نعى فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التعصب الحزبي في بعض البلاد العربية والاسلامية، وقال إن النفوس الضعيفة من بيننا هي التي تخضع لأوامر الغرب أو الشرق أو الصهاينة والمؤامرات، هي التي تتآمر ضد البلد والوطن، لأن شهوة الحكم والحقد والعنصرية قد أعمت أبصارهم وقلوبهم، فهؤلاء حتى لو كان الغرب قدوتهم، مضيفاً بأن الأحزاب عندهم تتنافس في الخدمات، وحينما تنتهي الانتخابات يبارك أحدهما الآخر، ويبدأ الكل يعملون لصالح أمتهم، بينما المفروض المسلمون هم من يجب أن يفعلوا ذلك، وألا يصل التعصب الحزبي إلى هذه المرحلة من الغوابة والعماية. وبالتالي علاجنا من عند أنفسنا..
وعرض لبعض مشاكل الأمة الإسلامية بقوله: على مستوى الأمة فكل مشاكلها من دون استثناء يرجع إلى أنفسنا، من عندنا، فجعل الأعداء شماعة بأنهم السبب في كل ما نحن فيه ليس بمنهج القرآن (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، مؤكداً على أن النفوس الضعيفة من بيننا هي التي تخضع لأوامر الغرب أو الشرق أو الصهاينة والمؤامرات، هي التي تتآمر ضد البلد والوطن، لأن شهوة الحكم والحقد والعنصرية قد أعمت أبصارهم وقلوبهم، فهؤلاء حتى لو كان الغرب قدوتهم فإن الأحزاب عندهم تتنافس في الخدمات، وحينما تنتهي الانتخابات يبارك أحدهما الآخر، ويبدأ الكل يعملون لصالح أمتهم، بينما المفروض المسلمون هم من يجب أن يفعلوا ذلك، وألا يصل التعصب الحزبي إلى هذه المرحلة من الغوابة والعماية. وبالتالي علاجنا من عند أنفسنا.. وقد تريد دولة الإضرار بدولة أخرى لأي سبب كان، فلما لا يجلس معهم؟ وأن يعملوا مصالحة؟ والغريب أن بلدا قد يصرف المليارات لإضعاف دولة أخرى والله يعلم مدى خطورة أضعاف دولة مثل مصر فقد كانت مصر على مر التاريخ حصنا متينا لأمتنا الإسلامية والعربية فهي كنانة الله على الأرض.
ستون ألف شهيد
وعن الأزمة السورية قال فضيلته لو كان القائمون على النظام السوري يملكون ذرة من الإيمان أو الرحمة أو الكرامة هل يجعلون شعوبهم بهذه الحالة من التشريد والتقتيل؟! فقد وصل حسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة إلى أكثر من 60 ألف شهيد وملايين من البيوت دمرت، فرغم كل هذه الآيات العظيمة قد تكون بعض النفوس المسلمة -وأنا أتألم أن أقول هذا- قد تكون أسوأ من نفوس غير المسلمين، فهم لا يفكرون بالمسلمين ولا بمصالحهم، ولا يعرفون شرع الله ولا القوانين، ولا يعرفون المصالح الاستراتيجية لهذه الأمة التي تمزقت. لذا أعتقد علينا جميعا بمراجعة النفس وأن أمتنا بحاجة إلى مراجعة نفسها وتهذيب نفسها إلى العناية بتربية النفس وبتزكية النفس (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
خطورة أهواء النفس
في بدء خطبته الأولى ذكّر المصلين بما تناوله في خطب سابقة عن خطورة أهواء النفس، ومداخل الشيطان إلى النفس الأمارة بالسوء، وأن قلب الإنسان وداخله بمثابة حصن يجب على صاحبه أن يحمي أبوابه وطرقه وكل مداخله من الأعداء المتربصين، المتمثلين بإبليس وجنوده الذين لا يألون جهدا أن يخترقوا هذا الحصن ليستقروا ويعششوا فيه، وحينما يخترق هذا الحصن حينئذ كما قال الله تعال (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فيأمره فيستمع وينهاه فيسمع له وحينئذ يكون من أتباع الشيطان.. وقد بيّن ذلك الشيطان حينما أمره الله سبحانه وتعالى أن يسجد لآدم فاستكبر وقال أنا خير منه حينئذ أعطاه الله