الدوحة ـــ بوابة الشرق
كتاب “إستراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية النقدية والمالية في ظل الربيع العربي ، يخص به فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الشرق في رمضان من هذا العام ليكون عونا لكل شعوب الأمة العربية والإسلامية في مسارها ونهضتها وإنقاذ البشرية مما يعتريها من ظلم وفقر وحرمان، إذ يقدم الكتاب عبر الفصول المختارة التي ننشرها تباعا استراتيجية التنمية الشاملة والسياسات الاقتصادية (النقدية والمالية) في ظل الربيع العربي وهي دراسة فقهية اقتصادية، ومحاولة لبديل إسلامي، مع حلول طارئة.. يقول فضيلته:
آثار الفساد البيئي
للفساد البيئى آثار سلبية كثيرة فى مختلف المجالات، فقد عقد أكثر من خمسمائة عالم من علماء البيئة مؤتمراً فى فرنسا بتأريخ 2 — 3 نوفمبر 2007م، وانتهوا الى ثلاث نتائج مهمة، وهي:
1) ان نسب التلوث تتجاوز حدوداً لم يسبق لها مثيل فى تأريخ البشرية، وهذا يؤدى الى افساد البيئة فى البر والبحر، ففى البر فساد فى التربة، وفساد فى المياه الجوفية، وفساد فى النباتات، وبالتالى اختلال التوازن النباتي، والأوكسجينى على اليابسة.
وفى البحر بدأت الكتل الجليدية بالذوبان بسبب ارتفاع حرارة الجو، وبدأت الكائنات البحرية تتضرر بشكل واضح.
2) ان غاز الكربون ازداد فى الغلاف الجوى بشكل يندر بفساد أرضنا، حيث ان درجة الحرارة سترتفع خلال القرن الحادى والعشرين بثلاث درجات فى حين ارتفعت فى القرن العشرين درجة واحدة، ويترتب على ذلك المزيد من الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير وازدياد التصحر والأمطار الحمضية.
3) ان الانسان هو السبب والمسؤول عما حدث للبيئة من الفساد، فالحروب، والتلوث، والافراط فى استخدام التكنولوجيا دون مراعاة للبيئة وقوانينها وسننها هى التى أدت الى الفساد البيئي.
ثم وجه المؤتمر نداءً الى العالم أجمع بضرورة اتخاذ كافة الاجراءات السريعة لانقاذ كوكب الأرض.
وكذلك حذرت التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة من حدوث كارثة مناخية يمكن أن تهدد أركان الحياة البشرية خلال السنوات العشر المقبلة، وأنه اذا لم يتم تخفيض غاز ثانى أوكسيد الكربون فان درجة حرارة الأرض ترتفع درجتين حتى عام 2020، كما ان نحو 600 طن من غاز الميثان تنبعث سنوياً من الأرض الى الغلاف الجوي.
وهناك ظاهرة الاحتباس الحرارى بسبب الغازات الناتجة عن المصانع والسيارات والطيارات ونحوهما مما يؤدى الى تلوث الجو والبر والبحر، وازدياد درجة الحرارة ونحوها، وقد أدى استخدام الأسلحة الحديثة (الثاقبة، والمتفجرة، والأسلحة البيولوجية، والجرثومية، والنووية) والافراط فى استخدام التكنولوجيا الحديثة الى تلوث الماء، والهواء، وتلوث الغلاف الجوي، وموت الأحياء المائية، وتلوث الأرض وغلافها الجوي، والتلوث الاشعاعي.
والخلاصة أن أدق تعبير عما حدث ويحدث لعالمنا من الافساد هو قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فلفظ ” الفساد؟ فى الآية الكريمة يشمل كل أنواع الفساد المادى والمعنوى والاخلال بالتوازن، لأن ” أل ” فيه اما للجنس فيراد به جنس الفساد الذى يتحقق بكل ما يطلق عليه الفساد (أى ضد الصلاح) أو للاستغراق فيعمه حينئذ، وليس هنا دليل يعمله على العهد.
بداية الاهتمام:
هذا وقد بدأ الاهتمام بالبيئة عالمياً منذ عام 1971م عندما شرعت منظمة اليونسكو فى برنامج بحث سمى (الرجل والمحيط الحيوي) استهدف توسيع دائرة المعرفة بعلاقة الانسان ببيئته الطبيعية، ثم عقدت الأمم المتحدة فى عام 1972م مؤتمراً للبيئة والانسان فى ستوكهولم، ثم ازداد اهتمامها بها حيث عقدت مؤتمراً عالمياً تحت اسم: قمة الأرض، فى ريودى جانيروا 1992، حيث تعرف العالم على المخاطر البيئية التى تهدد العالم، حيث اعترف بها دولياً فى عام 1997 أسفر عن بروتوكول (كيوتو) حيث سلط الضوء على أخطار الغازات فى الاحتباس الحراري، ثم أولت الجامعات عنايتها القصوى بهذا الجانب.
