الدوحة – العرب
استنكر فضيلة الشيخ د.علي محي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما يجري في سوريا مشيداً بالشيء البسيط الذي يقدم من بعض الدول جزاهم الله خيراً ولكنها لا تفي، وقال فضيلته كل الأسلحة التي كانت متوقعة أن توجه إلى إسرائيل من الطائرات المتقدمة والدبابات المتقدمة والمدافع وحتى السفن الحربية، تستخدم ضد شعب أعزل لا يملكون إلا شيئاً بسيطاً من الأسلحة التي تحمل على الكتف، فأين الدعم وكيف يعالج هذا الوضع، وما زال القتل مستمراً وانتهاك الحرمات حدِّث ولا حرج.. ودعا في خطبة الجمعة بجامع السيدة عائشة بفريق كليب إلى أن تمارس ضغوطاً من الشعوب على الحكام للتحرك المطلوب علماً بأن هناك دولاً مثل قطر والسعودية تتحركان التحرك المطلوب، ولكن القضية أكبر بكثير من دولتين متحمستين، بل إن بعض الدول العربية نفسها لا زالت إما محايدة أو مؤيدة، ناهيك أن إحدى الدول الإسلامية تضع كل إمكانياتها البشرية والعسكرية في خدمة هذا النظام لضرب هؤلاء المدنيين، والغريب أن الدولة نفسها تساند ما يحدث في البحرين رغم أن ما يحدث في البحرين لم يواجه بالعنف ولا بالدبابة، فانظر إلى هذه التناقضات الغريبة داخل أمتنا الإسلامية والعربية بشكل خاص.
تحدث فضيلته عن مسألة الإغاثة فقال: الأموال تجمع حقاً، وجزى الله كل من يساعد، وقد اكتشفت عندما ذهب في رمضان إلى الحدود العراقية السورية فوجدت ثلاثين ألف لاجئ موجود على الحدود ولم تصل إليهم يد المساعدة إلا بعد أن خبرت الأخوة، فأخذت من مؤسسة الشيخ عيد 100 ألف دولار، ومن جمعية قطر الخيرية حوالي 150 ألف دولار، فجواهم الله خيراً، ولكن هذه المبالغ أمام ثلاثين ألف شخص فيه عجز كبير فاكتشفت أن هناك سوء توزيع وتنظيم للمساعدات فترسل إلى لبنان وتركيا والأردن، ولكنهم ماذا عن الآخرين لذلك جمعنا من أهل المنطقة من إخوانكم من أحفاد صلاح الدين رغم قلة ما بأيديهم حوالي 350 ألف دولار واستمتعت أن نعين بهم إخواننا اللاجئين.. من خلال هذا المنبر أوجه ندائي للجمعيات الخيرية بالتنظيم والتوازن في توزيع المساعدات فالآن الشتاء القارص على الأبواب، وقد تصل في المنطقة الكردية إلى 5 أو 10 تحت الصفر، وقد حاولنا نحن من خلال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شراء المدفئة والبطانيات، ولكن عملنا بسيط مقابل حجم المعانات وجزى الله خيراً أحد الإخوة في قطر لما سمع ندائنا في المؤتمر الصحافي، فاتصل بي وتبرع 200 ألف ريال، واشترينا به مصنع آلي لعمل الخبز.
وأما بالنسبة لإخواننا اللاجئين السوريين مع الأسف الشديد إلى المناطق التي تشرف عليها الحكومة العراقية، فهم في سجن كبير لا أحد يستطيع أن يدخل أو يخرج إلا بإذن، وكل شيء ممنوع، وقد أرسلنا لهم وفداً وترجينا منهم، واستطعنا أن نوزع بعض الأشياء، وعملنا على إخراج بعض من العوائل باسم العوائل العربية الموجودة في المنطقة لكفالتهم، وقد استطعنا إخراج 9000 آلاف شخص، ولا يزال فيه 10000 شخص في مثل هذه المخيمات.
ومن هنا نوجه دعوة للحكومة العراقية أن تعامل هؤلاء معاملة إنسانية كما ينبغي أن يعاملوا، فقد كانت سوريا مأوى للاجئين العراقيين، وهذا ما أردت بيانه من حجم المأساة في عالمنا الإسلامي.
