الدوحة – الراية:
دعا فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الجيش المصري إلى أن يبقى في ثكناته ولا يتدخّل في السياسة.
وقال في رسالة موجهة إليه: يا أيها الجيش الحامي.. لا يجوز لك أن تتدخّل بهذه الصورة، ودع السياسيين يُعالجون الأمور، ودعك بعيدًا، أما أن تقف بمواجهة جزء من الشعب فهذا خطر، والإنسان يكون حائرًا كيف بهؤلاء يدمّرون بيتهم بأيديهم، لذلك وجّه الاتحاد دعوة وتضرّعًا واستغاثة لحكّام العرب أن يُدركوا مصر، ولكن بعضهم يتآمر ضدّ مصر، من أجل مصلحة اقتصادية، أو كره لجماعة دون جماعة، ولكن مصر أكبر من جماعة، وأعظم، فمصر لنا جميعًا.
وأَضاف: وقال من المُحقق أنه ليس هناك جيش للمسلمين غير جيش مصر، فقد دمّر الجيش العراقي وقد وقف بعض الحكّام العرب مع الظالم في حينه، ولم يساعدوه بمنعه من الظلم، وحينما احتاجوا إلى وقفه ساعدوا المُحتلين في تدمير هذا الجيش، والآن يدمّر الجيش السوري من قبل الطاغية، فلم يبقَ في مواجهة إسرائيل إلا جيش مصر مهما كان، فلا يريدون هذا الجيش الوحيد ونحن ننفّذ ذلك بأنفسنا.
وأكّد فضيلته أن مصر ملك للعرب جميعًا والمسلمين لافتًا إلى أن مصر أكبرمن جماعة، مستنكرًا قتل أبناء الشعب المصري بعضهم بعضًا، قال: من يقتل مسلمًا كأنما يهدم الكعبة حجرًا حجرًا، لأن النفس الإنسانية أعظم عند الله حرمة من الكعبة.
وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: بعدما غُيبّت هذه الأمة من دينها وإسلامها خلال القرون الماضية، بسبب ما فعله المحتلون والمستعمرون والمثقفون الذين كانوا تابعين للفكر الغربي والاستعماري، ثم عادت قليلاً وقليلاً، إلى أن أصبح اليوم الإسلام هو الأساس المتين لبناء تلك الأمة، وهو المحرّك بفضله لأمتنا الإسلامية، وله الدور الأهم والأساسي في توجيهها، لأن الإسلام هو رسالة الحياة قال الله تعالى: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم). إضافة إلى أن الإسلام هو الحياة كلها حيث قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين).
وأوضح فضيلته أن الإسلام يعني أن أعيش ربانيًا في حركاتي وسكناتي وتصرّفاتي مع نفسي ومع غيري في المنشط وفي المكره، وأن أكون عبدًا لله بكل ما تعني هذه الكلمة، وليس في المسجد فقط وإنما في كل مكان.
وقال فضيلته :حينما ظهرت قوة الإسلام، ظهرت كذلك المؤامرات الكبيرة التي تُحاك لعدم عودة المسلمين لشريعتهم، إن المعركة اليوم هي المعركة بين المشروع الإسلامي في حقيقته وبين المشروعات الأخرى الغربية أو غير الغربية التي جربناها طوال أكثر من مئة سنة، وفشلت حتى في أمور الدنيا، وجرّب هذه المشاريع فينا كأننا في حقول التجارب، وقد أدّى ذلك إلى أن تتحوّل الأمة من أمة موحّدة إلى أمة مفرّقة ممزقة، فبدل أن يكون هناك على أقل تقدير دولة عربية واحدة يوجد 22 دولة، أي 22 سياسة، فكل دولة لها سياستها، فكيف تجمع الأمة، لذلك لم نتقدّم، أما الدول الأخرى لمّا عزمت تقدمت تقدمًا غريبًا، ونحن والحمد لله أكرمنا بموارد كثيرة ولكن نمنع أن نتقدّم، وهم يعلمون أن الأمة لو عادت إلى دينها تتحد، وإذا اتحدت ستكون لها قوة واعتبارها في أي مكان.
