حوار مع أ.د. علي القره داغي.
تم نشره قبل ١٢ سنة وهو يتعلق بالاقتصاد وفق فقه الميزان.
الربا سبب الأزمة المالية العالمية
3:00 ص, الجمعة, 12 مارس 2010
الصحيح.
قال الدكتور علي محيي الدين القره داغي: إن الاقتصاد الإسلامي يحمل العديد من الخصائص والمميزات التي تساهم في نهضة الأمة وتقدمها بين صفوف الأمم الكبرى.
وأشار إلى أن الأزمة المالية العالمية أظهرت حاجة العالم إلى نظام الصيرفة الإسلامية، معتبرًا ذلك فرصة كبيرة أمام المسلمين لتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام، ودعا القائمين على المؤسسات الاقتصادية الإسلامية إلى المراجعة الدائمة والتطوير في الأدوات والوسائل، مشيراً إلى ضرورة تشديد الرقابة والمتابعة على البنوك الإسلامية ومدى التزامها بقرارات المجامع الفقهية.
وحول قول البعض :إن الاقتصاد علم لا دين له فلا يوجد اقتصاد إسلامي أو مسيحي أو غيره، قال القره داغي: إن العلوم نوعان، منها التجريبي البحت مثل الرياضيات والكيمياء والطب وغيرها، وهذه قائمة على سنن الله عز وجل ومن يستطع اكتشاف هذه السنن يستطع الوصول إلى النتائج، لذلك فإن هذه العلوم لايمكن أن توصف بالإسلامية أو المسيحية، لكن يمكن أن تصبغ بالناحية الإسلامية إذا تم ربطها بسنن الله عز وجل وقدرة الخالق، فيكون ارتباطها بالقيم الإسلامية، أما أصل العلم فهو مرتبط بقدرات الانسان والأخذ بالأسباب.
وأضاف: كما توجد علوم انسانية مثل علم الاجتماع والاقتصاد والتربية، فهناك جزء كبير منها يرتبط بالدين والقيم، وكما يقول آدم سميث فإن علم الاقتصاد هو علم إدارة الثروة، لتنميتها وزيادتها، وهنا نتساءل، هل الشريعة الإسلامية لم تتطرق إلى قضية الثروة وتضع لها الضوابط، وتركت لنا المال نتصرف فيه كيفما نشاء؟
وتابع: فهو كعلم ومبادئ يوجد في الكتاب والسنة وفي تطبيقات الدولة الإسلامية، فهل معقول أن الدولة الإسلامية التي تحكم العالم لم يكن لها نظرية اقتصادية ونظام واضح محدد المعالم في الجوانب المالية؟
وأردف: الدكتور محيي الدين عطية استاذ الاقتصاد في الجامعات العربية، جمع المصطلحات الاقتصادية في القرآن الكريم في نحو 400 صفحة، وفي السنة النبوية جمعت في مجلدين.
وحول السمات الاساسية للاقتصاد الإسلامي ومميزاته، قال القره داغي: توجد العديد من المميزات مثل الجمع بين الربانية والانسانية، حيث تتحكم فيه القيم الربانية الأخلاقية، ولكنه موجه للانسان وخدمته وتحقيق مصالحه، فالملكية مثلا ليست وظيفة فردية فقط بل اجتماعية ايضا عن طريق الزكاة، والقيود الأخلاقية.
ولفت إلى أن الشمولية تعد من أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي، فهو شامل لكل جوانب الحياة، فهو يبني في الدنيا وعينه على الآخرة، كما أنه يسعى إلى تحقيق التوازن في الدنيا وبين الدنيا والآخرة.
وشدد على أن الاقتصاد الإسلامي لا يقوم على تحريم الربا فقط، بل على عدة أسس أخرى مثل تحريم بيع ما لاتملك، وتحريم الغرر والتدليس والاحتكار، ويقوم بالأساس على وجود انتاج حقيقي وليس وهميا.
وأكد أن الربا يعد من أخطر المشكلات التي تواجه العالم، كما يعد من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية، وقال إن الربا باختصار هو بيع النقود بنقود بفائدة، وهو ما حذر منه أرسطو قديما بقوله إن النقد لا يلد نقدًا، فهو عبء على الانتاج والاستهلاك وكل الأنشطة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن المرابحة في الفكر الإسلامي هي إنتاج في الحقيقة، وهو ما لا يحققه الربا، والذي يؤدي إلى احتكار فئة معينة للأموال.