موقف الاسلام من البيئة ومن افسادها
ان القرآن الكريم قد لخص لنا علاقتنا بالبيئة من خلال أننا خلقنا من الأرض، اذن فهى أمّنا، ولها حقوق علينا، وأنه لا يجوز لنا أن نضرّ بها، لأن الاضرار بها عقوق، ومع هذا الايجاز فصل القرآن الكريم أهمية الحفاظ على البيئة، وحمايتها من الفساد والتلوث وكل ما يضر بها، اضافة الى أن آثارها السلبية، أو الايجابية تكون للانسان، أو على الانسان.
1 — فقد وردت مجموعة كبيرة من الآيات الكريمة والسنة المشرفة التى تحمل بين طياتها النهى الشديد والزجر الكبير لكل من يفسد فى الأرض، فقال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا) وقال تعالى فى وصف البعيدين عن رحمة الله: (وَاِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ).
2 — ووردت كذلك مجموعة أخرى من الآيات الكريمة والسنة والمطهرة، التى تأمر بالاصلاح والتعمير والحفاظ على جمال الأرض ومكوناتها، منها قوله تعالى: (…..اِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) بل ان الله أقرّ سنة عظيمة من سننه، وهى ان الأمة المصلحة لن يهلكها الله تعالى، وانما يهلك الأمة المفسدة الظالمة، فقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).
3 — ذكرت كذلك مجموعة من النصوص الشرعية فى الكتاب والسنة على أن أسباب فساد البيئة ترجع الى الانسان نفسه، والى تصرفاته وسلوكياته السلبية، منها قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) جاء فى ظلال القرآن: (ثم يكشف لهم عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها بأعمال الناس وكسبهم، وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم وأعمالهم يوقع فى الأرض الفساد، ويملؤها براً وبحراً بهذا الفساد، ويجعله مسيطراً على أقدارها، غالباً عليها…. ).
الله تعالى سلّم الأرض للانسان بعد اصلاحها، والانسان هو الذى أفسدها:
ان القرآن الكريم ذكر أن الله تعالى سلّم الأرض للانسان بعد أن جعلها صالحة للحياة فى أفضل صورها فقال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ اِصْلاحِهَا) والعلم الحديث أيضاً يؤكد هذه المقولة وتقول: ان الأرض فى بدايتها، كانت محاطة بالغازات السامة بنسبة كبيرة، ولكن الله تعالى لم يبق من غاز الكربون فى الجوّ الاّ 0.03 % أى ثلاثة من كل عشرة آلاف، وهى نسبة مناسبة للحياة، بل هى نعمة من نعم الخالق، لأنها تعمل على تنظيم درجة الحرارة على سطح الأرض كما ورد بذلك فى بحث جديد للعلماء فى جامعة شيكاغو، فى حين أن نسبته فى المريخ 98 % وفى الزهرة 96 %.
وكذلك أصلحها بأن أبقى فى جوّ الأرض نسبة من الأوكسجين فى حدود 20 % وهى النسبة المناسبة أيضاً لاستمرار الحياة، لأنها كما يقول العلم الحديث لو نقصت عن 15 % فان النار تشتعل، لأن كمية الأوكسجين لا تكفى للتفاعل، ولو زادت على 25 % سوف يحترق كل شيء على الأرض دون شرارة وانما من خلال حرارة الشمس، وهكذا.
وكذلك أدت هذه السلوكيات الى تهتك طبقة غاز الأوزون الذى ينذر بشر مستطير يصيب الحياة على الأرض، وذلك لأن الله تعالى خلق هذا الكون على نظام بديع موزون كما قال تعالى: (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) فمن ضمن هذا التوازن هو أن الله تعالى خلق داخل كل منظومة طبيعية نظاماً مناعياً ذاتياً، كما خلق للانسان مناعة ذاتية مكتسبة فاذا أصيبت هذه المناعة فانه يصبح معرضاً لكل الأمراض، بل يترتب عليها مرض الايدز، وهكذا الكون كله، فمثلاً خلق الله تعالى للغلاف الجوى آلية لتنظيف نفسه مما يعلق به من الغازات المتصاعدة اليه من الأرض، وهذا ما يسمى بنظام ” التأكسد الجوى ” وكذلك أودع فى الكيانات المائية ” البحار والمحيطات ” آليات أيضاً لتنظيف نفسها مما يخالطها من الملوثات المختلفة، وفى الغلاف الجوى آلية لحفظ الأرض من سواقط محرقة مدمرة تأتى من الفضاء الخارجي، ثم أودع فى الأرض أيضاً نظام التكامل، واعتماد البعض على بعض بشكل دورة، أو دورات متكاملة، فتبين الانسان والأشجار مثلاً تبادل فى الأخذ والعطاء بالنسبة للأوكسجين، وغيره كما أن الانسان يعيش على الحيوانات، وهى على النباتات، والأخيرة أيضاً تعتمد على ما تفرزه الحيوانات، وهكذا…..