وأكّد أن هذه المعركة هي معركة بين المشروعين وهي ليست معركة اليوم وإنما هي معركة مئات السنين، من يوم ما جاء الصليبيون من خلال 19 حملة، والحملة الأخيرة هي حملة ثقافيّة، لأنه لا ينفع مع المسلمين – كما قال كبيرهم – الحروب المباشرة، وإنما يجب أن نبدأ بالغزو الثقافي، واليوم نحن ندفع ثمن هذا الغزو الثقافي، وإلا فكيف نفسّر هذا المشهد الغريب في مصر، والإنسان يتألم من كثرة الكراهية والحقد بين الشعب الواحد، ونسيت القضية الكبرى ونسيت إسرائيل والاحتلال، وإنما اليوم هي الكراهية الشديدة، وليس هناك عدو إلا هؤلاء عدو لهؤلاء من أبناء البلد الواحد ومسلمون، فما المصلحة في هذه المسألة؟! فهل هؤلاء القادة كما مهّدوا 48 ساعة يستطيع أن تبيد الأكثرية؟! فأين الحرية؟! وأين الديمقراطية؟! وأين كرامة الإنسان الذي هو أكرم من حرمة البيت؟!، ومن يقتل مسلمًا كأنما يهدم الكعبة حجرًا حجرًا، لأن النفس الإنسانية أعظم عند الله، والحق واضح، ويمكن أن نصل إليه بسهولة ولكن لا يريد ذلك الأعداء ونحن ننفذ ذلك بأنفسنا.
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلاً: حينما يَحلّ هذا الشهر، نجد أن الله سبحانه وتعالى ذكر في هذا الشهر ثلاثة أمور أساسية لحياة الأمة الإسلامية ولعزتها وكرامتها، أولها: القرآن الكريم، الدستور العظيم، الذي يجمع المسلمين جميعًا على كلمة التوحيد، وعلى توحيد الكلمة، وعلى مكارم الأخلاق، وعلى كل ما يُحقق لهم الخير في الدنيا والآخرة، (شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فالقرآن الكريم كتاب الهداية للناس أجمعين، لمن اهتدى بهديه، وهو يوضّح الفرق والفروق بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وبين العزة من جانب وبين الذل والمهانة من جانب آخر.
والأمر الثاني: هو شهر الانتصارات، شاء الله أن يكون هناك أكبر انتصارين في عصر الرسالة المحمديّة وفي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقعا في هذا الشهر العظيم، غزوة بدر الكبرى التي تصادف مثل هذا اليوم 17 رمضان في السنة الثانية من البعثة، ثم بعد ذلك فتح مكة المكرمة في عشرين من هذا الشهر في السنة الثامنة من البعثة النبوية.
هذان الانتصاران كلاهما في هذا الشهر، وقد توالت الانتصارات أيضًا في هذا الشهر خلال تأريخنا الإسلامي، حتى بلغت هذه الانتصارات أكثر من 85 انتصارًا عظيمًا في هذا الشهر الفضيل. والأمر الثالث الذي يخصّ هذا الشهر: فريضة الصيام، الركن الرابع من أركان الاسلام.
ورأى أن هناك ارتباطًا كبيرًا بين هذه الأمور الثلاثة، ارتباطًا كبيرًا جدًا، وهذا الارتباط يقع أولاً من خلال أن القرآن الكريم، هو دستور هذه الأمة، وهو الذي يجمع هذه الأمة، وهو الذي يرشد هذه الأمة، ويوضّح لهذه الأمة ما هو الحق وما هو الباطل، وما هو العدل وما هو الظلم، وما يريده الله لعباده من الأوامر والواجبات والفرائض والسنن، وما نهى الله عنه من الكبائر والمحرّمات والصغائر التي إذا استمرّ عليها الإنسان تتحوّل الصغيرة إلى الكبيرة.
