الدوحة – الشرق:
اعتبر فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي ان الامة الاسلامية بخير كلما كانت هذا الامة قادرة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة شرعية، وأن الفلاح لا يتحقق الا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر بنص القرآن الكريم: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }، واولئك كما يقول علماؤنا حينما يكون الخبر ايضا معرفة “هم المفلحون” بهذا الحصر، يكون للحصر والقصر، أي أن الفلاح لا يتحقق إلا بذلك، قال علماؤنا ان “من” هنا ليست للتبعيض، وانما للبيان، أي أن الامة جميعا تصبح أمة واحدة، آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، حينئذ تكون قوية متماسكة.. مادامت الامة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، حينئذ نحن المسلمين نكون في خير، ولا يجوز لأحد أن يغضب أو ان يكره النصيحة مهما كان مادامت هذه النصيحة في إطارها المشروع.
واشار فضيلته في خطبة الجمعة امس بجامع عائشة بفريق كليب إلى أن الامة ليست مقصورة في بلد واحد، وانما الامة في امتنا الإسلامية من المحيط إلى المحيط، اينما وقعت المشكلة يجب ان نتصدى لها بقوة، كما هي حال المظالم التي ترتكب في سوريا اليوم ومع الاسف هناك وفد، وانا اسميه وفد المتفرجين، وليسوا مراقبين لأنهم هم مراقبون من الحكومة السورية تماما، خطوة خطوة، فكيف يستطيع المراقَب ان يراقِب. كما في حال عنترة لما طلب منه ان يحارب، قال العبد لا يحارب وانما يخدم، فأطلق سراحه وأبلى بلاء حسنا. وما بالك اذا كان رئيس الوفد له دور سيئ حينما كلف من قبل حكومته — كما سمعت من بعض الاخوة — كان مكلفا بتقرير في دارفور فكتب تقريرا فيه النفاق ولم يكن حقيقة، ادى ذلك إلى ظهور هذه المشكلة الحقيقية، ولو أخلص في تقريره، وبين الحقيقة في البداية، لما حدث ما حدث، وكذلك من اعضاء الوفد مجموعة كانوا مع نظام زين العابدين وبعضهم من العراق من حكومة المالكي التي تدعم تماما بشار الاسد فكيف يعتمد على هؤلاء.. لذا لا بد ان نناشدهم ان يقولوا الحق واذا لم يقولوا فلا يشهدوا شهادة الزور وأن نرفع اصواتنا من خلال كتاباتنا ودعواتنا للجامعة الدول العربية بأن تسحب هذا الوفد وتعالج هذه القضية ان استطاعت والا تحولها إلى جهة تستطيع ان تمنع هذه المجازر.. وناشد الامة الانتباه لما يجري في اليمن وخاصة في الجانب الاغاثي والجانب الانساني فلذلك اناشد العالم العربي وجامعة الدول العربية ان تولي العناية باليمن وان تحل هذه المشكلة.
الذات المتماسكة
وقد بدأ فضيلته خطبته امس قائلا هناك مثل مجرب عملياً، ومدعوم من خلال الادلة القرآنية والاحاديث النبوية الشريفة، هذا المثل أو هذه القاعدة تقول “إن الانطلاق نحو الآخر، إنما يتحقق اذا كانت الذات قوية متماسكة “، سواء كان الآخر من حيث الدين حينما ننطلق نحن المسلمين إلى غير المسلمين، او داخل الجماعات والفرق والاحزاب، فالذات الضعيفة، او المتهاوية، المتهافتة، لا تستطيع ان تتحاور مع الآخر، حتى لو حاورت الذات المهزوزة فإنها لن تستطيع ان تحقق شيئاً، وحينما تكون الذات الاسلامية قوية، حينئذ تستطيع ان تتحاور وان تتعاون وان تقدر وان تصل إلى ما تريد من إحقاق الحق وازهاق الباطل.
