الصباح الجديد – العراق

في محاضرة قيمة القاها الدكتور علي القره داغي تناول فيها موضوعة الفساد الاداري والسياسي والذي يتبعه انواع الفساد الاخرى المتصلة بعضها بالبعض الاخر ، وقد حضر جمهور كبير اكتظت بها القاعة الكبرى في فندق بالاس السليمانية وقد حضرت (الصباح الجديد)  ذلك السيمينار واستمعت الى اللغة السلسة التي تحدث بها قرة داغي وتناول فيها الكثير من المشاكل العالمية والعربية والمحلية والفساد الاداري والسياسي المستشري في بلاد الله ومنها العراق العظيم الذي نخر جسمه هذا الفساد بل السرطان الذي يكاد يقضي على ماتبقى من الطيب فيه ..

وقد تحدث القره داغي عن اهمية الاسلام في تحصين الناس من الوقوع في فخ الفساد المتنوع في عالمنا اليوم حيث قال: ان الاقتصاد الاسلامي ليس بعيدا عن الاقتصاد العالمي ومؤثرا ومتاثرا فيه ولابد ان يكون للتاجر في عمليات البيع والشراء والتعاملات الاقتصادية دورا في التعامل الحقيقي مع السوق والكسب الحلال وعدم التوغل او الاندفاع نحو الارباح وتحقيق المكاسب الشخصية بدون النظر الى الاوضاع العامة في البلاد وان يساهم بدور انساني في مساعة الناس من خلال هامش ربحي غير مبالغ فيه لان دول العالم قد شهدت تطورا كبيرا وتحسنت اموره المالية والاقتصادية ولكن تحقق العكس من ذلك حيث ان نسبة الفقر في العالم اصبحت كارثية وان خط الفقر في العالم يتزايد يوما بعد اخر واصبح الغلاء حربا شعواء تشن على الفقراء في كل انحاء العالم ولدينا الكثير من التجارب حول هذا الموضوع ، ولاحظوا ان الثورات التي حصلت وتحصل في مصر وتونس واليمن وغيرها من بلاد العالم تؤكد بما لايقبل الشك ان الفقر هو السبب الرئيسي وراء ذلك ولابد ان توضع الخطط الستراتيجية من اجل حل مشاكل الفقر في العالم..

وحول موضوعة الفساد الاداري والفساد السياسي وضرورة محاربته قال القره داغي :إذا وجد الفساد فإن الحضارة تهدم، وتختل القيم، فلا يكون هناك نمو ولا تنمية ولا استثمار حقيقي، وإنما مزيد من التخلف ومن الفقر والمجاعة ومن المشاكل.. مشيرا إلى اجتماع أنواع الفساد كلها في الأمة لتؤدي إلى ما أدت إليه من التخلف والفقر والجهل في الأمة الإسلامية، وان القرآن الكريم قد اوجد حلا لقضية الفساد وقدم رؤيته المعاصرة لهذه القضية، ووصل إلى أن الإعلام والفصل بين السلطات والتشريعات والتحصين الداخلي حماية للأمة من الفساد الإداري..

 ولقد عانت أمتنا الإسلامية، منذ أكثر من قرنين من مجموعة من مشكلات خطيرة، من أهمها الظلم والاستبداد، ولم تكن الأمة الإسلامية تعاني من فتنة الظلم والاستبداد فقط، بل عانت كذلك من مشكلة التخلف، ومشكلة الفقر، والبطالة ومشكلة الفساد الإداري والفساد المالي والفساد السياسي، وقد اجتمعت أنواع الفساد كلها مع الأسف الشديد في هذه الأمة، فأدت إلى ما حدثت للأمة من التخلف والفقر والبطالة والجهل، مع أن هذه الأمة الإسلامية، ومنها العربية، لديها كل الإمكانيات المتاحة، لتكون أمة قوية قادرة غنية عالمة، تكون أكثر وأقوى من أية أمة على وجه الأرض، لأن لديها من الإمكانيات المالية والموارد البشرية والطاقات والمعادن، وكذلك التحكم في البحيرات والممرات، وكل هذه الأمور الأساسية التي خلقها الله -سبحانه وتعالى- في أرض هذه الأمة، كل هذه الأمور، كانت لهذه الأمة أن تؤهلها لتكون أقوى أمة على وجه الأرض، ولتبقى قوية كما كانت في القرن الثاني والثالث والرابع والخامس الهجري، وكانت الأمة المتحضرة الوحيدة التي لديها الصناعات ولديها العلوم ولديها الفنون، حتى استطاعت هذه الأمة أن تصنع الكثير من الأشياء، قامت على منهجها التجريبي، وعلى ما قدمته هذه الأمة، قامت عليه الحضارة الأوروبية، التي استطاعت أن تقيم ما تقيم، وأن تصل إلى ما تصل كما تشاهدونه اليوم.