وقد دلت التجارب على مرّ التاريخ الإنساني على أن الأمة بدون كتاب هداية يهدي، ويوضّح بين الحق والباطل، لن تكون لها قائمة، وحتى لو انتصرت لن تستمرّ كثيرًا، إلا الأمة التي لها رسالة خالدة مثل هذه الرسالة العظيمة تستمرّ عليها، تبقى بل تخلد هذه الأمة بخلود هذا القرآن الكريم إن شاء الله سبحانه وتعالى، ولذلك بقيت هذه الأمة الإسلامية بل تزداد عبر مرّ الدهور والعصور، على الرغم من المؤامرات والمشاكل التي أصابت هذه الأمة، ولو ما كان لها هذه الرسالة لفنيت هذه الأمة ولانتهت كما انتهت الأمم السابقة، وطبّق عليها ما قاله ابن خلدون من أن الأمة كالإنسان تمرّ بفترة الطفولة والشباب ثم فترة النضج والشيخوخة، ولكن هذه الأمة ربما تطبّق عليها هذه السنة بالنسبة لشعب ما، لقوم ما، أما على مستوى الأمة فتبقى هذه الأمة خالدة ما دامت متمسكة بهذا الدستور العظيم، وهذا ما دلت عليه فعلاً التجارب التي مرّت على هذه الأمة، ومع ذلك قوي عضدها وقوي ظهرها، ولم تستطع القوى المُعادية على الرغم من كثرتها أن تكسر ظهر هذه الأمة، باعتبارها أمة متمسكة بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني: مسألة الصيام لها دور في قضية الانتصارات، لأن الصيام هو نصف الصبر، والحروب والمشاكل والمصائب تحتاج إلى الصبر، بل ما الانتصارات – كما قال خبراء الحروب – إلا صبر ساعة. فالصيام يهيء الأمة أن تتحمّل الصبر، وأن تتحمّل المشاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، وتروّض الأمة على الجوع والعطش حتى تتحمّل في سبيل دينها كل ما يُمكن أن يصيبها. إن الصيام مرتبط بالتقوى وقال الله تعالى (لعلكم تتقون)، والتقوى هي الأساس في نزول الانتصارات، والتقوى هي نتيجة الصيام، وهي الإخلاص والإحسان، كما فسّره النبي صلى الله عليه وسلم (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فلذلك حينما تتحقق في نفوس الأمة، وفي نفوس المجاهدين والمقاتلين، وفي نفوس هؤلاء الذين يواجهون هذه المؤامرات، فإن التقوى تؤدّي إلى الصبر، وإلى إرضاء الله سبحانه وتعالى، وإلى عدم النزول إلى شهوات الإنسان، وشهوات البقاء والحياة والمال وغير ذلك.
وقال: إن الارتباط وثيق جيّد بين ما يريده الله تعالى من الصيام وهو التقوى، وبين هذه الانتصارات وبين القرآن الكريم، فهذه التقوى ذكرها الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية، بأنها هي التي تسبّب بفضله ومنه، حتى لنزول الملائكة، (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)، فإذًا حينما توجد التقوى لهذه الأمة تكون هذه الأمة مرتاحة، أو يكون مرتاحًا بعضها من بعض، لأن التقوى تمنعنا من الخوض في أعراض الناس، وتمنعنا من التفرّق والتمزّق، وتمنعنا من اتباع الشهوات والأهواء، وأمتنا الاسلامية على مرّ التاريخ حينما تفشل، يعود فشلها إلى الفرقة، ويعود فشلها إلى الأهواء واتباع الشهوات وعدم الصبر والتنازع فيما بينهم، وإلى التفرّق والتمزّق فيما بينهم، وحينما تكون التقوى تجمع الأمة وتجمع المسلمين جميعًا.
