New Page 1

السؤال:

ما هي آثار تضارب الفتاوى على مستقبل العمل المصرفي الاسلامي على
المستويين المحلي والدولي ؟
 


الجواب :

وقبل أن أخوض في الجواب على هذا السؤال أود أن أبين أن الاختلافات
المعقولة في دائرة الاجتهادات القائمة على النصوص الشرعية ، والمقاصد المعتبرة لا
تعتبر تضارباً ، ولا مضرة بالعمل المصرفي الاسلامي ، بل تعتبر إثراءً له ، وتطويراً
للمنتجات المالية الاسلامية ، وإنما الذي يضر الاختلافات التي لا تـنضبط بالضوابط
المعتبرة ، وإنما تعتمد على الحيل والمخارج والرخص الفقهية ، والمنظومة العقدية
التي لا تحقق مقاصد الاقتصاد الاسلامي ، بل تؤدي في جوهرها ، وحقيقتها ومآلاتها إلى
أحد المحظورات الشرعية ، وتكون بمثابة قول ابن عباس رضي الله عنهما في بيع العينة :
( بيع درهم بدرهمين بينهما حريرية ) .

وأما آثار هذه التضاربات فهي كثيرة وخطيرة يمكن أن نذكر أهمها في
الجانب المحلي :

  1.  إضعاف ثقة جماهير المسلمين بالمؤسسات المالية الاسلامية
    ، وبالتالي فقدان أهم سبب للتعامل معها ، وذلك لأن الدافع الحقيقي وراء معظم
    المتعاملين مع المؤسسات المالية الاسلامية هو الاسلام والخوف من الوقوع في
    الربا الذي سماه الله تعالى بالحرب ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ
    وَرَسُولِهِ ) (سورة البقرة / الآية 279) وفي الوقوع في بقية المحرمات التي
    يخاف المسلم أن يتقرب منها خوفاً من عقاب الله تعالى ، وعدم قبول دعائه ،
    وعبادته في الدنيا والآخرة ، والخوف من عذاب القبر ، والنار .

  2.  النزول إلى هاوية الحيل ، والتوجه نحو الفتاوى المرخصة
    تطبيقاً للقاعدة الاقتصادية المعروفة القاضية بأن العملات الرديئة تطرد العملات
    الجيدة ، ثم تنتهي إلى الفساد والخراب .

  3.  عدم تحقيق مقاصد الاقتصاد الاسلامي من التعمير ،
    والتنمية الشاملة في مجالات الصناعة ، والزراعة ، والتجارة ، وتضييق أهداف
    الاقتصاد الاسلامي في هذه المؤسسات للمساهمة في النهوض بالمجتمع في جميع
    المجالات والارتقاء به إلى مجتمع تمام الكفاية .
     

وأما على المستوى الدولي فكما يأتي :

  1.  عدم احترام الاقتصاديين الدوليين لهذه الاختلافات ، ولا
    سيما لهذه الرخص الفقهية القائمة على الحيل حتى إن أحدهم ذكر أن الحيل الموجودة
    في المؤسسات المالية الاسلامية لا يقبل بها مشروع القانون الوضعي لو علم بها ،
    فكيف يقبل بها ربّ العالمين .
    بل إنني حضرت مؤتمرات كثيرة حضرها الاقتصاديون الغربيون فتندروا من التورق
    المنظم ، ومن أخذ المبالغ الشهرية أو السنوية على بطاقات الائتمان الاسلامية
    الخاصة بكشف الحساب ، حتى قال أحدهم إن الربا أرحم ، أنه لا يؤخذ إلاّ في حالات
    الاقتراض ، أما بعض بطاقات الائتمان الاسلامية التي يؤخذ عليها كل شهر مطلقاً
    مبلغ 125 ريالاً شهرياً مثلاً فهذا أسوأ لأنه يشجع على الاستهلاك ، كما أنه ظلم
    ، وأنه زيادة على الدين ، لأن البطاقة هي بطاقة دين .

  2. عدم اعتراف المحاكم الغربية بمثل هذه العقود التي تنظم على
    هذا الأساس ، حتى ولو نصت على تطبيق الشريعة الاسلامية ، لأنها تقول : ( إن
    شريعتكم مختلفة ، فبأي رأي نحكم ) .

  3.  عدم تقديم قدوة صالحة في الاقتصاد حتى يحتذى بها في
    الغرب ، ولا سيما في ظل هذه الأزمة العالمية ، إذ أن البنوك الاسلامية بسبب هذه
    الفتاوى المضطربة ، وبسبب هذه الرخص لا يبقى فرق جوهري في نظرهم بينها وبين
    المؤسسات المالية الغربية .