانيا: يدعو الاتحاد كل مكونات الشعب العراقي إلى توحيد صفوفهم والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يثير الفتن والتقاتل بينهم، وحل كل خلافاتهم بالحوار، واعتبار العراق وطنا للجميع، ويدار من قبل الجميع، ولا يمكن لأي طائفة أو جهة أن تستأثر به وتقصي الآخرين، كما يؤكد على أن تكون كل المكونات ذات أجندات وطنية بعيدة عن كل تأثير لأي جهة إقليمية أو دولية .
ثالثا: يعتبر الاتحاد أن العراق وطن أصيل، ليس مخلوعا من وطن آخر، ولا منبثقا من غيره، ولا تابعا له، بل هو وطن قاد الأمة الإسلامية عدة قرون، في عصر بني العباس الأول والثاني، وقاد الحضارة الإسلامية، والثقافة الإسلامية والعربية طوال هذا الزمن. فلا يجوز لأهله أن ينزلوا بمكانته، ويجعلوه تابعا لأحد كان: الأمريكان أو إيران، ولا يجوز أن تصرف أمواله – وهي كثية – إلا إلى أهله، لا للنظام السوري ولا لغيره، فكل بلد أحق بثروته، وكل شعب أحق بأمواله.
رابعا: يحذر الاتحاد كل دول الجوار من مغبة التدخل في الشأن العراقي، واستغلال الفراغ الذي تركته القوات الأمريكية، وحداثة المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية، للتدخل في شؤون العراق والحلول محل المحتل الأمريكي، واستغلال العوامل الطائفية أو العرقية لتمرير تدخلها، مما سيساهم في مزيد الاحتقان بين مكونات هذا الشعب الذي عانى لسنوات طويلة، ومن حقه أن ينعم بالاستقرار والتنمية، شأنه شأن كل شعوب المنطقة.
خامسا: يعتبر الاتحاد أن الطريقة التي تم بها معالجة ملف السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية العراقية غير لائقة، وخصوصا في هذا الظرف الدقيق والحساس، الذي يمر به العراق، مما يطرح العديد من الشكوك والتساؤلات عن الخلفية الحقيقية التي جعلت جهات عليا في السلطة والدولة، التي من المفترض أن تكون أحرص جهة على أمن وسلامة البلاد، والأكثر تقديرا للظرف الدقيق الذي يمر به العراق، تتخذ مثل هذا الأسلوب في المعالجة لملف يعد غاية في الخطورة، ولاسيما في ظل هشاشة العملية السياسية برمتها ومؤسسات الدولة ومن ضمنها مؤسسة القضاء. ومن هنا يدعو الاتحاد الحكومة العراقية إلى أن تكون حكومة لجميع العراقيين على أساس العدل والمساواة في الحقوق والواجبات دون إقصاء لطرف على حساب طرف آخر، حيث إن سياسة الإقصاء جربت وفشلت.
سادسا: يطالب الاتحاد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بمزيد الاهتمام بشأن العراق والوقوف إلى جانبه في هذه الفترة العصيبة، وذلك بدعوة كل الفرقاء السياسيين إلى مؤتمر حوار حقيقي لا يستثنى فيه أحد بما في ذلك قوى المقاومة ليتم رسم خارطة طريق يشارك في رسمها كل هذه القوى مجتمعة بمساعدة إخوانهم من العرب والمسلمين حتى نستطيع أن نضمن بحول الله تعالى انتقالا سلسا للعراق إلى حالة ما بعد خروج الاحتلال، يقول تعالى: {إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [الحجرات:10] صدق الله العظيم.
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يحفظ العراق، وشعب العراق، ووحدة العراق، وأن يرزق أهله الحكمة وحسن التدبير، ويجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الأمين العام الرئيس
أ.د/ علي محيي الدين القره داغي أ.د/ يوسف القرضاوي