وقال فضيلته: حينما نرى أمتنا اليوم وقد تفرّقت بهذه الصورة، واستطاع الاستعمار أن يسيطر عليها، تعود إلى قلة التقوى عند البعض أو الأكثرية، لأن الله سبحانه وتعالى يُحاسب على الأكثرية، فإذا كان أكثرهم صالحين مُصلحين فإن الله ينزل عليهم الرحماء والبركات والانتصارات والخيرات والحسنات، وحينما تكون الأكثرية تتجه نحو غير شرع الله وتتجه نحو غير التقوى وتتجه نحو مصالحها الشخصية والحزبية والأنانية والميكافيلية حينئذ تتفرّق هذه الأمة، والأهواء والشهوات لا يمكن أن تجمعه، لأن الأهواء تكون تابعة لمصالح الشخص ومصالح الحزب أو لمصالح الأسرة أو القبيلة إلى آخرها، وهذه المصالح قد تكون مُتعارضة، وهنا تأتي المشاكل والمصائب ويستغلّ الأعداء هذا الضعف (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وهذه الأمة إذا لم تكن متمسكة بالقرآن باعتباره المرجع، ومتمسّكة بالتقوى باعتبارها الوسيلة الأساسية لتهذيب النفس ولتزكية النفس والقلب، ولرجحان العقل، حينئذ لا يمكن أن تجتمع على الهدى، وحينئذ يستغلّ الأعداء ذلك، ولم تهزم هذه الأمة على مر التاريخ بسبب القلة، وإنما هُزمت دائمًا بسبب الفرقة والأهواء، في يوم بدر كان عدد الصحابة الكرام في حدود ثلاثمئة شخص، ولم يكونوا مستعدّين للقتال، بل هم خرجوا لتأديب قريش من خلال قافلتهم، وحينما جيّش أبو جهل أكثر من 900 إلى 1000 شخص، مزوّدين بخيرة شبابهم وأسلحتهم، نصر الله سبحانه وتعالى هذه الفئة القليلة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله). ويوم حنين كان عدد المسلمين يفوق 12000 مقاتل، ولكن بينهم “الطلقاء” الذين دخلوا في الاسلام جديدًا، وفي أول مواجهة في حنين، هُزم المسلمون، إلا أن الرسول والراسخين من الصحابة الكرام الذين حوله، صمدوا، حتى نادى الرسول المهاجرين والأنصار فالتفّوا حوله ونصرهم الله، ويبيّن الله سبحانه وتعالى ذلك بأن الكثرة لن تنفعكم (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم)، هذه سنّة الله في هذه الأمة، لذلك حينما تكون الهزيمة، تكون من أنفسنا، كما قال الله سبحانه وتعالى في هذه الواقعة وواقعة أحد، فلم يستمع الرماة الذين كانوا على جبل أحد لحماية ظهور المسلمين، لم يستمعوا إلى كلام الرسول، وظنّوا أن المعركة انتهت رغم أن النبي حذّرهم من ذلك، فنزلوا لجمع الغنيمة، حينئذٍ استغلّ الأعداء والتفّوا، واستشهد من الصحابة يوم أحد حوالى 60 صحابيًا وعلى رأسهم حمزة الأسد الغالب، وبيّن الله ذلك في كتابه فقال: (قل هو من عند أنفسكم)، أي أن هذه المصيبة التي أصابت المسلمين والصحابة الكرام والرسول العظيم وحدث ما حدث، دائمًا يعود إلى أنفسنا، فمن هنا يأتي الصيام لتهذيب هذه النفس، ويأتي القرآن لبيان الطريق والصراط المستقيم حتى نسير عليه.
وأضاف قائلاً: نحن في معظم الأحيان لا نتعظ، ولا نستفيد من هذه التجارب المريرة، واليوم يُعاد المشهد بصورة أو بأخرى مع وجود هذه الصحوة المباركة في عالمنا الإسلامي، ونجاحها في معظم الدول، ولكن استطاع الاستعمار مرة أخرى أن يعود إلينا من خلال التفرّق والتمزّق، ومن خلال قلة التقوى، وعدم المرجعية إلى القرآن، لو حدث ما حدث في مصر أو في أي بلد كنا لنفرض، فليكن القرآن العظيم مرجعنا، ولنعد ولنحكّم أهل الشرع المُخلصين الذين تتفق عليه الأمة، وعلى ضوء القرآن الكريم رُفع هذا الشعار في المظاهرات في مصر، ما حدث ما حدث.