الفروق بين الفلاح في النظام الإسلامي، والنظم الوضعية:
من خلال
الدراسة السابقة للآيات القرآنية والسنة النبوية يظهر بوضوح أن الفلاح في الإسلام
يتفق مع الفلاح في النظم الوضعية من حيث الجانب الدنيوي والرفاهية والأمن المادي
الاجتماعي والاقتصاي ، ولكنه يختلف عن الفلاح في النظم الوضعية كلها فيما يأتي :
أولا ًـ ان الفلاح في الإسلام له مفهوم متعدد الجوانب
والأبعاد ، وشامل لجميع مكونات الإنسان والحياة ، وذلك لأن الفلاح مفهوم شامل
للسعادة الروحية والنفسية والبدنية وبعبارة أخرى شامل للقوى المادية والمعنوية ،
وللظاهر والباطن ، كما أنه يشمل السعادة والظفر في جميع مناحي الحياة السياسية والعسكرية
والاقتصادية والاجتماعية وغيرها .
وأما الفلاح في
النظم الوضعية فمحصور في دائرة الظاهر دون الباطن ، والبدن والمتع الشهوانية دون
الجانب المعنوي ، وفي دائرة المال والسياسة دون دائرة الروح والعالم العلوي ،
فالفلاح فيها هي السعادة الظاهرية سعادة المال ، وسعادة الجنس والشهوات الدنيوية ،
ومتع الحياة الدنيا ، وسعادة الجاه والسلطة ونحوها .
فالفلاح بمعنى
السعادة والظفر والتمتع بالطيبات شامل لكل مكونات الإنسان في نظر الإسلام ، ولجميع
مناحي الحياة المتنوعة المختلفة ، وذلك لأنه دين شامل له نظرة شمولية نحو الإنسان
ونحو الحياة ، وأنه يريد لهذا الإنسان أن يحيى هذه الحياة الشاملة قال تعالى : (
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا
دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )[1]
.
ثانياً ـ ان الحياة في نظر الإسلام خالدة لا تنتهي
بالموت ، بل الموت في حقيقته إحدى محطات الحياة ، لتبدأ بعد ذلك حياة دائمة إما في
نعيم مقيم ، أو جحيم مستمر ، في سعادة دائمة ، أو شقاء دائم ، في جنة خالدة ، أو
نار مستعرة مستمرة ، لذلك فالفلاح بمعنى الظفر ، والسعادة والتمتع بالطيبات في نظر
الإسلام مستمر متواصل ممتد إلى الآخرة ، بل الآخرة هي الأساس قال تعالى : (
وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[2]
وقال تعالى : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[3]
.
وأما الفلاح ـ
السعادة والظفر والتمتع بالطيبات ـ في ظل النظم الوضعية فمحصور في دائرة الدنيا لا
يتجاوزها ، لأن الموت هو نهاية المطاف في نظرها .
ثالثاً ـ أسباب الفلاح في نظر الإسلام تختلف عن أسبابه
في ظل النظم الوضعية كما سيأتي .
أسباب الفلاح :
إن أسباب الفلاح في ظل النظام الاسلامي ترجع إلى سببين أساسيين :
السبب الأول : الذي يتعلق بالجانب الدنيوي من وجود المال
والرفاهية ، والقوة والتمكين ، فهذا السبب يخضع لسنن الله تعالى في هذا الكون
والتي تخص كيفية تحقيق المال ، والرفاهية ، والنصر والتمكين ، من العمل ، والابداع
، والأخذ بجميع أسباب التعمير المادية .
السبب الثاني : الذي يتعلق بالجانب الروحي والاخروي ،
وهذا يكمن في :
أ)
عبادة الله
تعالى وذكره ، وشكره ، وتقواه ، ومراقبته والخشية منه ، والوصول إلى مرتبة قريبة
من المشاهدة ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )[4]
فقال تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[5]
وقال تعالى : ( فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[6]
.
ففلاح المؤمن وسعادته في شعوره برضاء الله تعالى منه ،
وقبول توبته في الدنيا ، ثم الجنة والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم ، إضافة إلى
سعادته الدنيوية .
ب)
إرضاء الوالدين
والأقارب والناس أجمعين وبالأخص الفقراء والمساكين ، حيث في ذلك فلاحه وسعادته ،
ولذلك يؤثر على أنفسهم ( وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)[7]
.