جريدة الراية – الدوحة
ندّد فضيلة د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما تقوم به إسرائيل من انتهاكات للمسجد الأقصى كل يوم ومحاولاتها الخبيثةلتقسيم بيت المقدس والأقصي تقسيمًا مكانيًا لكي تترك للمسلمين مكانًا واحدًا من بين أكثر من 44 ألف دونم، ثم تقسيمه زمانيًا من خلال تخصيص أيام لليهود لا يجوز للمسلمين أن يقتربوا من المسجد الأقصى فيها.
وأبدى د.القره داغي حزنه على ما يحدث بينما شعوب الأمتين الإسلامية والعربية صامتون لا يفعلون شيئًا رغم مخالفة ما تفعله إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة،
وقال إن الدول العظمى جيشت الجيوش للعراق بزعم أنه خالف قرارات الأمم المتحدة، بينما لم يفعلوا شيئًا مع إسرائيل رغم أنها خالفت المئات من قرارات المنظمة الدولية.
وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب إلى أن سوريا اليوم يتم تدميرها مرتين، مرّة ببراميل بشار الأسد والمرة الثانية من خلال طائرات التحالف الدولي التي تقوم بتدمير ما لم تدمّره براميل بشار لا سيما المصانع والقطاعات المتعلقة بالنفط.
وقال فضيلته: إن ما يحدث هو بسبب ما اقترفته أيدينا وعقولنا من مصالح وهميّة يزينها لنا الاستعمار الذي تقوم مصالحه وقوته على فرقتنا دائمًا، كما قال المفكر الفرنسي روجيه جارودي إن قوة الغرب التي يتمتع بها إنما هي ناجمة عن أخذ خيرات وثروات ثلاث قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وتابع: لا يجب أن نلوم هؤلاء، ولكن يجب أن نلوم أنفسنا فأين نحن؟ وأين أمتنا؟ التي يقوم أبناؤها بتخريب بيوتها بأيديهم! مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي عاقل أن يتصوّر ما يحدث في اليمن الآن ودعم الحوثيين من قِبل بعض الدول، ومن تحطيم القوى العسكرية والديمقراطية في مصر، أيضًا بأموال العرب والمسلمين!
تربية المؤمنين
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: يتخذ الإسلام منهجًا عظيمًا في تربية المؤمنين، حتى يُهيئهم ليكونوا خير أمة أخرجت للناس، وليكونوا رحمة لأنفسهم وأسرهم، ثم يكونوا أو يُشاركوا في توصيل الرحمة للعالم أجمع..هذا المنهج العظيم الذي انفرد به الإسلام في تربية الأمة، هو منهج الجمع أو الشفع والزوج، بين الظاهر والباطن، وبين الشكل والمعنى، وبين الظاهر والمبنى، وبين العبارات والمقاصد، بحيث لا يبقى نشاط من أنشطة الإنسان، ولا حركة من حركاته إلا ويشمله هذا المنهج الزوجي الذي يقوم على الطرفين، ولا يقوم على أحادية الرؤية، أو أحادية التطبيق، والعلاج، وإنما يقوم على ثنائية الرؤية، والعلاج، والعمل، والتطبيق، لأن هذه الشريعة نزلت لهذا الإنسان الذي يشمل على هذين الجانبين الروحي والمادي، والجانب الظاهري والباطني.
أحادية الرؤية
وأضاف: بقية المناهج الدينية التي وصلتنا تقوم على أحادية الرؤية، والمنهج، والعمل، والعلاج، فإما أن يعالج الجانب المادي كما هو الحال في الفلسلفة المادية والحضارة الغربية، أو أنه يُعالج الجانب الروحي فقط كما هو الحال في بعض الأديان أو المذاهب التي تقوم على الرهبنة والابتعاد عن الحياة الدنيا، أو الأمر بالعكس.. وهذا المنهج الثنائي، مطبق في كل العبادات التي يريد الإنسان بهذه العبادات التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، ولكنها تتضمن هذين الجانبين، الجانب الظاهري والباطني، والجانب المادي والمعنوي، والجانب الحاضر والمستقبل، وكل هذه الجوانب المتعدّدة المتنوّعة الزوجيّة يُعالجها القرآن الكريم في كل العبادات.