اختلاف تنوع
وقال القرة داغي يريد الرسول، صلى الله عليه وسلم، من هذه الامة ان تكون امة قوية، وهذا ما وصل إليه الغرب من تجارب مريرة، كان هناك القتال والتخلف والقرون الوسطى، إلى أن وصل الرواد الاوائل من المصلحين الغربيين فلا بد من اصلاح الامة، ولا يكون ذلك الا من خلال اصلاح الامة بنفسها، وتكون لها القدرة لكي تقود الامير او الحاكم او الرئيس او الملك، ولذلك وضعوا هذا الاطار وهذه الحدود، وكنت في زيارة لإحدى الدول الغربية وكانوا يناقشون في مسألة المترشحة الوحيدة لرئاسة الوزراء، أنها اخذت في احدى سفراتها 176 دولارا فقط وليس الفا أو مليونا أو مليارا من اموال الدولة ولم تكشف عنه، مما اضطرت هي لتقديم الاستقالة. وهذا هو منهج الاسلام، كان عمر يناقش والي مصر ويحاسبه من أين لك هذا ياعمرو؟ ومنع الحكام ان يدخلوا في التجارة، إما ان تكون حاكما، وإما أن تكون تاجرا، لأن الحكام اذا دخلوا في التجارة اضروا بالتجارة واضروا كذلك بالسلطة. فيجب ان تكون الامة قوية بل من مصلحة الحاكم ان تكون أمته قوية، لأنها تمنعه من المنكر، لأنها تحميه من الفساد لأنها تحميه من شرور الدنيا والآخرة، يقول كارتر في مذكراته حينما كان يناقش في مؤتمر كامب ديفيد: وجدت قوة الرئيس الاسرائيلي في أنه يرجع في كل كلمة إلى الكنيست الاسرائيلي، ووجدت ضعف السادات بأنه يصدر كل شيء باسمه من هنا استطاع الرئيس الاسرائيلي ان يأخذ الكثير والكثير من حقوق الفلسطينيين والمصريين لأن السادات لم يكن يرجع للشعب المصري. فالامة القوية الحاكم فيها قوي، والامة الضعيفة يكون الحاكم فيها ضعيفا ايضا، يعتمد في كرسيه على أمريكا، وأمريكا لا ترحمه، وانما تبيعه بثمن بخس، وقد باعت شاه ايران حتى لم تعالجه، واليوم طالب الرئيس اليمني، وهو يكاد ان يسقط، امريكا منح الفيزا للعلاج، ولم تمنحه اياها، ولم يشفع ايضا ان يكون حسني مبارك، حسب وثائقهم الكنز الاستراتيجي لاسرائيل وأمريكا، ان تتخلى عنه امريكا ايضا، فلو ركن هؤلاء إلى شعوبهم لما كانت الشعوب تخلت عنهم، ولذلك من ارضى الله برضا الناس غضب الله عنه وأغضب الناس ومن ارضى الله سبحانه وتعالى ولو غضب الناس رضي الله عنه وبعد ذلك رضي الناس الطيبون.
تربية واجبة
واكد فضيلته ان قضية النصيحة الدائمة يجب ان نربي اولادنا عليها، نحن ينقصنا هذا الجانب ولا نريد لأولادنا الصغار ان ينصحونا، لا نريد لبناتنا ان ينصحننا، بينما يجب ان نربيهم على القوة، وأن نعودهم على النصيحة، وليس على الكذب والدجل والنفاق والازدواجية في الشخصية. إن الهوية الشخصية تبدأ من الصغر، وتبدأ من البيت، الاب ينصح الام، والام تنصح الاب، والوالدان ينصحان الاولاد، والاولاد ينصحون الأبوين، مجتمع دينماكي متفاعل، وهذه الاسرة تكون حقيقة أسرة قوية.
وهذه الاحزاب التي نراها اليوم على الارض كانوا تحت الارض ولم يكن لهم ان ينصحوا ولكن أظهرهم الله، ولكن مع الاسف الشديد ان بعض الدول الخليجية تريد ان تجرب هذه السياسة الفاشلة التي فشلت فيها العراق وسوريا ومصر وتونس، وفي الدول الاستبدادية، وتريد من خلال سحب الجنسيات من المواطنين او من خلال ابعادهم من وظائفهم، ان تتكبر على النصيحة، ايها الإخوة هذه التجربة فاسدة فاشلة غير ناجحة، اذا كان عندهم شيء ناقشهم فإما أن تقنعهم أو يقنعوك، هذه هي النصيحة، والنصيحة قوة للأمة، ونحن احوج ما نكون على مستوى الخليج والأمة العربية والإسلامية إلى هذه النصائح التي تقوي الأمة، والتي تحمينا، والتي تقضي على هذه الجراثيم التي يحاول الشرق والغرب من الداخل والخارج ان ينشروها فيما بيننا.