وقال القره داغي : أن هذا التخلف في الجانب المالي والجانب الإنساني، وكذلك ما يحدث من فقر وبطالة، كان من أهم أسباب ذلك على الإطلاق، كما يقوله المحللون. يقول خبراء الأمم المتحدة: إن أهم مشكلة وأهم عرقلة في تنمية الأمة العربية والإسلامية، هي مشكلة الفساد، وعلى سبيل المثال، فإن فاتورة الغش التجاري في المنطقة العربية فقط تصل ما سجله الحسابات، وما هو أخفى أكثر، إلى أكثر من 60 مليار دولار سنويا، وفاتورة الفساد السياسي والمالي أي الفساد المالي من قبل السياسيين، تصل هذه الفاتورة إلى أكثر من 60% من دخلها القومي، هذا يعني أن الأمة إذا كان لديها 100 مليون دولار، فإن 60 مليون دولار تصل وتدخل في جيوب هؤلاء الفاسدين وهؤلاء المفسدين، سواء كانوا وحدهم يأكلون، أو أنهم يشاركون غيرهم من الغرب أو من الشرق، وهكذا لو أحصينا هذه الفواتير، لوجدنا أن ما يصل إلى جيوب المواطنين في معظم البلاد، ولا أتكلم عن بعض البلاد، فهناك – ولله الحمد- بعض البلاد الإسلامية التي أكرمها الله سبحانه، بشيء من الرقابة والتدقيق، وإنما أتكلم عن معظم الدول العربية والإسلامية، وليس كلامنا عاما لجميع الدول بالتأكيد، وإنما هو لمعظمها، ولذلك لو أحصينا هذه الفواتير، في ظل ما يقوله الخبراء، فإن نسبة ما يصل إلى جيب المواطن لا تزيد بين 10 إلى 20 % سواء كانت مباشرة من خلال الرواتب، أو غير مباشرة، من خلال ما يسمى بالبنية التحتية التي تحتاج إليها الدولة.

واضاف قره داغي : ان القرآن الكريم عالج هذه القضية وأنا شخصيا، لم أكن أفهم مدى عناية القرآن الكريم بقضية الإصلاح ومنع الفساد.  ولقد سمّى الله سبحانه وتعالى الفساد، وشن حربا عليه، فقال: «يحاربون الله ورسوله» فلذلك ذكر القرآن الكريم، كلمة الفساد خمسين مرة، مبينا الشدة في الوصف الدنيوي على الفاسد، وما له في الدنيا من خزي، وكذلك ما ينتظره في الآخرة من عذاب أليم. كما أنه في المقابل، قارن الفساد بالإصلاح، وذكر الله سبحانه وتعالى هذه المقارنة، لأن الإصلاح مقابل للفساد، ولا يكتفي في الأمة أن تقضي على الفساد، وإنما يجب على الأمة أن تصلح في الوقت نفسه، ثم تبني المجتمعات، وتبني المؤسسات على أساس الصلاح والإصلاح، ولذلك تكررت كلمة الصلاح والإصلاح في القرآن ثلاثة أضعاف الفساد والإفساد ومشتقاتهما.