الدوحة – بوابة الشرق
استنكر فضيلة الشيخ الاستاذ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الأموال التي صرفت على الجيش العربي الخليجي، وقال: إنها تصل إلى تريليونات الدولارات. وتساءل في خطبة الجمعة اليوم بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: أين هذه الأسلحة وأين هذه الجيوش الكبيرة؟ وقال: إن المشكلة في أن الأمة يضرب بعضها البعض، ويقود بعض الدول أناس اسماؤهم إسلامية، ولكن أرواحهم مع الصهاينة ومع المشروع الذي يريدون. ودعا قادة الأمة إلى عدم استعجال الامور بما يترتب عليه الشرور.
وقال: إنهم لو استعانوا بغيرهم فلا بد أن يكون لهم قدرة على ضبط الأمور.. وقال: إن مشكلة الامة بدأت حينما اضعف بعضنا بعضا، وحينما أضعفت أكبر دولة عربية اسلامية، دولة مصر، وبأموالنا وبتخطيط بعضنا، فهذه هي النتيجة، وإلا فكيف بأمة تضم 300 مليون نسمة عاجزة عن علاج جماعة مسلحة ليس عندها دبابات ولا طائرات ما عدا الذي استولوا عليها من الجيش العراقي، وتركت لهم اساسا، فأين السلاح والجيش العربي؟. وقال: حدث تشدد وعنف باسم الاسلام وقتل الشباب وقادة بأيدي الجماعات الاسلامية، واليوم الجماعات الجهادية في سوريا مهددون من اثنين؛ نظام بشار العلماني الطائفي، وكذلك من جماعات متطرفة، فهل هذا هو الوعي وهل هذا هو الخيرية؟.
وأضاف: هناك قضية وهناك مشكلة خطيرة جدا في الذي يحدث في سوريا والعراق، ولكن الأمة حينما تعالج هذه القضية لا تعالجها وفق الفقه الإسلامي القرآني الرباني الذي نقرأ فيه النتائج والآثار لهذه التحالفات مع أعدائنا، وما الذي استفدنا من تحالفنا مع الأجنبي على مر تاريخنا؟!! وقال فضيلته: المشكلة كبيرة والقضية خطيرة جداً ولكننا نحن على ثقة، فمهما فعلوا فإن هذا الدين سينتصر رغم أنهم لا يريدون أن ينتشر هذا الدين، بسبب تشويه هؤلاء. اللعبة واضحة جدا ولكن نشكو أمرنا الى الله سبحانه وتعالى، ونسأله أن يزيل هذه الغمة عن هذه الأمة.
خير أمة
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: أراد الله لهذه الأمة أن تكون خير أمة أخرجت للناس في عقيدتها وأخلاقها وسلوكها وتعاملها مع الناس، وكذلك الخيرية لن تتحقق إلا في ظل عزتها وكرامتها واستقلالها وقدرتها على حل مشاكلها، وولاء بعضها للبعض حتى تكون جسداً واحداً، كما أراد الله والرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة.
وزاد: “حتى تكون هذه الأمة الاسلامية خير أمة أخرجت للناس بهذه الشمولية، ركّز القرآن الكريم وكذلك رسول الله العظيم صلى الله عليه وسلم على تربية هذه الأمة، على هذه العناصر، وعلى هذه الأركان التي تؤدي الى تقوية هذه الأمة، ووحدتها وقوتها وعزتها وكرامتها وسيادتها.. ومن أهم أسباب القوة والعزة والكرامة قضية الوعي والادراك للمستقبل ودراسة الوقائع دراسة حقيقية علمية تحليلية، لأن الأمة الغافلة ليست خير أمة أخرجت للناس، والأمة التي يستطيع الآخرون أن يضحكوا عليها بين الحين والآخر ليست هي الأمة التي يريدها الله ورسوله، وإنما الامة التي وصفت بالخيرية هي الأمة العاقلة الفقيهة الواعية، القادرة على تحقيق ما يريده الله لهذه الأمة من العزة والكرامة التي يجب أن تحققها بالعلم والوعي والثقة.