الإنسان والمال
وكان فضيلته قد بدأ خطبته الأولى قائلاً: إذا نظرنا إلى أحوال الأمم المتقدمة والمتحضرة على مر التاريخ نجد أن أهم عنصر ساعد على تقدم الأمم وعلى رقيها وعلى تحقيق حضارتها هو التنظيم أي التنظيم العملي والتنظيم الإداري والتنظيم السياسي والتنظيم الاجتماعي فعملية التنظيم للموارد البشرية أي للإنسان فرداً وجماعة وحكومة وللموارد المالية كلها هذه العملية هي التي تساعد على التقدم، وهي التي تساعد على الرقي وهي التي تساعد على أن تكون للأمة قوتها واعتبارها، وأن لا تضيع الموارد البشرية والموارد المالية التي جعلها الله سبحانه وتعالى سبباً للرقي المجتمع وقيامه وسبباً للتحرك والحركة بالمجتمع وبالأمة.
فهذان العنصران الأساسيان الإنسان والمال هما أهم شيء في هذا الكون اللذان يساعدان على تحقيق السعادة والرفاهية للإنسانية جميعاً، والذي يجمع ويجعل هذا المال منظماً ومفيداً ومؤثراً، ويجعل هذا الإنسان كذلك مؤثراً ومفيداً ومحققاً للحضارة والرقي والسعادة هو التنظيم. والتنظيم هو الربط بين الإنسان وبين الموارد المالية وبين الإنسان وهذا الكون، فالتنظيم هو الأساس في عملية الرقي وعملية الاستفادة، فحتى الاستثمارات والتنظيمات الحكومية والسياسية كلها نجاحها يتحقق في التنظيم الجيد، وفشلها يعود إلى الفوضى وإلى عدم وجود التنظيم بصورته المقبولة،
ومن هنا أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة في السور المكية التي نزلت في بداية البعثة النبوية المشرفة تأمر هذه الآيات الكريمة بأن تنظم وقتها، وأن تنظم عملها وأن تنظم رؤيتها، وأن تنظم كل شيء يملكها، وتبين أنه على الرسول أن يعمل جاهداً إذا بدأ بعمل لابد أن يفرغ منه، أو أن يقسمه إلى مراحل حتى ينجز ما أراد إنجازه في الوقت المحدد، كما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة والرسول صلى الله عليه وسلم نشأ في بيئة عربية لم يكن فيها التنظيم، ولم تكن فيها القوة المنظمة، ولم تكن فيها الدولة، وإنما كانت على شكل قبائل والعشيرة، وكان أقصى شيء فيها هو التنظيم القبلي أو التنظيم العشائري، ولكن الله سبحانه وتعالى يهيئ رسوله لقيادة الأمة، فبدأ وأمر هذا الرسول بأن ينظم نفسه، وأن ينظم وقته، وأنه إذا بدأ يفرغ، وأن يضع لنفسه سلسلة من الأعمال، بحيث يخطط لها ويبرمج لها، فإذا فرغ من عمل لابد أن يعلم ما الذي يعمله في العمل الثاني والثالث والرابع،
وهذا ما بينته سورة الانشراح التي فيها دلالة أيضاً على السعادة، ودلالة كذلك على انشراح القلب بالعمل المنظم، وأن القلب يكون تعيساً مضطرباً إذا لم يكن عمل صاحبه منظماً، فيقول في هذه السورة التي تحمل هذه الصورة فيقول: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)، وكما يقول علماؤنا إذا للتحقيق أي إنك إن بدأت بعمل لابد أن تفرغ منه وبالتالي فمن ترك عملاً، فإنما يعود إما إلى سوء التنظيم بأنه لم يكن قادراً على الفراغ منه، وإنما بدأ به عشوائياً أو اعتباطاً, وأنه يا محمد لا ينبغي إلا أن تختار العمل الأفضل والأحسن، أو العمل الذي تستطيع أن تفرغ منه وأن تنجزه ثم إذا أنجزته لا بد أن يكون عندك الأعمال المنظمة الآتية