قال فضيلة الداعية علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي للدعاة، ما من شيء أعز وأهم في حياة، أي كائن حي من الأمن والأمان، فهما من نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى.
ومن النعم التي يشعر بها كل كائن، ولذلك جعلها الله تعالى شعار دينه وعنوانه «الإيمان»، كما أن الإسلام يحمل في طياته هذا المعنى العظيم الجميل، وهو السلم والسلام.
أهمية الأمن
وأشار فضيلته إلى أن الله تعالى، ذكر في مئات الآيات الكريمة أهمية الأمن والأمان للفرد والمجتمع وللدولة الشرعية، ومن هنا أولى بهذه النعمة عناية قصوى، وأوجب الحفاظ عليها والشكر عليها لتزداد وتستمر، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) والأمن يراد به الأمن من الخوف، وتراد به الطمأنينة، ويراد به الاستقرار النفسي والإحساس بعدم الخوف من أي شيء إلا الله تعالى، بحيث يكون الإنسان في مأمن من أي تهديد أو خوف غير الوجل من الله تعالى، وحينئذ يكون مستقراً راكزاً قادراً على التفكير والتخطيط والإبداع، منتجاً من حيث العمل والتنمية، وهذا هو السبب الذي ربط الله تعالى، من أجله بين الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي واستقرار المجتمعات، وازدهارها ونموها وحضاراتها، وذلك في معرض امتنانه على قريش ومن يسكن مكة (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
أنواع الأمن
وأوضح فضيلته في خطبة الجمعة، بجامع السيدة عائشة رضى الله عنها بفريج كليب، أن الأمن أنواع منها: الأمن المادي، وهو الأمن الدنيوي الذي يشمل جوانب الحياة المادية في ظاهر الإنسان ومكونات الفرد والمجتمع والدولة، ويأخذ شكلاً واسعاً في القضايا المادية التي تخص الأمور الدنيوية، وهذا ما تستطيع الأنظمة الوضعية تحقيقه والأمن المعنوي، المرتبط بالإيمان وبالآخرة وبالأخلاق، وهو أمن قليلاً ما تسعى إليه الدول سوى الدولة الملتزمة بالإسلام، ولكن الإسلام جعل الأمن بقسميه مطلباً ومقصداً من أهم مقاصد الشريعة على مستوى الفرد والجماعة والدولة، وشرح ذلك قائلا: فأمن الفرد يجب أن يتحقق من خلال نفسه وقيامه بدوره في مجتمعه وأدائه واجبه تجاه دولته، وفي دينه، بحيث لا يخاف على نفسه من الاعتداء المادي أو المعنوي، ويكون عرضه ونسله وكرامته وحقوقه وحريته في مأمن من التطاول والتناول من شيء منها.. وكما أن الفردية في دين الإنسان وعقله وماله وعرضه وحقوقه مطلب إسلامي كذلك طلب الإسلام أن يتحقق أمن المجتمع والحفاظ عليه، واعتبر ذلك واجب الدولة والمجتمع والأفراد.
جريمة المحاربة
أما التفريط والإفراط في أمن الدولة فقد سماه الله تعالى جريمة المحاربة وجريمة الفساد في الأرض، ووضع لها أشد العقوبات على الإطلاق، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فأمن المجتمع يشترك الجميع في تحقيقه، ويجب على الجميع الحفاظ عليه بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والتفريط والإفراط في ذلك خيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وخيانة للمجتمع، وخيانة لمقتضيات نعم الله تعالى على المجتمعات الآمنة.
أمن الدولة
أما أمن الدولة الشرعية فهو مطلوب من خلال الحفاظ على حقوقها في السمع والطاعة والالتزام بما تصدره من قرارات إدارية في المكره والمنشط ما دامت الأوامر والنواهي ضمن دائرة المعروف، التي اوجب الله تعالى فيها الطاعة، أما إذا تجاوزت المعروف وأصبحت في المعاصي فهي لا اعتبار لها ولا قيمة؛ إذ: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ومن تلك الأمور قضايا المرور وتنظيمه، وقضايا الضرائب ونحوها، فهي إما من المباحات أو الاختلافات التي يجوز لولي الأمر أن يلزم بها المجتمع حفاظاً على السلامة والأمن، وهي داخلة في دائرة الاستحسان الذي يؤجر صاحبه عند الله تعالى، ويحميه من الغرم في الدنيا.