الدوحة –جريدة العرب
استنكر فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي, الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين واقع الأمة الإسلامية, وقال إنها أمة مستضعفة, مستشهدا بما يجري لها في فلسطين وبنجلاديش وميانمار.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: إذا كنا نتحدث عن الأضرار من المحرمات، فإن أكبر ضرر اليوم يصيب أمتنا الإسلامية في مقتلها هو ما يحدث في سوريا، فلم تبق النفوس سليمة, ولم تبق كذلك الأعراض محفوظة، ولم تبق البيوت مصانة، وإنما أصبح كل شيء مهددا بما يفعله هذا النظام من التدمير الشامل للبنية التحتية والقتل والترويع وهتك الحرمات والأعراض بشكل يندى له جبين الإنسانية، وقال فضيلته: اليوم بعد سنتين وستة أشهر من القتل والتدمير يسمح لهم بنقل الأسلحة، وقد دخله ميليشيات حزب الله بالآلاف جهارا نهارا، وإعلانا صريحا، وبكل ما لديهم من أسلحة, بالإضافة إلى روسيا وإيران، وما زالت الأمة الإسلامية تتفرج وتعتمد على الأمم المتحدة والغرب.
الحالة خطرة
وقال فضيلته إن الحالة في غاية من الخطورة، والأمة الإسلامية آثمة حقيقة إلا الذين يتحركون بأموالهم ويندفعون بما يمكنهم من تقديم الأسلحة, فإن الله سوف يحفظهم لأنهم يقفون مع المظلومين في وقت شديد، هذا ما تقتضيه عقيدتنا وتقتضيه قوميتنا ووطنيتنا وإنسانيتنا, فالمسألة تجاوزت كل الحدود.
وذكر فضيلته أن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، ولكن يريد لعباده أن يكونوا سعداء في هذه الدنيا، وسعداء في الآخرة، وأن تكون لهم السعادة الحقيقية للبدن والروح والنفس، حتى يكون هؤلاء العباد لائقين وجديرين بأن ينالوا رحمة الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة.
المحرمات والطيبات
وقال إن الله سبحانه وتعالى أوضح لهم المحرمات ويبين لهم الطيبات، ووضع لذلك منهجية واضحة، يظهر من خلال هذه المنهجية أن المحرمات في الإسلام تقوم على الضرر والخبث والمفسدة، أينما تكون المفاسد والخبائث والمضرة فثمة الحرمة عند الله سبحانه وتعالى، وحينما يكون الأمر على عكس ذلك يكون قائما على الطيبات والمصالح والمنافع فإن الله سبحانه وتعالى أباح لهم, بل في بعض الأحيان أوجب عليهم ذلك، حسب ترتيب هذه المصالح، وحسب ترتيب تلك المفاسد من الحرمة والكراهية, أو من الوجوب والسنية والأفضلية.
المحرمات
وبين أن الله سبحانه وتعالى أوضح هذا المنهج في مسألة المحرمات في سورة الأعراف، حينما تحدث القرآن الكريم عن هذا الرسول النبي العظيم فبين منهجيته لتحقيق السعادة لكل من يتبعه فقال: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، ما الذي يفعله هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله سبحانه وتعالى برسالة خاتمة وهي القرآن الكريم؟ وما الذي يفعله هذا النبي العظيم الذي جعله الله خاتم الأنبياء، فقد ختم به النبوة، وختمت برسالته الرسائل؟ ما الذي جاء لأجله؟ لم يأت لأجل شيء يعود الأمر فيه إلى الله سبحانه وتعالى لأن الله سبحانه وتعالى غني عن عباده، وإنما الأمر يعود إلى مصلحة العباد والبلاد، (يأمرهم بالمعروف)، كل أوامره التي يوجهها إلى هذه الأمة تقوم على ما هو معروف وطيب بينهم، حتى هنا لن يقول رب العالمين يأمرهم بما أمر به الله سبحانه وتعالى، مع أن ذلك واقع, وإنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يبين أن كل ما أمر الله هو من الأمر الطيب، من الأمر المعروف، من الأمر البّين بين الناس، ولو خلا الإنسان بعقله ما اختار إلا ذلك المعروف الذي أمره الله به سبحانه وتعالى، يأمرهم بالمعروف وكذلك (وينهاهم عن المنكر)، ولم يقل رب العالمين في هذه الآية الكريمة أيضاً ينهاهم عما نهى الله تعالى عنه، للاستدلال على أن كل ما نهى الله عنه هو من المنكرات التي تنكرها العقول السليمة والطبائع السجية التي لم تتلوث بالأفكار الهدامة، وكل ما نهى الله عنه هو ما تنكره العقول والفطر السليمة والطبائع السليمة.
