الدوحة – الشرق
الحلقة : السادسة عشر
الفرقة الناجية
هذا المصطلح استنبطه علماء الحديث من حديث مشهور على الألسنة، روي بعدة روايات مختصرة ومطولة، ولكن الشاهد على مسألة الفرقة الناجية هي الرواية المطولة التي رواها ابن ماجه، والحاكم بأسانيد ضعيفة، أو مختلف فيها، ولفظ ابن ماجه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل: من هم؟ قال:”الجماعة”، قال البويصري: “فيه مقال، وعباد بن يوسف لم يخرج له أحد سوى ابن ماجه، وليس له عنده سوى هذا الحديث، قال ابن عدي: روى أحاديث تفرد بها ..”وفي رواية بلفظ ” قال: ما أنا عليه وأصحابي” رواها الترمذي والحاكم، وله روايات وطرق وألفاظ كثيرة نشير إلى أهمها في هذا البحث .
الحكم على هذا الحديث
هذا الحديث قد اختلف في متنه، وألفاظه، وفي الحكم على سنده وفي معناه ومحتواه: وأما متنه فإن معظم الرواة لا يروون الزيادة التي هي الشاهد والاستدلال، حيث رواه أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، وابن حبان وغيرهم بلفظ “افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة”، وهذا لفظ الحاكم الذي صححه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
وبالتالي فإن هذه الزيادة التي تدل على الفرقة الواحدة الناجية، وهلاك 72 فرقة منهم، أو دخولهم النار لم ترد في الروايات الصحيحة، وهذا ما قاله عدد من المحققين فقال الشوكاني: أما زيادة “كلها في النار إلا واحدة” قد ضعفها جماعة من المحدثين، بل قال ابن حزم “إنها موضوعة” فهذه الزيادة لا تصح مرفوعة ولا موقوفة، بل إن عدداً من المحققين أيضاً قد حكموا بعدم صحة الحديث البتة.
وقد كنت مشغولاً بدراسة هذا الحديث، و قطعت شوطاً جيداً، لكنني عثرت على بعض الدراسات الحديثية النقدية لهذا الحديث لبعض الباحثين الذين جمعوا طرقه، ورواياته وأسانيده بشكل علمي، وتوصلوا من خلالها إلى ما يأتي:
1- ثبت أن حديث عوف بن مالك منكر لضعف عباد بن يوسف، ولتفرده بهذا الحديث، ومخالفته الثقات الذين رووا الحديث عن صفوان، فخالفوه في إسناده، وجعلوه من حديث معاوية بن أبي سفيان، ليثبت بذلك أنه لا أصل له عن عوف بن مالك، وأنه خطأ من عباد بن يوسف ولم يتابع عليه .
2- كما ثبت ضعف حديث معاوية، لأن مداره على أزهر بن أبي عبد الله، وهو ناصبي غال..، وقد طعن فيه أبو داود، وذكره ابن الجارود في الضعفاء.
3- وكذلك ثبت ضعف حديث عبد الله بن عمرو، وأنه حديث منكر، ولا أصل له عن عبد الله بن عمرو .
4 – وكذلك ثبت ضعف رواياته عن سعد، وأنس، وأبي أمامة، وأنها من الأحاديث المنكرة، وأما رواية الحديث عن عمرو بن عوف فباطلة، لا أصل لها .
5 – توصل الباحثون إلى أن في جميع طرق هذا الحديث -وبخاصة مع الزيادة- مناكير وغرائب ضعيفة ومنكرة.
6 – أما الحديث بدون الزيادة فأقصى ما يمكن الوصول إليه -مع التساهل- هو درجة “الحسن لغيره”.
7 -لا يقال: إن كثرة طرقه ترتقي بالحديث إلى درجة الحسن، وذلك لأن هذا الحكم ليس عاماً، يقول الشيخ أحمد شاكر معقباً على من يصحح أو يحسن الحديث بكثرة الطرق: “وبذلك يتبين خطأ كثير من المتأخرين في إطلاقهم: أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحيح، فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً إلى ضعف، لأن تفرد المتهمين بالكذب، والمجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم يرفع الثقة بحديثهم، ويؤيد ضعف روايتهم.
فحديث هذا سنده وما فيه من المناكير والغرائب، والضعف والنكارة لا يصلح أن يحتج به حتى في الفضائل، فكيف يحتج به في مثل هذه القضية الخطيرة، وما يتضمنه من إشكاليات نتحدث عنها فيما بعد .
وللأمانة العلمية فإن بعض المحدثين صححوه أو حسنوه بسبب كثرة طرقه ورواياته، منهم ابن تيمية، والألباني وغيرهما.