الدوحة – بوابة الشرق
شدد د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على أهمية العدل في حياة الأمة وقال في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب أن أكبر مرض أصاب الأمة في صميمها هو الظلم وعدم العدل ولاسيما من قبل معظم الحكام الاستبداديين والدكتاتوريين ومعظمهم جاءوا بالانقلابات العسكرية بدءا من مصر وسوريا والجزائر وغيرها.
ولفت إلى أن الحكام العسكر وعدوا بكثير من الخيرات لهذه الأمة ولكنهم لم يستطيعوا أن يحرروا فلسطين ولا استطاعوا أن يقيموا العدل ولا الديمقراطية ولا الرفاهية ولا السعادة وإنما ظهر الفساد والظلم في كل الأماكن وبسبب ذلك تفرق أممنا وإلا لما حدث في العراق ما حدث في العراق كله كان بسبب الظلم للأكراد سابقا أو اليوم الذي يحدث من ظلم لإخواننا السنة من قبل الحكومة وأصبحنا تلعب بنا الأمم مثلما شاءت ولأن المظلوم ضعيف يغرر به بسرعة لأن الغريق يتشبث بكل حشيش ولهذا لا غرابة في لجوئه إلى الغرب.
وأضاف”لولا السجون والتعذيب والاغتصاب في تونس ومصر وليبيا لما قامت هذه الثورات، هذه الثورات قامت لتحقيق العدل ولا تريد الأمم الأخرى أن يتحقق العدل فينا بل نبقى في الظلم والمظالم حتى لا تكون أمتنا موحدة ومتماسكة”.
محاربة الظلم
ودعا إلى محاربة الظلم والوقوف مع العدل ولا يمكن أن تنهض الأمة إلا إذا وصلت إلى مرحلة العدل والقسط فيجب أن نقف مع إخوانا في مصر وسوريا وليبيا والعراق ومميت نمار وإفريقيا الوسطى ..وقد زارنا وفد وقال لنا بأنه كان هناك أربعون ألفا من المسلمين ولم يبق إلا ألف والباقي إما أخذوا و شردوا أو قتلوا أو حرقوا وأمام مرأى ومسمع الجنود الفرنسيين.
ومضى إلى القول : لا يوجد شيء في الإسلام بعد العقيدة والأخلاق أعظم من مبدأ العدالة الشاملة لكل تصرفات الإنسان، وكل حركاته، وما يجول في قلبه وأكد في هذه الأثناء أن العدل هو الأساس لبناء هذا الكون كله، فبالعدل وعلى العدل أقام الله السموات والأراضين، لذلك أمر به أمراً ملزماً وجعل من أهداف جميع الرسالات الإلهية وأهم هدف وعنصر أساسي لرسالات جميع الرسل والأنبياء هو إقامة العدل (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) فأنزل الله الكتاب والميزان لتحقيق الهدف الذي هو القسط أي العدل.
الشرك ظلم عظيم
وقال إن كلمة العدل وردت في القرآن 29 مرة وكلمة القسط حوالي 27 مرة أما ما يقابل العدل وهو الظلم والبغي والطغيان فقد ذكره الله تعالى ذلك في مئات الآيات بل جعل الظلم مرجعية للكفر والشرك ( إن الشرك لظلم عظيم) فالشرك على الرغم من خطورته هو ظلم عظيم فالعدل هنا يكون بإقامة العقيدة والأخلاق ومقاصد الشريعة داخلة في العدل.
العدل والإحسان
وقرر فضيلته بأن قول الله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) أمر مطلق يشمل جميع تصرفات الإنسان ولكن الله فصل ذلك تفصيلا فقال في القول ( وإذا قلتم فاعدلوا) وكذلك في الكتابة (وليكتب بينكم كاتب بالعدل) وقال في الصلح الذي يحاول الإنسان فيه أن يكتسب الأكثر يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ويأمر أمته به حتى في حال القتل والبغي (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فإن رجعت هذه الجماعة المقاتلة التي حملت السلاح وأعلنت الحرب على الدولة الإسلامية فيجب الصلح بينهما بالعدل .
الفرق بين العدل والإقساط
وذكر أن الفرق بين العدل والإقساط هو أن العدل هو الجانب الإيجابي في تحقيق العدل وإعطاء كل ذي حق حقه ما له من حقوق وما عليه من واجبات وأما الجانب السلبي العدمي هو إزالة الظلم فإزالته يسمى الإقساط لأن كلمة القسط في أصله يأتي بمعنى الظلم ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) فالقاسط هو الظالم ولكن المقسط هو من أزال هذا الظلم وفي اللغة العربية هناك باب يسمى باب الأفعال وهذا الباب في معظم أحواله تكون الهمزة للإزالة مثل طاقة ويطيق فطاقة أي سعة ويطيق أي أزالت عنه هذه السعة أو الطاقة فالمقسط أي الذي أزال الظلم..لذلك يؤكد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على أمرين : فهؤلاء الذين عادوا وتابوا لأي سبب من الأسباب فيجب معاملتهم بالعدل وإزالة كل مظاهر الظلم الذي كان عليهم في السابق والذي ربما من أجلها قاموا، وكذلك أمر الله تعالى بالعدل حتى مع غير المسلمين كما في قوله تعالى (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أن تبروهم أي تحسنوا إليهم وتقسطوا أي إزالة الظلم عن هؤلاء غير المسلمين.
في الأقوال والأفعال
وقال فضيلته إن الله قد شدد في العدل على الأقوال والكتابة والسلوكيات والمصالحات والمخاصمات فحينما يقاضي الرسول صلى الله عليه وسلم يقاضي بكونه قاضيا وحاكما وإماماً وليس بحكمه رسولا ولذلك يقضي بما يقدم له من الأدلة فيقول ( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) إذًا القضية ليست شطارة المحامي أو تضليل من بعض، إنما القضية إذا كان لك الحق فدافع عنه وإذا كان ليس لك الحق فلا يجوز لك أن تطلب وإذا أعطي لك حق غيرك حتى لو كان بحكم القضاء، فإن ذلك حرام عليك وقطعة من النار..فمن مبدأ العدالة إحقاق الحق حتى ولو كان لغيرك وكما يقول الإمام الشافعي ( ما جادلت أحدا إلا وسألت الله سبحانه وتعالى أن يظهر الحق ولو على لسانه)..وكذلك أمر الله تعالى أن نكون عادلين في الشهادة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ) فشهادتنا تكون لله والشهادة تشمل في حقوق الناس وصوتك عندما تعطيه في الانتخابات البرلمانية والبلدية فإذا شهدت بالباطل (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) أصبح القلب آثما ولم يكن سلميا وبذلك لن تنجو لأن الذي ينجو يوم القيامة من أتى الله بقلب سليم والقلب السليم هو الذي يحكم بالعدل.