الركن الخامس
وضرب مثلاً بالحج فقال: الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، والأمر الظاهر من هذه العبادة أن تكون عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى، بعيدة عن أي جانب آخر، ولكن الإسلام وهو يركز على هذا الجانب، وهي العبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، ربط هذه العبادة بعلاج هاتين الحالتين، بعلاج الداخل والخارج، مع أن الحج في مظاهره ومعالمه ومعظم أركانه أعمال ظاهرية، وفي هذه العبادة – إن صحّ التعبير – الشكليات التي لا يجوز تجاوزها، بدءًا من الإحرام ثم الطواف ثم بقية الأركان، كل هذه الأعمال يركز عليها القرآن الكريم لتربية المسلم على العناية بالظاهر والباطن، ويسمي القرآن الجانب الباطني – جانب العبودية – بالحرمات، ويسمي الجوانب الطقوسية العبادية بالشعائر، وكلاهما مطلوب، ثم يربطهما ربطًا محكمًا بتوجيه المسلم حتى يكون مُحققًا لخيري الدنيا والآخرة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في الجانب الأوّل وهو جانب التقوى بعد أن يتحدث عن أهمية الأضاحي وعن أهمية الهدي وتعظيمها وجمالها، حتى لا ننسى في خضم المظاهر وخضم الشكليات الجانب الأساسي والبعد الروحي والمعنوي وهو تقوى الله: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ) فالمطلوب هو تحقيق التقوى، والتقوى هذا البعد المعنوي والحقيقي أن يتحقق في قلب كل حاج ومسلم، لأنه إذا تحققت التقوى على حقيقتها فلا يُمكن أن يقترب الإنسان من الفواحش، ولا يمكن أن يقترب مما يغضب الله سبحانه وتعالى، لأن التقوى لغة: تقيك من المعاصي، واصطلاحًا: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
حدود الله
وأضاف: تركيزًا على هذين الجانبين يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحج حينما يتحدّث عن نداء سيدنا إبراهيم وعن مقاصد الحج (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وبعد كل ذلك يعود إلى التقوى حتى لا ننسى في خضم الطواف حول الكعبة وبقية أركان الحج يعيدنا إلى نفس البعد والدائرة (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ).
وقال: الحرمات هي حدود الله سبحانه وتعالى في المحرّمات والواجبات والأركان. ثم يدخلنا مرة أخرى في البعد المادي، ثم يربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى تحقيقًا لحرمات الله (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) هذه الحرمات هي أن تبتعد عن عبادة غير الله وهذه الحرمات هي أن تتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر أمرين للإشارة إلى البعد العقدي (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) ويربط هذا التوحيد أو الابتعاد عن الشرك ربطًا محكمًا وبنفس المستوى – على الرغم من خطورة العقيدة – بالجانب الأخلاقي (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فكما أمر الله وبنفس الأسلوب بالاجتناب عن الأوثان على المرء أن يبتعد عن رجس الأخلاق السيئة التي من أهمّها بالنسبة للسان قول الزور أو شهادة الزور أو أي شيء فيه التزوير.
خطورة الشرك
وتابع: ثم يتحدّث القرآن عن خطورة الشرك لتحقيق هذا المطلب في النفس وهو الجانب المعنوي والروحي والسمو العقدي والداخلي بالارتباط بالله فيتحدّث عن خطورة الشرك، ويبيّن أن خطورة الشرك يترتب عليه أن يصبح الإنسان بدون مُعين، بدون من يُعاونه ويستعين به، فيقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) كلاهما خطر ومهلكة، ثم بعد هذا التركيز على الجانب الداخلي والبعد المعنوي والأساسي وهو العقيدة والأخلاق يعود مرة أخرى ويربطنا بالشعائر والمشاعر (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) فإن كان تعظيم الشعائر لله سبحانه وتعالى وليس للرياء ولا للجاه فإنها من تقوى القلوب، فربطت الظاهر بالباطن وربطت الشعائر بالحرمات والشعائر بالمشاعر الداخلية التي تنبثق من القلب والداخل، ثم بعد ذلك حينما يتحدّث عن الشعائر حتى يدمج هذه المسألة مرّة أخرى (لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ) لكم في هذه الشعائر منافع ثم محلها إلى البيت العتيق ثم يقول (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا) فيربط هنا الفرد بالجماعة فكل شيء ثنائية التصوّر، فأنت كفرد جزء من هذه الأمة، وهذه الأمة لها مشاعر ولها هُويّة، ولذلك يجب أن تحترم هذه الهوية وتعيش فيها وتدافع عنها وتحقق أهداف هذه الهوية، ولا يمكن أن يكون للإنسان قيمة أساسية إذا لم يكن لهذا الإنسان في داخل الأمة المحترمة تحترم نفسها وتحترم مناسكها وشعائرها وتدافع عن هويتها.