المخططة والمبرمجة، فانصب أي اتجه تماماً للعمل الأول حسب فقه الأولويات الذي وضعنه لنفسك، ثم العمل الثاني ثم الثالث، فإذاً أنت عليك أن تخطط من خلال برنامج عملي، سواء كالعمل اليوم أو عمل الدعوة أو لأي عمل آخر في التعامل مع الآخرين، وهذا هو قمة التنظيم؛ لأن الفراغ من العمل ووضع الأعمال واحداً تلو الآخر لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التخطيط الدقيق والتخطيط السليم الذي هو الجزء المكمل والشرط الأساسي لنجاح التنظيم، فأي عملية تنظيمية للعمل في مجال الإدارة والموارد البشرية وكذلك أعمالنا اليومية، وليس المقصود بالتنظيم هنا تنظيم الأحزاب والتنظيمات السياسية، الإسلام يريد أن يكون الإنسان هو نفسه منظماً، وأن تكون أسرته منظمة، وأن تكون جماعته منظمة، وأن تكون دولته منظمة، ومعنى التنظيم أي إدارة الموارد البشرية والمالية على حسب المعلومات الدقيقة، وعلى حسب التخطيط السليم الاستراتيجي والمرحلي، ومن هنا بين الله سبحانه وتعالى أهمية سيدنا يوسف كيف نجى الله سبحانه وتعالى به من خلال التخطيط والتنظيم، فقال لقومه ولم يكونوا مسلمين آنذاك ولكنهم كانوا بشراً والإنسان المسلم يريد أن يقدم الحياة ويقدم الخير لكل إنسان بل لكل حيوان، بل لكل جماد؛ لأنك أنت تقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن الله سبحانه وتعالى أرسله رحمة للعالمين. فحينما فسر يوسف الرؤيا قام بالتخطيط والعمل لأربعة عشر عاماً ووعد بنجاح الخطة في سنة الخامسة عشرة مباشرة ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، أي أن الناس قد نجوا تماماً وعادوا إلى الحياة الطبيعية.
خطة سيدنا يوسف
ثم بعد ذلك طلب الموارد البشرية وطلب الموارد المالية ونجح بها، ولا يسعنا المجال لخوض الخطة التي وضعها سيدنا يوسف، وإنما نشير إليها من باب أهمية التخطيط والتنظيم والالتزام بالخطة التي يريدها الإنسان.. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الحيوانات المنظمة، بل وضع لحشرتين منظمتين سورتين عظيمتين سورة النمل وسورة النحل، وما ذلك إلا لأهمية النمل في التخطيط والتنظيم، وكذلك في الاقتصاد والتوفير، وكذلك النحل في التخطيط والتنظيم والإبداع في العمل، فأكرمهما الله سبحانه وتعالى بالوحي (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) كما أوحى الله سبحانه وتعالى إلى الأنبياء استعمل نفس الكلمة إلى النحل؛ لأنها منظمة ومرتبة، ولا تعرف الفوضى ولا تعرف أي شيء يخالف النظام وأي واحدة من النحل إذا عادت وهي ملوثة أو لم تقم بواجبها، فيحكم عليها بالرمي من المكان الذي هم فيه.
وقد سمى الله سبحانه وتعالى أحد أسمائه وصفاته العظيمة بالبديع، والبديع هو المنظم المبدع الذي نظم الكون على هذا الإبداع، ووضع كلا في مكانه، وجعل كل شيء يقوم بدوره ويسبح بحمده، أي يقوم بواجبه من الجانب الفعلي، ثم بعد ذلك يسبح الله سبحانه وتعالى بلسانه أيضاً الذي نحن لا نعلم لغتهم، ولكن الله هو الذي خلق لهم كيفية التعبير عن تسبيح الله سبحانه وتعالى، ولكن الأساس أن كل ذرة من ذرات هذا الكون تؤدي دورها بدقة وليس فيها شيء زائد، كما أنه ليس فيها شيء ناقص.
