أكد فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن المعارضة في دول الربيع العربي لا تريد محاسبة الفاسدين، وانما تريد مجرد الفوضى الخلاقة الهدامة، مؤكدا ان كيسنجر سماها بالفوضى الخلاقة لأنها تخدم أمريكا وتخلق لها فرصا إنتاجية لبيع الأسلحة للدول التي تحدث فيها المشاكل، مشددا على أنها بالنسبة لنا فوضى هدامة وليست خلاقة، لافتا إلى أنه من أغرب الأشياء التي كشفت أن أغنى أغنياء العالم هم رؤساء الدول الأفريقية التي تئن شعوبها تحت وطأة الفقر.
وعن الوضع في بنجلاديش قال فضيلته: لا بد أن نذكر ما يحدث في بنجلاديش هذا البلد الإسلامي العزيز الذي يحارب فيه المسلمون، حيث يحكمهم نظام دكتاتوري يحارب الناس ويعدمهم على مواقفهم الفكرية ومواقفهم الدينية إبان انفصال بنجلاديش عن باكستان، منتقدا صدور أحكام إعدام لبعض الأفراد من بينهم من يعتبر من كبار علماء الإسلام على مستوى العالم؛ متسائلا عن السر في إحياء مشكلة حدثت قبل عام إن لم يكن ذلك بهدف إحداث فوضى خلاقة لهم وفوضى هدامة لنا.
وعن سوريا كشف د. القره داغي ان الفساد المالي كان منتشرا بشكل كبير حيث لم تكن تقام هناك مشروعات إلا ولا بد أن يشارك خال الأسد فيها وبنسبة 50% وإلا فلا موافقة، لافتا إلى أن الفساد السياسي والأخلاقي كان أشد وأشهر بكثير من الفساد المالي.
وكان فضيلة الشيخ قد بدأ خطبته التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بقوله: إن قضية الفساد من أهم الأسباب التي ثارت الأمم بسببها، لأن هؤلاء الحكام وصلوا فعلا إلى قمة الفساد، فالرئيس السابق في إحدى الدول يأتي وهو ضابط وخلال حكمه تصل ثروته إلى عشرات المليارات من الدولارات، متسائلا: من أين له هذا؟
وأضاف: سيدنا عمر كان يحاسب الوالي وكل من له سلطة في كل عام ويرسل الناس لاستجوابهم حيث كانوا يوجهونهم بالقول: من أين لك هذا ؟ ولا بد للوالي أن يبين لهم أنه حلال.
وتابع: حتى بعد أن يبين الوالي أن ماله حلال ويرى عمر أن له زيادة ربحية غير متناسبة كان يأخذ نصف أموالهم ويعيدها إلى خزينة الدولة، ويقول: لو لم تكن واليا لما ربحت هذا الربح، فقد أخذت الربح بسبب وجودك في الولاية.
وأشار إلى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يمنع الحكام أن يدخلوا في التجارة، لأن الحكام إذا دخلوا في التجارة فالآخرون لا يستطيعون المنافسة، ولذلك يقول ابن خلدون في كتابه المقدمة: “إذا دخل الحكام في التجارة فسدوا وأفسدوا التجارة”؛ معلقا على ما ذكره ابن خلدون بقوله: لذا يجب أن تفصل السلطة المالية عن السلطة التجارية وهو ما يسمى الآن الحوكمة نظرا لتعارض المصالح لأن الشخص كحاكم لا بد له أن ينظر إلى مصلحة العامة وأما كتاجر فينظر إلى المصلحة الشخصية فهناك تعارض في المصالح، وقد ثبت ذلك فعليا، ولذلك يمنع في بعض الدول للرؤساء أن يدخلوا في التجارة إلا من خلال آخرين.