الحرية ليعبر عما يريد {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، والله أعطى لإبليس وجنوده وأتباعه هذه القدرة، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى حتى يجرب الإنسان في الدنيا بالخير والشر، وإلا لو لم تكن هناك شيطان، ولو لم تكن هناك هذه الوساوس لكان الإنسان مثل الملائكة، وبالتالي لم يكونوا يستحقون الجنة، ولم يكونوا يستحقون الفردوس، وكذلك الأمر بالنسبة للنار، فهذه تجربة يُختبر بها الإنسان، من الذي يفوز؟ ومن الذي يخسر؟ ومن الذي يستطيع أن يقاوم الشيطان ويكون عبدا لله؟
الشيطان والإنسان
وتابع: في مقابل هذه القدرة التي أعطاها الله للشيطان، أعطى الإنسان القوة والقدرة وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان الحق وبيان الصراط المستقيم حتى لا يكون الشيطان قادراً على إضرار الإنسان، وحقاً إن الشيطان لا يستطيع أن يؤثر على الإنسان المخلص، لأن الله يحميه، ولا يستطيع أن يؤثر على الإنسان المتقي لأن الله يحميه، كما قال {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}، ويخافون الله سبحانه وتعالى، ويتعوذون من الشيطان الرجيم حينما تأتيهم أي نزغة {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وحينئذ يصبحون أصحاب بصيرة، يرون من خلالها الحق والرشد ويبتعدون عن الضلال المبين.
الشهوات والشيطان
وقال إن من أهم مداخل الشيطان وأخطرها على الإطلاق مدخل الشهوات شهوة النفس والفرج والحكم والجاه، والشيطان خبير بذلك ويعرف طبائع الإنسان كيف يدخل عليه؟ وهذا ما بينه القرآن الكريم لنا حينما كان أبونا آدم عليه السلام في الجنة، والشيطان أخرج منها، فعاد إلى سيدنا آدم من خلال الوسوسة ومن خلال شهوة الحكم والخلود، وهذه أول تجربة بين الإنسان والشيطان، والشيطان لا يستطيع أن يدخل على سيدنا آدم من خلال العقيدة لأنه لا يمكن أن يخترق هذا الباب، ولا من باب العبودية، وإنما عرف الشيطان أن المدخل الوحيد للإنسان الصالح وغير الصالح هو حبه للجاه وحبه للملك والبقاء والخلود في الحكم {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَىٰ}، والملك بضم الميم هو السلطة والملك بكسر الميم هو المال، وسيدنا آدم لم يكن في ذلك الوقت محتاجا إلى الملك لأن الجنة كلها مملوكة ومسخرة له، ولكنه أراد السلطة والقوة والقدرة والخلود، فانتهز الشيطان هذين الأمرين فخضع سيدنا آدم لهذه الوسوسة، وتحدث مع أمنا حواء ويبدوا أن الشيطان كذلك وسوس لها بنفس الدرجة، فاتفقا على أن يأكلا من الشجرة {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، وأخرجا آدم وحواء إلى الأرض التي نعيش عليها الآن. وهكذا الشيطان بالنسبة لكل إنسان، يأتي إليه من الباب الذي هو يحبه، إن كان الشخص مغرما بالمال فيأتيه من خلال المال، فيخوفه بالفقر مع أن ما عنده يكفيه له ولأولاده، وذات مرة ذهبت لرجل أوصيه بدفع زكاته وأخوفه بعقوبة مانع الزكاة، فلان قلبه، وكان يملك كثيرا من المال، فلما حسبت له زكاته أبى أن يدفع وضاقت به الدنيا، وكأنه هاله ما يدفعه ولم ينظر إلى ما بقي له من الأموال، فلو عاش هذا الرجل مئة سنة أخرى ولم يصرف إلا من المال الذي عنده ويصرف منه بمئات الآلاف يوميا لكان يكفيه. وشاء الله أن أحد الأقارب لهذا الشخص توفي ودعاني للصلح فيما بين الورثة، وطلبت من الورثة أن يدفعوا زكاة والدهم، ولكن الورثة رفضوا إلا من رحم من بناته. ولم يتعظ قريبه من ذلك.
