حرم الإسلام ترويع الحيوانات وإيذاءها فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).
ورويا أيضاً عن ابن عمر أنه مرَّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً. ورويا أيضاً عن أنس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم).
وعقد مسلم باباً خاصاً للنهي عن ضرب الحيوان في وجهه، ووسمه فيه حيث روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ عليه حمار قد وسم في وجهه، فقال: (لعن الله الذي وسمه)، وبهذا حافظ الإسلام حتى على جمال الحيوانات وعدم إيذائها ولذلك ورد في رواية لمسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه، ولم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفجع بطير حيث روى أبو داود والحاكم، وغيرهما عن ابن مسعود قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمَّرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحّمَّرة فجعلت تعرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من فجع هذه بولدها؟ ردّوا ولدها إليها …).
فقد سدّ الإسلام باب التخويف والإرهاب والإيذاء سداً محكماً فحرّم كل أنواعه وأشكاله سواء كان بطريق الجدّ أو الهزل، ولم يكتف بالتحريم، واللعنة، والبعد عن رحمة الله تعالى، والعذاب بالنار لهؤلاء المعتدين والمؤذين والمخوفين المروعين، وإنما شرع عقوبات كالقصاص والحدود لأجل حماية دين الإنسان، ونفسه، وعقله، وعرضه، ونسله، وماله، وأمنه النفسي والاجتماعي، كما شرع عقوبات تعزيرية تكميلية تخضع لاجتهاد القاضي لحماية هذه المقدسات ولتحقيق الأمن والسلام للجميع حتى للحيوانات بكل الوسائل المتاحة.
تعليم النشء من الصغر
أن الترويع أو الإرهاب لم يكن
من سمت السلف الصالح
بل من صفات الغلاة
حينما ندرس التأريخ الإسلامي بدءاً من الخلافة الراشدة نجد بوضوح أن الترويع للآمنين الأبرياء لم يكن من صفات المؤمنين الصادقين، بل كان سمتهم الرحمة، وإذا كان هناك من يستحق عقوبة فإن ذلك يتم عن طريق الإجراءات القضائية بضوابطها.
كما أن ميزان الحرب له خصوصيته ومع ذلك فقد فرض مجموعة من الضوابط الأخلاقية والإنسانية في حالة الحرب (كما سيأتي).
وإذا وجد نوع من الترويع في التاريخ الإسلامي فإنه يعود إلى بعض الجماعات المنحرفة الغالية، أو المتطرفة، فقد قال أحد العلماء الكبار في القرن الثالث الهجري: (وقد انزعج كثيراً من أقوال بشار بن برد وأشعاره الإلحادية): (أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه).
وكان ديدن الغلاة أن اتخذوا الاغتيال سبيلاً للقضاء على مخالفيهم، فظهرت فرق منهم الخناقون كالمغيرية، والمتصورية في الكوفة أواخر الدولة الأموية، يقول النَّوْبختي عن أبي منصور العجلي رئيس فرقة المنصورية: إنه (كان يأمر أصحابه بخنق من خالفهم وقتله بالاغتيال، ويقول من خالفكم فهو كافر مشرك فاقتلوه، فإن هذا جهاد خفي).
وذكر الجاحظ وسائل هؤلاء الخناقين وصورهم في القتل والتعذيب عن طريق الخنق والتشميم، وعن طريق الحبال، والكلاب ونحوها.
وقد عاثت فرق الغلاة والباطنية فساداً في الأرض في القرنيين الخامس والسادس الهجريين، فاغتالوا خيار الحكام والدعاة والعلماء، بل استفحل أمرهم حتى دخلوا المسجد الحرام فسفكوا دماء الحجيج في وسط المسجد حول الكعبة المشرفة.
كما أن رأس الباطنية في القرن السادس الهجري حسن الصباح قد أثار الرعب في العالم الإسلامي واتخذ لنفسه قلعة سميت بقلعة الموت وكوّن فرقاً لاغتيالات بعض كبار العلماء والوزراء لنظام الملك وغيره.;