وأكد فضيلة الدكتور القره داغي أن الفساد هو أكبر داء أصاب الأمة الإسلامية في جماعتها ودولها وحكوماتها وأفرادها وشركاتها ومؤسساتها، مشيرا إلى أن داء الفساد يشمل الفساد المالي والسياسي والاجتماعي وكل الأنواع الأخرى، لذلك أولى الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عناية قصوى بعلاج هذا المرض القاتل، الذي إذا شاع لم يكن هناك تقدم ولا نهضة، وإنما تكون هناك جيوب تدخل فيها أموال الفقراء والمساكين، وأموال الأمة، وتصبح الأمة حينئذ طبقات تكون الغالبية القصوى منها تعاني من الفقر والمشاكل والبطالة والتضخم؛ ولذلك ذكر الله سبحانه وتعالى خطورة الفساد بهذا المعنى الشامل في خمسين آية، وقابل هذه الكلمة بكيفية الإصلاح في أكثر من ثلاثة أضعاف، أي في مئتي آية عن كيفية إصلاح هذا الفساد داخل النفس وداخل المجتمع، ما يدل دلالة واضحة على خطورة هذا الوضع والواقع فعلا في أمتنا الإسلامية والأمم النامية، التي تشترك معنا في التخلف، رغم أن العالم يتقدم بشكل غريب.
فقر يزداد
وألمح إلى أن عالمنا الإسلامي اليوم بكل إمكانياته المتاحة وعقوله وما لديه من إمكانيات بشرية وموارد مالية عظيمة يزداد تخلفا وفقرا، وبمقارنة العالم الإسلامي في الستينيات واليوم في نسبة الفقر نجد أن الفقر يزداد بنسبة غريبة، وأن البطالة تزداد بنسبة خطيرة وأن التضخم قد أكل أموال الناس في معظم هذه الدول، وهذا يعني أننا نتجه اتجاها معاكسا، بدل أن نتجه نحو التقدم، وله أسبابه السياسية بلا شك، وله أسباب أخرى، لا شك أن العالم الخارجي لا يريد لهذه الأمة الخير، ولكن ذلك ليس عذرا في نظر الإسلام، العدو الخارجي ليس عذراً في نظر الإسلام وفي المنهج القرآني، وليس الخلل في هؤلاء، لأنه لا يمكن أن يتوقع أو يتصور من أن يقف العدو موقف المساند، أو حتى من الدول المتنافسة، فهم يريدون أمة مستهلكة، وأن مسألة الاستهلاك مرتبطة بالإنتاج، كلما زاد الاستهلاك زاد الإنتاج، وكلما زاد الإنتاج زادت الموارد بالنسبة لهؤلاء، وبما إننا حوالي مليار وسبعمائة مليون نسمة أمة مستهلكة، فمن مصلحتهم أن نظل مستهلكين، ولا نصبح منتجين حتى في مجال الزراعة وباقي المجالات الأخرى.
و قال: يجب على الأمة الإسلامية أن تتفرغ لنفسها ولا تعلق المشاكل على شماعة الأعداء أو المتنافسين مستشهدا بقول الله عز وجل:(أَوَلَمَّا أَصَابَتكمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتمْ مِثليْهَا قُلتمْ أنَّى هَذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلىٰ كلِّ شَيْءٍ قَدِير)، لافتا إلى أن نفسيتنا قابلة للاستعمار، وأننا لا نتفاهم مع بعضنا بعضا، ولكن نفرض كلام الغير، كما أن نفسيتنا قابلة لئلا ننظر إلى مصالحنا الاستراتيجية، وإنما ننشغل بمصالحنا الذاتية الشخصية الفردية الأنانية القبلية القومية وليست في صورتها الصحيجة وإنما في صورتها السلبية، مؤكدا أن هذا هو السبب الذي أوصلنا إلى ماوصلنا إليه.
وأضاف: نحن مسؤولون أمام الله وأمام الأجيال اللاحقة لأننا لم نقم بوضع المنهج الصحيح الذي يريده الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة بأن تكون خير أمة أخرجت للناس، أمة قوية منتجة وآخذة بعدتها..يقول الشيخ محمد عبده حينما زار باريس: رأيت بلدا دينه يقول من ضربك على خدك الأيمن أدر له الخد الأيسر، فوجدت حول المدينة أكثر من ألف أسطول حربي وصناعي وتجاري، وعدت إلى بلدي الذي دينه يقول: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فوجدت بدل ألف أسطول مليون مسطول” -وهو الشخص الذي لا يعي-، مشددا على أن هذه المفارقة الغريبة في أمتنا لا بد أن تعالج، وإلا سنظل متخلفين، منبها إلى أن أعظم هذه الأسباب الداعية للتخلف على الإطلاق هي قضية الفساد بجميع أنواعه.