جريدة الوطن – الدوحة
آثار الفقر:
للفقر آثار اقتصادية، وآثار علمية وثقافية، وآثار اجتماعية، وآثار سياسية، نتناولها بإيجاز شديد….
أولاً- الآثار العقدية، والفكرية، والأخلاقية:
للفقر تأثيره على العقيدة، إذا لم يكن الفقير قوي الإيمان، حيث قد يصيبه الشك والريبة في حكمة الخالق، حينما يرى الغني المترف القاعد المتبطل، ثم يرى نفسه مع جده وعمله لا يجد شيئًا، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفقر مع الكفر، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وكان أيضًا يقول: إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم وكذلك لا ينكر للفقر دوره السلبي وخطره على الفكر، من حيث إنَّه يجعل صاحبه مشغولاً بضرورات الحياة لنفسه وعياله، فلا يبقى له وقت للتفكير في الإبداع – في الغالب – ولذلك قال الفقهاء لا يقضي القاضي وهو جوعان.
وأما خطره على الأخلاق والسلوك فكبير جدًا إلاّ إذا بلغ صاحبه مبلغًا كبيرة في الإيمان والتقوى، يقول الشيخ القرضاوي: فإن الفقير المحروم كثيرًا ما يدفعه بؤسه وحرمانه – خاصة إذا كان إلى جواره الطامعون الناعمون- إلى سلوك ما لا ترضاه الفضيلة والخلق الكريم، ولهذا قالوا: صوت المعدة أقوى من صوت الضمير، وشر من هذا أن يؤدي ذلك الحرمان إلى التشكيك في القيم الأخلاقية نفسها، وعدالة مقاييسها.
وهناك أحاديث كثيرة تدل على العلاقة بين الفقر والدين والمغرم وبين سوء الأخلاق، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ويقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ ـ يا رسول الله ـ من المغرم ؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدّث، فكذب، ووعد فأخلف.. قال الحافظ ابن حجر: (يستفاد من هذا الحديث سدّ الذرائع، لأنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الدين، لأنه في الغالب ذريعة إلى الكذب في الحديث، والخلف في الوعد، مع صاحب الدين عليه من المقال).
والحديث وإن كان في الدّين ولكن السبب الأساس في ذلك هو الفقر، وعدم القدرة على الأداء، بل إنَّ هناك أحاديث تدل على وجود العلاقة بين الفقر ـ إذا لم يصحبه إيمان قوي ـ وبين الرذائل مثل السرقة، والزنا، ونحوه من الفواحش والاختلاسات.
ثانيًا- الآثار الاقتصادية السلبية للفقر:
للفقر آثار عقدية، وفكرية، وأخلاقية، وآثار اقتصادية على النهضة الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي على الدولة على ضوء ما يأتي:
1 – إنَّ المجتمع إذا كان فقيرًا فإنَّ الدخل القومي يذهب إلى إطعام الأفواه الجائعة بدلاً من أن يذهب إلى التنمية، والاستثمار، فتظل الدولة والمجتمع في دائرة مفرغة، يكون من الصعب الخروج منها، وبالتالي فلن تتحقق التنمية المنشودة في ظل الفقر المدقع.
2 – زيادة الديون والقروض الفردية لسد الضروريات والحاجيات الاستهلاكية بدلاً من الخوض في خطط النهضة والبناء والتعمير.
3 – تبعية الشعوب الاقتصادية للدول والشعوب المانحة للقروض والديون، وما يترتب عليها من آثار سلبية في جميع الجوانب والجبهات.
4 – زيادة الاستغلال والاحتكار، وبالتالي يزداد الفقراء فقرًا ، والأغنياء غنى، لأن الفقراء بسبب حاجتهم الشديدة يكونون غير قادرين على المنافسة، فيخضعون للشروط التعسفية للأغنياء والشركات الاحتكارية.
5 – انخفاض مستوى الإنتاج، وبالتالي انخفاض الدخل والاستثمار، والادخار، ونصيب الفرد من الناتج القومي وذلك لأن قدرات الفقير، خاصة الفقير المدقع، يكون نصيبه أقل من غيره في الصناعة والزراعة، واستغلال الأرض بسبب عدم قدرته على شراء التقنيات الحديثة المتطورة التي تزيد في الإنتاج، والإتقان، فالفقير في الغالب يعتمد على الوسائل البدائية، وبالتالي فيكون إنتاجه قليلاً في مختلف المجالات، ويكون معدل نصيبه من الناتج القومي قليلاً ، وكل الخبراء ينصحون الدول الفقيرة بضرورة زيادة الإنتاج، خاصة الإنتاج الصناعي.
أمَّا الآثار الاقتصادية على الدول الفقيرة فهي ما يأتي:
أ- عجز الموازنة بسبب قلة الموارد، وانخفاض حجم الإيرادات العامة التي تحصل عليها الخزانة العامة، وعدم إمكانية فرض أو تحصيل ضرائب مناسبة تصرف في أوجه الرعاية الغذائية والصحية، والخدمات الأساسية الأخرى، بل إنَّ الدولة إذا فرضت ضريبة، أو حجبت الدعم عن سلعة أساسية ثارت الجماهير واضطربت الأمور مما يجعل الدولة تحسب ألف حساب لفرض ضريبة، أو رفع دعم، فقد حدثت مظاهرات عارمة في معظم بلاد العالم الثالث لأجل رفع الدعم، فقد حدثت انتفاضة 1976 في مصر بسبب رفع الدعم عن الخبز، أو لرفع الدعم عن أعلاف الحيوانات في الأردن، ولزيادة سعر البنزين في العراق أيام عبدالكريم قاسم، وراح ضحيتها عشرات بل مئات من المواطنين، وتسببت في تحقيق أضرار مادية ومعنوية تقدر بالمليارات، والغريب أن مثل هذه المظاهرات لم تحدث في معظم هذه الدول لأجل الاستبداد السياسي وما فعلته الديكتاتورية بالشعوب.
ب- عجز ميزان المدفوعات بسبب ضآلة حجم وقيمة الصادرات، وزيادة قيمة وحجم الواردات، حيث تكون النسبة في الصادرات والواردات في معظم الدول الفقيرة هي 1/3 أي الثُلث.
ج- زيادة الديون الخارجية، وذلك لعدم وجود موارد اقتصادية، أو صناعات قوية، ولما ذكرناه آنفًا، إضافة إلى الفساد الإداري، وبالتالي فإنَّ الدولة تضطر للاقتراض بفائدة، وبأي ثمن كان، ثم تتراكم الديون، وتصبح الدولة أسيرة لمن منحها.
د- زيادة التضخم، وتدهور القيمة الشرائية للعملة محليًا .
ه ـ زيادة معدلات الجرائم المالية والفساد الإداري.