جريدة العرب – الدوحة
ندد فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعنصرية قادة أميركا الجدد مشيرا إلى ما صرح به القادة الجدد في الولايات المتحدة من شعارات العنصرية، والغطرسة، ومن تأييد مطلق للاحتلال الصهيوني،
ورأى أن هذا ما هي إلا البداية الفعلية للانهيار.. فكل حضارة لا تستمد رونقها ونضارتها من الأخلاق، ما هي إلا برق خلب لامع، ومن أُعجب بمرآها، واندهش لمنظرها ليس إلا كمن أهرق فضلة مائه في حر هاجرة للمع سراب.. وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريج كليب وإذا أرادت الأمة اليوم أن تعود لعرش الوجود وتتسلم زمام الأمور في الكون، عليها أن تسعى جاهدة لتحسين أخلاقها، وعليها أن تبني حضارة قائمة على أسس الأخلاق والرحمة والإنصاف والإيثار، وأن تتخذ سيرة الرعيل الأول ورجالاته قدوة تمشي بها في الناس.
صفة الرحمة
وقد تحدث فضيلته عن أهم صفة في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهي الرحمة وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين والرحمة تشمل كل شيء، ومنها:رحمتنا بالوالدين، نقابلهما بالبر والإحسان، والدعاء لهما وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً رحمتنا بأنفسنا، نرعى فيها حق الله تعالى، نقدم لها ما يسعدها في الدنيا والآخرة، رحمتنا بزوجاتنا، في كل شيء؛ إذ خلقت المرأة من ضلع أعوج، وخيركم خيركم لأهله رحمتنا بأولادنا، لا بد أن ينالوا القسط الأعظم من الرحمة بهم، والشفقة عليهم؛ لتقر بهم أعيننا رحمتنا بأقاربنا وجيراننا والموظفين معنا، نعاملهم بالحسنى رحمتنا بمن عندنا من الخدم والخادمات، فهم إخوة لنا في الإنسانية، ولربما بعضهم إخوة لنا في الدين، وخير البيوت بيت يحسن فيه إلى الخدم، بشرط الانضباط بقيم الدين، رحمتنا بالأمة كلها، نقدم ما ينهض بها، ويجعل لها شأناً في كل محفل، رحمتنا بالبيئة من حولنا، وفي هذا معنى من معاني الاستخلاف في الأرض رحمتنا بإخواننا الذي آوتهم الملاجئ بعد أن شردوا عن أوطانهم، فهم لا يجدون في مثل هذه الأيام ما يرد عنهم برد الشتاء هكذا نكون ممن اقتدى بالرسول صلى الله عليه وسلم.
قراءة القرآن
وقد بدأ فضيلته خطبته بقوله: إذا أردنا الدنيا فقط، وإذا أردنا الآخرة فقط، وإذا أردنا الدنيا والآخرة معاً، علينا أن نقرأ القرآن الكريم قراءة صحيحة سليمة؛ إذ فيه النهج الواضح المبين، والطريق المستقيم، الذي يرسم لنا درب السعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنه كما قال عن الله سبحانه: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، فهو دليل وجودنا، ومرشدنا إلى سعادة الدنيا والآخرة، شريطة الالتزام بآياته، وتطبيق تعاليمه، والاحتكام إليه.
واليوم نعيش مع بعض الآيات القرآنية، التي تبين لنا الطريق الصحيح، وتبين أهمية بعض العناصر الأساسية التي أهملها المسلمون، وهي الآيات الكريمة التي افتتح الله تعالى بها سورة القلم، أو سورة نون، اسمان لهذه السورة الكريمة. قال تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، هذه الآيات الموجزات المعجزات تبين لنا الطريق، فتشير الكلمات الثلاث الأول:
نون: إلى الحرف وأهميته؛ إذ منه تتكون الكتابة، بل يتكون من الحرف كل الكون، وما الكون كله إلا حروف مركبة، وما الإنسان إلا حروف مركبة من خلال الجينات، ومن خلال شريط DNA الطويل الذي يبلغ طوله 2800 كم، والذي يتكون منه بدء الإنسان، يتكون منه من لحظة تلقيح البويضة بالماء المنوي، ثم تتكون منه المضغة، ما هي إلا حروف تقرأ في عالم الخلق، والخلية حرف، ومع ذلك لم ولن تستطيع البشرية أن تخلق لا خلية واحدة، ولا جزءاً منها..فحينما يتركب حرف إلى حرف آخر يتكون منه علم ونظرية، وحينما يضاف حرف إلى آخر تتكون منه أشياء ذات قيمة ومعنى ومغزى، كما أن إهمال الحروف تجعل الفائدة معدومة..هكذا استطاع الغرب أن يقرأ حروف الإنسان، ومن خلال قراءته لحروف الإنسان بشكل دقيق صحيح اكتشف خريطة الجينات، واستفاد منه في علاج أمراض كثيرة.
الكون حروف
وتابع:وما الكون المادي من حولنا إلا حروف مفردة، فإذا ركبت مع بعضها كونت نظريات وعلوم ومعارف، فما الكهرباء إلا حرفان مركبان ـــ سالب وموجب ـــ، وما القنبلة الذرية إلا حرفان مركبان بهذه المعنى، فحين ركبت تلك الحروف إلى بعضها أنتجت قوة هائلة..والحرف هو بداية هذا الكون، ورمز لمن أراد أن يعرف حرفاً، ومن يركبه مع حرف آخر توصل إلى بداية الحضارة وبداية العلم وبداية القوة وبداية الصناعة، فقراءة الحرف بشكل دقيق بداية معرفة كل شيء..كما أن حرف «ن» في الآية الكريمة إعجاز لغوي تحدى به الله تعالى البشرية كلها، وخاطب به أرباب الفصاحة والبيان، على أن يأتوا بسورة من مثله، أو بعشر سور من مثله، أو أن يأتوا بحديث مثله كله، فلما أعلنوا عجزهم، واستسلموا لفصاحته وبلاغته، طالبهم أن يأتوا بآية من مثله، فوقعوا لبلاغته ساجدين، وأذعنوا أنه لا يقوله بشر، رغم أنه مركب من جنس الحروف المتداولة..هذا الإعجاز المعجز لإثبات عظمة القرآن الكريم، ولإثبات عظمة الأمة الإسلامية.
القلم وما يسطرون
وتحدث فضيلته عن جانب آخر هو القلم قال: ثم انتقل الله تعالى بعد أن بين الحرف وأهميته في تكوين الكتابة والإنسان والكون وكل شيء سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ انتقل إلى ما يكتب به الحرف.. «والقلم» وما يكتب به الحرف هو الأساس في كل حضارة، ونحن أمة أنزل الله تعالى في أول ما أنزل عليها من دستور حياتها اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ هذه الأداة العظيمة هي الأساس لتحقيق الحضارة، وإثبات الذات في ميدان العلوم والمعرفة، وبناء مكانة مرموقة في صرح الثقافة، ومن يسبق في هذا المجال ويقرأ كل حروف الكون بالمعنى الشامل، ويكتب بالمعنى الشامل يبني حضارة وقوة، ويحرز في كل سباق قصب السبق..» وما يسطرون» يشمل كل شيء يسطر به، ما يسطره القرآن الكريم، وما تسطر به العلوم المختلفة في شتى المجالات التي تنفع الأمة.