وأضاف: وكما قال اقتصادي ألماني في القرن التاسع عشر إن الربا سيؤدي بعد 200 عام إلى تكدس الأموال في يد فئة صغيرة تتحكم في مصير البشر، لأنه بحسب نظريات الاحتمال فإن من يربح دائمًا وهو المرابي سينتصر على من يخسر أو يربح أو يستهلك.
وتابع: ولكنه لم تمض سوى 100 عام فقط ليتحقق ذلك، فالآن نحو 25% من البشر يمتلكون نحو 75% من ثروات العالم، وداخل هذه النسبة توجد 400 شخصية وشركة عالمية تملك 75% منها.
وبين أن الربا لا يؤدي إلى التنمية، لذلك يتجه الغرب عند الأزمات إلى جعل الفائدة صفرا وهو ما يعني إلغاء الفائدة الربوية حتى تدور عجلة الانتاج دون أعباء، والعملاق الياباني قام اقتصاده على فائدة صفر أي بدون ربا، لذلك فقد أثبتت التجارب أن الربا محق وهلاك كما حذرنا الله عز وجل.
وقال: كانوا يقولون كيف يمحق الربا ويهلك، والحضارة الغربية في تقدم وازدهار، فكنت أقول إنها لم تقم على الربا وإنما على الإبداع والحرية والعلم، والآن بعد الأزمة العالمية يقول الجميع صدق الله العظيم، ففعلا يمحق الله الربا، فأين 32 ترليون من الدولارات إلى أين ذهبت؟ وباعتراف معظم الاقتصاديين الغربيين فإن الربا أحد أهم أسباب الأزمة العالمية.
وذكر أن حجم التعامل اليومي في البورصات والأسواق على مستوى العالم بلغ نحو 650 ترليونا، موضحًأ أن حجم الانتاج الحقيقي من هذا المبلغ كان 5% فقط، وأضاف: فانظر كيف كان يتحمل 5% الـ 95%، لذلك كان لابد أن ينهار تحت هذا الضغط، فلابد أن يكون هناك قبض وسلعة حقيقية، وإلا سينهار السوق، وهو ما يشدد عليه الإسلام بتحريم بيع ما لا تملك.
وأوضح أن أمام المسلمين الآن فرصة كبيرة، في ظل اهتزاز النظام الاقتصادي العالمي، وبحث الخبراء عن نظام واقعي، خاصة مع ما ذكرته مجلة الفاتيكان من ضرورة استخدام أدوات وأخلاقيات الصيرفة الإسلامية، وتنافس العواصم الغربية على استقطاب البنوك الإسلامية وأدواتها المالية للخروج من هذه الأزمة.
ولفت إلى أن معظم الأفكار المطروحة الآن لحل الأزمة أشبه ما تكون بأفكار الاقتصاد الإسلامي، مضيفًا: لذلك أناشد العالم الإسلامي بالتقدم والمشاركة في الحضارة العالمية، فهي فرصتنا لنقدم لهم هذه الرحمة التي فيها علاجهم.
وأردف: لابد من قيام اقتصاد متكامل ليس بالقول، لكن بمشاركة العلماء والخبراء في الاقتصاد والقانون والشريعة، ونقدم مشروعنا الإسلامي المتكامل، فلا يصح أن نقدم نظاما اقتصاديا إسلاميا ونحن نستورد الأدوات المالية من الغرب، فلا بد أن تكون لنا أدواتنا التي تتوافق مع نظامنا وتحقق أهدافه.
وأضاف:علينا أن نعرض للدراسة والتحليل جميع الأدوات الخاصة بالسياسة النقدية في ظل النظام الحالي للوصول إلى ما هو الصالح منها، وما هو غير صالح، وما يحتاج إلى تعديل، ولا ينبغي أن نكتفي بهذا القدر بل يجب علينا السعي للوصول إلى سياسة نقدية إسلامية، وإلى أدوات مناسبة لها، وذلك لأن أهم شيء في عالم الاقتصاد هو السياسة المالية، والسياسة النقدية.