الإصابة بالأذى
وقال فضيلته: جاءت هذه المنهجية لتبين أن ما نهى الله عنه هو ما يريد الله لمنع الإنسان من أن يصيبه أذى في دينه ونفسه أو عقله وروحه أو في بدنه وعرضه وماله مما جعله الله من المقاصد الكلية الستة المعروفة, التي أنزل الله هذه الشريعة لأجل حفظها وتنميتها وتطويرها… ويبين الله منهجه في مسألة الحلال والحرام بأنه قائم (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، كل ما هو طيب ونافع وخير فهو حلال أحله الله سبحانه وتعالى لهم، وكل ما هو خبيث مضر وفيه مفسدة ومضرة هو محرم، نفهم من ذلك أن القيود التي وضعت على بني إسرائيل بسبب ظلمهم، وبسبب ما فعلوا مع أنبيائهم، شدد الله عليهم، فجاء هذا الرسول صلى الله عليه وسلم فأزاح كل هذه الأغلال وهذه القيود التي كانت قد وضعت لبني إسرائيل لظلمهم (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)… هذا هو الإسلام العظيم، هذا هو الإسلام الذي يتفق مع العقول السليمة والطبائع السليمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي منهجية التحليل والتحريم فبذلك بين الله (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فحصر الله فلاح الدنيا وسعادة الآخرة وسعادة النفس والروح وسعادة القلب والجسد وحتى السعادة المالية والاقتصادية في اتباع هذا المنهج السليم في التحليل والتحريم.
الإباحة أصل
وتابع أن الله سبحانه وتعالى بيّن في آية أخرى أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن المحرمات محصورة، ولكن يجب على المسلم أن يبتعد ابتعادا شديدا عن هذه المحرمات يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، أباح الله لنا الطيبات, وإنما حرم علينا الخبائث, وذكر منها أربعة أشياء ويلحق بها ما كان مثلها في الضرر والمفسدة, ومع ذلك إذا اضطر الإنسان وأصبحت حاجته ملحة بحيث يصبح مهددا في نفسه أو في عرضه يجوز له أن يأخذ وأن يأكل من هذه المحرمات, وحينئذ فالله غفور رحيم وفي آية أخرى (فلا جناح عليه) و(فلا إثم عليه). فهذه الآيات الكريمات تدل بوضوح أن هذا المنهج العظيم في الإسلام, هو مع أن يحقق وأن يرشد الله بنور الوحي العقول السليمة إلى اتخاذ هذا المنهج, وأن يسيروا عليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويلحق بها فيما يحدث لهذه الأمة ولغيرها من النوازل، وينظر إليها بهذه النظرة القرآنية، إن كانت هذه الأمور الجديدة المعاصرة من الطيبات وفيها المنافع فهي من المباحات بلا شك، وإن كان فيها جانب فيه ضرر وجانب فيه المصلحة أو فيه مفسدة وفيه منفعة وفيه الخبث وكذلك فيه الطيب ففي هذه الحالة وضع لنا الله منهجية أن العبرة بالأكثرية, كما بين الله سبحانه في مسألة الخمر (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، والإثم هنا المضرة التي تتحقق من الخمور ومن الميسر والقمار فهي أكبر من المنفعة الموجودة في التجارة بها، لذلك حرمها الله سبحانه وتعالى، وهذه المنهجية تستمر إلى يوم القيامة مع كل ما كان ضرره أكبر من نفعه, فهو محرم، وما كان الضرر والمنفعة فيه متساويين فحينئذ إما أن يميل وينظر إلى الإباحة، أو ينظر فيه إن كان فيه جانب آخر, إلا أنه يكون مكروها.