فإذا كان التنظيم بهذا الشكل في الإسلام، فإننا نرى أن سبب تخلفنا على مستوى الأمم وعلى مستوى الجماعات هو عدم وجود هذا التنظيم، وحديثي اليوم ليس في تنظيم وتخطيط الدول، ولا في الجماعات ولا في الوزارات التي فعلاً تتخبط في كثير من الأحيان تقرر شيئاً ثم تتراجع ثم تعود وتتراجع، وكم تضيع من الأموال وكم تضيع من الجهود، ولا يبنى شيء على شيء، وإنما كل شخص أو كل مسؤول في معظم البلاد يبدأ بنفسه، وكأنما الكون بدأ به ولم يبدأ به بآلاف السنين التي يعيش فيه الإنسان ويحقق التجارب الناجحة والتجارب الفاشلة.
بداية السنة الجديدة
حديثي اليوم بمناسبة بداية السنة الجديدة للدراسة والمدارس لأولادنا الأعزاء ذكوراً وإناثاً كيف ننظمهم كيف نضع لهم خطة هذا هو الواجب فإذا هو الآن في بداية السنة بدأنا بتنظيم أمورهم حسبما يريده الله سبحانه وتعالى ووضعت لهم برنامجاً متكاملاً، فقد أسعدت نفسك، وأسعدت أولادك لأن التخطيط والتنظيم سعادة، وأن الفوضى والعبث قلق واضطراب ومشاكل نفسية، بالإضافة إلى الضياع، فالعملية تبدأ من الآن أننا جميعا نبدأ بتنظيم أوقاتهم من الراحة والاستجمام واللعب واللهو المباح والدراسة والتفكير والحوار؛ لأن الأساس هو البيت، والمدرسة تعطي المفتاح، وقد التقيت ببعض الإخوة من كوريا الجنوبية وقالوا: إنهم ينظمون أوقات أولادهم بحيث لا تقل مدة الدراسة مع المدرسة عن تسع ساعات يومياً، حتى نجعلهم مبدعين وبدون ذلك لن نستطيع أن نفعل شيئاً؛ لأننا في صراع مستمر، وليس لدينا بترول نعيش عليه، وإنما نعيش على عقولنا ونعيش على أفكارنا.
كوريا الجنوبية كانت متخلفة وفي حروب، ولكن خلال ثلاثين سنة وصلت اليوم سادس دولة في عالم التقنيات والتكنولوجيا، وفي بعض الأمور التقنية تعتبر الدولة الأولى، وهي تنافس أميركا بكل جدارة في مجال وسائل التواصل والاتصالات.
وصلت كوريا إلى القمة بهذه الجدية، وبهذا التنظيم، وبهذا العمل علما أن مصر كانت تصنع سيارات نصر، ولكن بسبب سوء التنظيم والفساد اندثر هذا التصنيع وكوريا الذي بدأ بعد مصر بعشرات السنين سبقت مصر علما أن نهضة مصر بدأت في أيام محمد علي باشا على الرغم ما كان عليه من بعض الأمور، ولكنه بدأ بنهضة فاستطاع أن يجمع معظم الصناعات داخل مصر حينما لم يكن هناك يابان ولا كوريا، ولكنهم تقدموا بالإصرار على التنظيم والإصرار على التخطيط والتخطيط والتنظيم يبدأ من البيت والفوضى أيضاً تبدأ من البيت، فإذا ربينا أولادنا على الفوضى وعلى الرفاهية والدلال فلن يصبحوا أبداً لا مبدعين ولا منظمين، وإنما يصبحون اتكاليين ويتفننون في إيذاء الناس من خلال اللعب بالسيارات وإهلاك السيارات بالصورة التي تشاهدونه، وقد يؤدي ذلك إلى انتحار بعضهم؛ لأن هذا العمل في الأساس عمل غير شرعي.
أولادك أمانة في أعناقكم وليست هذه في مجال الصلاة فقط، الإسلام ليس كجرد الأمر بالصلاة ومع أهمية الصلاة والجمعة والجماعة ومع ذلك يجب أن نجعلهم منتجين، وأن نجعلهم بإذن الله تعالى مبدعين، وهذا إنما يتم من خلال تنظيم وقتهم وجلوسنا معهم، ومن خلال إرشادهم ونحميهم من كثرة استخدام الأجهزة التقنية الحديثة والإنترنت للألعاب فقط، وعلينا أن نحدد لهم ساعات اللعب، وهذه مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.