واستطرد: ما دمنا نتجه نحو أسلمة الاقتصاد فلا يجوز أن نخلط بين الأمرين ، بل لا بد أن تكون السياسة مع الأدوات منسجمة مع الايدلوجية الاقتصادية الإسلامية، والغرب لم يصل إلى ما وصل إليه في عالم السياسة النقدية وأدواتها إلا بعد دراسات وتجارب مضنية، ولكن هذه الأزمة أثبتت فشل هذه السياسات، أو عدم فاعليتها، فنحن علينا أن نسعى لملء هذا الفراغ ليس بالكلام فقط وإنما بالدراسات الجادة الشاملة.
وأوضح أنه ليس مع التشكيك في أهداف الغرب من استقطابه للصيرفة الإسلامية لجذب الأموال الإسلامية، وقال إنهم جادون ويريدون الاستفادة من أي نظام يحقق لهم التقدم ويحافظ على الاستقرار، مؤكدًا أنه لمس ذلك على أرض الواقع خلال حضوره للعديد من المؤتمرات في لندن وباريس وروما.
وقال: هذا من أسباب استمرار الرأسمالية، لأنه يعالج نفسه ويصحح أخطاءه، فدائمًا يحقن نفسه بما يقويه ويصلحه، لكن الفرق إذا كان لنا صوت ومشاركة واضحة فعالة فسيذكر الإسلام، لكن إذا لم نتحرك فسيأخذوا ما يريدون ولن يذكر الإسلام، مثلما حدث في الماضي في علوم الطب والرياضيات التي أخذوها منا ولم يذكروا فضل الإسلام، واعتبر الآن أن أكبر وسائل الدعوة هو النظام الاقتصادي.
وفي سياق متصل، أوضح القره داغي أن زكاة البنوك والبورصات الخليجية وصلت قبل الأزمة العالمية إلى أكثر من 100 مليار دولار، مشيرًا إلى أن معظمها لا يخرج، والجزء المدفوع منها لا يوجه التوجيه الصحيح
ودعا إلى عدم توجيه أموال الزكاة إلى الاستهلاك فقط عن طريق سد حاجات الفقراء من الطعام والشراب والمسكن والملبس، بل إلى التنمية البشرية عن طريق تمليك أدوات الزكاة، مضيفًا: فالفقير يبقى فقيرًا حتى نخرجه من فقره، فالنجار مثلاً نرتب له أدوات النجارة حتى يخرج من فقره، كما يمكن أن نقوم بمشاريع استثمارية ونملكها للفقراء لتوزع أرباحها عليهم، وهذا من نظرة الإسلام الشاملة ورؤيته الاقتصادية الواسعة.
وأضاف: هنا تجدر الإشارة الى ان الامام الشافعي رضي الله عنه كانت لديه فكرة في هذا الشأن أخذها من سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وهي أن الزكاة يجب ألا توزع للاستهلاك فقط، وإنما أن يكون لها دور إنتاجي لإخراج الفقراء من مرحلة الكفاف إلى مرحلة الكفاية، ومن ثم إلى تمام الكفاية، وهذا ما فعله عمر بن عبدالعزيز، والذي تمكن من القضاء على الفقر آنذاك خلال عامين ونصف العام.
وفي قضية أخرى، أكد ان تجربة البنوك الإسلامية تحتاج إلى مراجعة وتطوير بعد 30 عاما من العمل، مشيرًا إلى أنه يدعو منذ نحو 5 سنوات إلى ضرورة مراجعة الفتاوى والآراء والتجارب الخاصة بهذه البنوك، مضيفًا: لابد من التطوير لأن التوقف هو التأخر.
وتابع: يجب القيام بمراجعة حقيقية لسير العمل والنظر إليه بشكل عام، للتعرف على الأخطاء وإبداع الجديد، فالإسلام يقوم على رعاية الأحسن. وشدد على ضرورة دعم تجربة البنوك الإسلامية لأنها تمثل نموذج الاقتصاد الإسلامي، ولأنها رفعت الحرج عن المسلمين في قضية الربا وإيداع الأموال.
وفي الوقت ذاته، شدد على ضرورة المراجعة والتطوير، مؤكدًا وجود أخطاء تحتاج إلى المعالجة قبل أن تتفاقم وتستفحل، مشيرًا إلى وجود فرق بين الانتقاد بنية الإصلاح والتطوير، وبين النقد الهدام الذي يرى أنه يصب في مصلحة النظام الرأسمالي.