وبالتالي فإن جميع العناصر الأساسية لعلم الاقتصاد موجودة في الكتاب
والسنة، وفي فقهنا العظيم وإن لم تكن مفصلة أو أنها لم تنظم في علم مستقل،
فالعبرة بالموجود والمحتوى والعلاج، يقول الدكتور منذر قحف: (إن موضوع علم
الاقتصاد الإسلامي يضم هذه الجوانب الثلاثة: الجانب الفلسفي الذي يحدد
معالم التصور الاقتصادي في الإسلام، وجانب المبادئ والقواعد العامة التي
تحدد الشكل العام والإطار الخارجي للفاعلية الاقتصادية، وجانب التحليل
الاقتصادي الذي يكشف عن كيفية تشكل الاستهلاك والادخار والاستثمار، والدخل
القومي، والأسعار وغيرها من المتغيرات الاقتصادية في واقع مادي تحكمه
الفلسفة والمبادئ الإسلامية).
والقرآن الكريم نفسه يتضمن عدداً كبيراً
من الآيات التي تتضمن جوانب اقتصادية، ويكفي أن أشير هنا إلى الكشاف
الاقتصادي لآيات القرآن الكريم الذي قام بإعداده الأستاذ محيي الدين عطية،
وبلغ عدد صفحاته حوالي ستمائة صفحة، تضمنت 324 مصطلحاً من المصطلحات
الاقتصادية والمالية.
وإذا قمنا بمثل هذا الكشاف الاقتصادي في السنة
النبوية المشرفة لوجدنا المصطلحات الاقتصادية فيها أكثر مما وجدناه في
القرآن الكريم. فهذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة
بالاقتصاد والمال، تمثل المبادئ العامة للاقتصاد الإسلامي والقواعد العامة
للنظام المالي إضافة إلى مئات الآيات والأحاديث المتعلقة بالأخلاق والقيم
التي لها دور أيضاً في الاقتصاد والتنمية.
الكتب الفقهية التي لها علاقة بالاقتصاد
إن الاقتصاد الإسلامي له
علاقة مباشرة بالفقه والسياسة الشرعية، يقول الدكتور رفعت العوضي: (إن
الاقتصاد الإسلامي هو تفريع واشتقاق من علم الفقه، ويمكن أن نقول: إنه بناء
تال على علم الفقه)، ولكنه يختلف عنه في أن الفقه يقوم على استنباط الأحكام
الفرعية من النصوص في حين أن دراسة الاقتصاد تتطلب استنباط نظرية عامة من
النصوص (ففي الوقت الذي يبحث الفقه بحثاً نزولياً من النص إلى فروعه، يبحث
الاقتصاد بحثاً صعودياً من النص إلى مدلولاته).
وحقاً إن الفقه الإسلامي
تناول الموضوعات الاقتصادية بطريقتين:
الطريقة الأولى: كتب الفقه
العامة التي تناولت ضمن أبوابها الشاملة موضوعات الصدقات، والزكاة،
والفدية، والديات، والعشور والجزية والخراج، والقسمة، وأبواب المعاملات
المالية من بيع وسلم وإجارة ونحوها.
وهذه الأبواب أو الكتب الفقهية يمكن
تصنيفها كالآتي:
أ) النظام المالي الذي يشمل الزكاة، والصدقات،
والكفارات، والوقف، والفيء، والنفقة، والعشور والجزية والخراج.
ب)
توزيع الدخل على عوامل الإنتاج مثل الشركات بجميع أنواعها، والإجارات.
ج) إعادة توزيع الدخل كما ذكر في النظام المالي.
وكذلك يرتبط بهذا
الموضوع ضمان الكفاية من الحاجات الأساسية، كما هي الحال في
الزكاة
والنفقة.
د) التنمية الاقتصادية، مثل إحياء الموات، والزكاة، وتحريم
الربا ونحو ذلك.
ه) النظام الاقتصادي، مثل الملكية، وما ذكر في توزيع
الدخل.
و) النقود والبنوك مثل موضوعات الصرف والربا والبيوع ونحوها.
ز) الاقتصاد الدولي، مثل موضوعات العشور، والجزية، وما يؤخذ صلحاً وفيئاً
من الدول غير الإسلامية.
ح) النظرية الاقتصادية التي تقسم إلى اقتصاد
جزئي، واقتصاد كلي، حيث يشمل عدداً من الموضوعات السابقة.
ط) الرفاهية
الاقتصادية من خلال حل مشكلة الفقر بالزكاة، والنفقات والصدقات، والكفارات،
ونحوها.
الطريقة الثانية: الكتب المتخصصة:
فقد ألف علماؤنا الكرام
عدداً طيباً من الكتب في الأموال فقط، فقد ذكر الدكتور ياسر الحوراني مصادر
التراث الاقتصادي الإسلامي في كتاب قيم بهذا الاسم قدمه أ.د رفعت العوضي
بلغت 282 مؤلفاً و350 كتاباً، ثم قال المؤلف في خاتمته: (وقد ظهر من خلال
البحث تنوع مصادر التراث الاقتصادي، وفي المقابل تركز أو انكماش الدراسات
المعاصرة في مجالات محددة، وبحوث مكررة ومسبوقة بجهد الآخرين…).
ويمكن تصنيف هذه الكتب على ضوء المصطلحات الاقتصادية الحديثة إلى قسمين
أساسيين هما:
أ ـ أصول الاقتصاد، مثل كتاب الكسب للشيباني (132-189هـ)
وأحكام السوق ليحيى بن عمر (213-289هـ) وكل كتب الحسبة.
ب ـ النظام
المالي مثل الخراج لأبي يوسف (113-182هـ) وكل كتب الخراج والأموال،
والأحكام السلطانية والسياسة الشرعية.
يقول أ.د. رفعت العوضي: (ويعني
هذا أن الفقه المالي والاقتصادي هو واحد من الموضوعات التي أولاها المسلمون
الأوائل أهميته… ويقوم دليلاً إلى الأدلة التي تنقض ما تعلق به
المستشرقون ومن يأخذ برأيهم من أنه لم يكن للإسلام نظام اقتصادي… إن بعض
الكتب السابقة كتبت بطلب من ولي الأمر… ويعني هذا أنها كانت تمثل سياسات
وبرامج مالية اقتصادية للدولة الإسلامية… إضافة إلى ذلك فإن التدوين في
الفقه المالي والاقتصادي وإن كان قد بدأ مع التدوين في الفقه العام فإنه
تطور وازدهر معه أيضاً ازدهاراً واسعاً).
تأريخ الفكر الاقتصادي الإسلامي وجهود الفقهاء.
إن تأريخ الفكر الإسلام غني بالمفكرين والسياسيين الذين أسهموا في صياغة
النواة الأولى للأفكار الاقتصادية العالمية بحيث يمكن اعتبارهم بحق الآباء
الحقيقيين لعلم الاقتصاد بصورة عامة، وللاقتصاد الإسلامي بصورة خاصة،
أمثال: أبي يوسف، ويحيى بن آدم، وأبي عبيد، والغزالي، وابن رشد، وعزالدين
بن عبدالسلام، والفارابي، وابن تيمية، والمقريزي، وابن خلدون، والسيوطي
ونحوهم، وبالأخص الذين كتبوا في الأموال والخراج، وفي التجارة، والفقر
والفقراء.
فهناك نظريات معاصرة تبناها بعض الاقتصاديين الغربيين نجدها واضحة
المعالم لدى بعض علمائنا الأقدمين، مثل ما كتبه علماؤنا حول النقود
ووظائفها، وحول العمران، والتنمية، ونحوها.