استغلال السياسة للمذاهب الطائفية
ومع الأسف الشديد، إن بعض الحكومات والسياسات تستغل إثارة النعرة الطائفية، أو المذهبية الضيقة لتحقيق مآربها السياسية من التوسع والتمدد، وتحقيق مكاسب سياسية، لذلك يجب على أهل العلم والفضل والصلاح والمرجعيات الدينية، أن يكونوا منتبهين لهذه المسألة، فيقطعوا دابر هؤلاء بعدم إقحام المذهب أو الطائفية في الصراعات السياسية، بل المطلوب منهم أن يكونوا مفاتيح للصلح والمصالحة، وتحقيق التعايش والأخوة، وتمكين السلم والسلام، وتوجيه السياسيين إلى المصالح العليا للأمة، وليس نحو مزيد من البلبلة والاضطراب، وإثارة الفتن التي -لو أحييت- لأكلت الأخضر واليابس، فقال تعالى: «وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».
أنواع الانحراف الفكري
الانحراف الفكري يشمل جميع أنواع ميل العقل عن الحق والعدل والمنهج الوسط الإسلامي إفراطاً وتفريطاً، وبالتالي فهو يشمل ما يأتي:
أولاً: الانحراف العقدي، حيث يقع هذا النوع في أولى درجات الانحراف، وهو أمّ الانحرافات الأخرى، ولهذا الانحراف العقدي مراتب ودرجات حسب التسلسل الآتي:
(1) مرتبة الكفر بمعناه الشامل، وتشمل:
أ- الإلحاد، وعدم الإيمان بالله تعالى.
ب- الارتداد عن الإسلام والخروج منه خروجاً كاملاً.
ج- الشرك بالله تعالى، وعبادة غيره من الأوثان، كما هو الحال في الوثنيين وعبدة الأصنام، ونحوهم من المشركين.
والتحقيق أن هذه الأنواع الثلاثة بمثابة درجة واحدة، أو أنها متقاربة جداً من حيث الخطورة.
د- الانحراف المتعلق بعقيدة بعض أهل الكتاب من اليهود والنصارى، مما ذكره القرآن الكريم من التثليث وتعظيم البشر، والصفات غير اللائقة لربّ العالمين، كل ذلك انحراف خطير يجعل من يؤمن به خارجاً عن الصراط المستقيم، صراط الأنبياء والمرسلين. (2) مرتبة الانحراف الذي يخرج صاحبه عن المنهج الوسط المعتدل، ولكن لا يخرجه عن الملة والإسلام، وهذا الانحراف يشمل -كما قال أبويوسف بن أسياط-: أصول البدعة في العقيدة، وهي: الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة.
ويدخل في عالمنا المعاصر الجماعات المتطرفة المنتسبة إلى الإسلام مثل القاعدة، وداعش، ونحوهم من التكفيريين، وكذلك الجماعات المتطرفة الشيعية، والعلمانيون الذين قد يصلّون ويصومون، ولكن لديهم غبش كثير حول الحكم بما أنزل الله.
ثانياً- الانحراف الخلقي والسلوكي، فمن رحمة الله تعالى بعباده، أنه لم يجعل ترك العبادات وفعل المنكرات كفراً، ما دام الإيمان بالله تعالى وبما أنزله قائماً، فقال تعالى: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً».
تحديد مجالات البحث
ونحن في هذا البحث، نركز على الانحراف الفكري المرتبط بالانحراف عن المنهج الوسط، والغلو الخاص بالجماعات المتطرفة التي عاثت في الأرض فساداً، وملأت الأرض دماء، فذبحت وقتلت من المسلمين الكثير والكثير، ولا يتورعون في التفجيرات التي تؤدي إلى قتل آلاف من النساء والأطفال والأبرياء، الذين اشتهروا في عصرنا الحاضر بالإرهابيين.
وذلك لأن مصطلح «الانحراف الفكري» واسع جداً، ولا يمكن أن يقوم بحث واحد ببيان جميع أنواعه مع الأحكام، ولذلك خصّصناه بما هو الأهم المعاصر.
أسباب الانحراف الفكري
فقد اختلفت وجهات نظر الباحثين والسياسيين في أسباب الانحراف الفكري، فمنهم من يرجعها إلى أسباب اقتصادية من الفقر والبطالة، ولكنها وجاهة هذا السبب تضعف بأن الانحراف الفكري ليس بين الفقراء والعاطلين فقط، ولا في الدول الفقيرة فحسب، وإنما يشمل الأغنياء والدول الغنية أيضاً، فكان أول تطرف فكري مصحوب بالعنف المفرط ظهر بشكل سافر في العقود الأخيرة، كان في جماعة جهيمان الذين احتلوا الكعبة المشرفة، وأراقوا فيها الدماء في الأول من شهر المحرم الحرام عام 1400هـ، فاعتدوا على حرمة المكان والزمان، وفي دولة ترفع شعار التوحيد وتطبيق الشريعة، ولم يكن دافعهم القضية الاقتصادية، وإنما كان السبب الفهم الخاطئ، وكذلك جماعة التكفير والهجرة التي نشأت داخل السجون المصرية، ولم تظهر بسبب الفقر وحده، بل بسبب الظلم والتعذيب والفكر الخاطئ أيضاً. وتاريخياً، فإن الخوارج ظهرت جذورها في عصر الرسالة، ولا يعود سببها إلى الفقر، أو الاقتصاد، وكذلك الفرق الضالة، نعم يمكن القول إن رؤوس الضلالة يستغلون الفقر لتجنيد الشباب وتوسيع دائرة ضلالتهم.
ومنهم من أرجع ذلك إلى أسباب تربوية أو نفسية أو اجتماعية أو فكرية، أو نحو ذلك.;