تكرر لفظ (صلح) ومشتقاته في الأحاديث النبوية المشرفة كثيراً ، ولا تتجاوز معانيها حول المعاني اللغوية التي ذكرناها ، منها على سبيل المثال : (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي) .
معنى الإصلاح الذي هو رسالة الأنبياء :
نقصد بالإصلاح في هذا البحث ما يأتي:
أ- الإصلاح الشامل للإنسان فرداً وجماعة وأمة ومجتمعاً ودولة.
ب- الإصلاح الشامل لداخل الإنسان: روحه، وقلبه، ونفسه، وعقله، ولخارجه: سلوكه، وصفاته الظاهرة، وأخلاقه في التعامل.
ج- الإصلاح الشامل لمحيط الإنسان أي للبيئة والعمران.
د- الإصلاح الشامل للإصلاح: العقدي، والفكري، والأخلاقي، والاجتماعي، والاقتصادي.
ه- الإصلاح الشامل للأنظمة: النظام السياسي، والتعليمي، والديني، والفقهي، والاجتهادي.
هذا هو الإصلاح الذي هو رسالة الأنبياء التي عبّر عنها نبيّ الله شعيب عليه السلام فقال: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) .
الإصلاح الشامل مقصد لكل الرسالات السماوية:
فالإصلاح بهذا المعنى التفصيلي السابق هو جوهر الرسالات السماوية، ولذلك حصر نبيّ الله شعيب عليه السلام كل دوره في الإصلاح، ثم إن شعارات الأنبياء وإن كانت مختلفة من حيث الألفاظ، لكنها متفقة من حيث المعنى والجوهر.
وكما حصر نبي الله شعيب عليه السلام رسالته في الإصلاح وجعله شعاراً جامعاً لدعوته، كذلك جعل نبيّ الله إبراهيم الخليل عليه السلام شعاره القلب السليم فقال تعالى حكاية عنه: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) والقلب السليم لا يتحقق إلاّ بأداء جميع أركان الإيمان والإسلام من عقيدة سليمة، وأخلاق عظيمة، وتصورات صحيحة، وأعمال صالحة، ولن يتحقق القلب السليم إلاّ من خلال الإصلاح الشامل للداخل والخارج.
وكذلك حصر الله رسالة سيدنا وحبينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرحمة فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) فهي أيضاً كلمة جامعة لكل الخيرات والبركات، ومصدر لكل الفضائل والحسنات، بل إن الرحمة تأتي مع الإصلاح الشامل وبعده أيضاً.
والإصلاح مقصد قرآني ثبت باستقراء الأدلة، وهو أعم من مقصد “المصالح” في مقاصد الشريعة.