العلم أساس الأمة
واضاف فضيلته: ركز القرآن الكريم والتربية النبوية المشرفة على مسألة العلم والوعي والفقه، وليس حتى على مسألة العلم فقط، فنحن لدينا مصطلحات متدرجة تبدأ؛ بالمعرفة التي هي معرفة الجزئيات، وكذلك العلم الذي هو العلم الذي قد يكون ظاهرا والذي قد يكون باطناً للوصول الى الفقه والوعي، والفقه هو العلم القادر على التحليل وقراءة واقع الأمة ومآلاتها ونتائجها والتفكير فيها في ضوء هذه المآلات والنتائج وهذه الآثار، ولا يكتفى في الفقه الذي يريده الله سبحانه وتعالى الفقه بالعبادات والمعاملات الخاصة، وإنما الفقه الذي ورد في القرآن هو هذا الفقه الشامل، حينما وصف رب العالمين هذا القرآن بيّن بأنه قد نزّله لقوم يفقهون، وبيّن أن هؤلاء الذين هم منافقون أو يُعرِضون عن هذه الآيات هم لا يفقهونك “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ” ومواصفاتهم: “لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا”. “أولئكَ كالأَنعامِ بلْ هُمْ أضلُّ، أولئكَ همُ الغافِلون”!! وقال: إن هناك فرقاً بين الرؤية والبصيرة فكل من له عين يرى، ولكن ليس كل من له عين، له بصيرة، أي يبصر الحقائق، لذلك يقول الله لرسوله الكريم: “وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ” أي يرونك، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك، وهؤلاء لهم قلوب، ولكن ليس عندهم فقه “وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا” السمع المطلوب الذي يدخله في القلب ويحلله، أما سمع المنافق أو الجاهل والمنافق فهؤلاء سمعهم عند الظاهر؛ يسمعون دون تحليل ولا يفقهون.
الغفلة والإيمان
وتابع قائلا: إذا وصل الانسان الى هذه المرحلة من السطحية مع وجود كل هذه الأدوات العظيمة: “أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ” لأن الانعام لم تخلق للاستخلاف في الأرض، وليست مكلفة بالتعمير، وإنما لها وظيفة تؤديها بكل دقة وضبط، فالحيوانات والنباتات جميعاً وكل مخلوقات الله سبحانه وتعالى هم يؤدون واجبهم على أحسن الوجوه، إلا الإنس والجن وهذا اذا لم يسمع لكلام الله ولصوت العقل الحقيقي، حينئذ يصل الى هذه المرحلة كالأنعام وأولئك هم الغافلون، والغفلة تتعارض مع الإيمان الحقيقي وحينما تكون الأمة غافلة تتعارض مع خيريتها، فالأمة الخيرة لا يمكن أن تكون غافلة بل تكون عالمة واعية مدركة ومستدركة وفقيهة.. وحتى هذا العلم الذي عند غير المؤمنين كما وصفه الله في سورة الروم بأن هؤلاء لا يعلمون وحتى لو علموا يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا.
أنواع العلم
وقرر فضيلته أن هناك ثلاثة أنواع من العلم أو المعلومات يجب على المؤمن أن يكون على العلم بها: العلم بظاهر الشيء، والعلم بباطن الشيء ومآلاته ونتائجه وآثاره، ثم العلم بالآخرة حتى نعمل للآخرة كما نعمل للدنيا بل أكثر. فحينما تتوافر هذه الأنواع من العلم، هنا يكون هذا الفقه: “لتعيها أذن واعية”، وليست أذن سامعة!! فكل اذن تسمع ولكن ليست كل أذن تعي.. أما لما تكون الأمة على هذه الحالة التي وقعنا فيها منذ زمن بعيد وكذلك اليوم، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل، واختلطت الحقائق بالباطل، وتزين الباطل كأنه الحق واستطاع الإعلام المضلل أن يظهر الحق كأنه الباطل، ولذلك أصبحت يكثر في هذه الأمة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم الهرج والمرج والقتل الكثير بين المسلمين، واليوم حينما تشاهد وتقرأ خريطة العالم، فمن الذي يقتل بالآلاف بل أكثر؟ هم المسلمون! وبأيدي المسلمين! بل بالعكس حتى بعض الجماعات التي تدعي انها على العقيدة الصحيحة، ومنهج السلف اشد فتكاً وقتلاً بالمؤمنين من الكَفَرَة والصهاينة، ناهيك عما تفعله الصهاينة.