الإنسان والشيطان
وأكد فضيلته على أن الإنسان إذا لم يعد إلى بصيرته فإن الشيطان قادر على إغوائه، ولكن حينما يكون متقيا ويخاف الحلال والحرام ويفكر في أنه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وأدى حق الله فإنها نعمة كبيرة جدا، ولكن إن جمعتها بحرام وبإيذاء الناس، ولم تؤدِ حق الله فهذا يكون بلاء ومصيبة على الإنسان.. ومن الشهوات أيضاً شهوات الجنس والفرج التي يستجيب الإنسان لها، ويخضع الإنسان للشيطان حينما يدعوه إلى المحرمات، حتى وإن كان الإنسان متزوجا فإن الشيطان في كثير من الأحوال قادر على إغوائه بكل الوسائل التي تزين له الحرام وتقبح له الحلال.. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما رواه أبوهريرة: سُئِلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخلُ النَّاس الجَنَّةَ. قال: (تَقْوى اللَّهِ وَحُسنُ الخُلُق) وَسُئِلَ عن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: (الفَمُ وَالفَرْجُ). هذان هما الأساسان فيما يدخل الإنسان النار، ولما يصبح الإنسان تابعاً للشيطان يتلذذ بالحرام ولا يتلذذ بالحلال، ويصبح الأمور مقلوبة فيصبح الحق باطلا والباطل حقا، والحلال قبيحا والحرام طيبا مزينا كما كان قوم لوط فيصبح الزنا والخبائث هي المطلوبة والزوجات يتركن وهكذا الأمر وبالعكس للأزواج.. والأساس ألا يخضع الإنسان لهذه الشهوات التي يشتهيها الإنسان ما دامت في غير رضا الله تعالى، ويجب أن يكون الإنسان على المراقبة وأن يكون مثل يوسف حينما دعته امرأة ذات جمال وجاه فقال {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}.. وإذا نظرنا إلى معظم الذنوب ومعظم المشاكل بين الناس وجدناه تأتي بسبب المال أو الجنس أو شهوة الحكم والسيطرة، لذا علينا أن نعمل بكل جهدنا لتهذيب أنفسنا وترويضها كما كان سلفنا الصالح حينما كان يهم أحدهم لشيء بسيط كراهة، كان بعضهم يضع يده على نار الشمعة فلا تتحمل، فيقول لنفسه: أيتها النفس الدنيئة إذا لا تصبرين على نار الشمع فكيف تصبرين على نار جهنم التي هي نار الدنيا جزء من 99 جزءا من نار جهنم.. بالإضافة إلى أننا نحتاج إلى المراقبة اليومية صبحا حينما تخرج وتفكر فيما تفعل ومساء وتفكر فيما عملت. ولا يمكن للنفس الإنسانية أن ترتاح وأن تطمئن إلا بالإيمان بالله إلا بالقناعة وبالحلال وإلا كما قال الله تعال {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}.
أزمة الإنسان
وفي إشارة إلى أزمة الإنسان المعاصر قال فضيلته: حسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2012 كانت هناك 20 مليون محاولة انتحار حسب ما سجلوا، وتوفي نتيجة الانتحار مليون واحد، وبعض هؤلاء كانوا من الأغنياء والفنانين والفنانات، وعندهم ما عندهم، ولكن النفس لا تشبع أبدا، وبالتالي حينما جرب كل شيء يريد أن يجرب الانتحار والموت كما هو حال الذين يعيشون في البلاد الغربية.. فإذا استطعنا أن نروض أنفسنا بالإيمان والخوف من الله والرقابة والصلاة والتهجد والعبودية لله تعالى والمتابعة والمعاقبة فإذا أرادت نفسك شيئا محرما، فصم، وهكذا فإذا راوضته تتحول هذه النفس إلى النفس اللوامة في بدايتها، والنفس اللوامة هي نفس طيبة التي تلومك على فعل الشر أو فعل المنكر، ويكون هناك محاسبة داخلية وندم وتألم الضمير، وكذلك تلومك إذا قصرت في العبادات، بعد ذلك تتحول هذه النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة، لا تهتز لا بالضراء ولا بالسراء وفي حالة السراء تشكر وفي حالة الضراء تصبر بل في بعض الأحيان تشكر، كما كان حال الكثيرين من الصحابة والتابعين، ثم بعد ذلك تتحول هذه النفس المطمئنة إلى النفس الراضية بكل شيء، بقدر الله، بأمر الله، بطاعة الله، ثم بعد ذلك تتحول إلى النفس المرضية من عند الله سبحانه وتعالى، يحبها الله، ويشرح الله تعالى لهذه النفس ويعطيها من الخيرات والبركات والصفاء، ويعيش عيشة سعيدة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي}.