ترؤس الجهال الضلال
وهذا ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يرويه الإمام البخاري ومسلم بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)، وهؤلاء الرؤوس الجهال، في الفقه العميق وعلم أصول الفقه والمقاصد، لهم قدرة على تضليل هؤلاء الشباب باستعمال إثارة العواطف الجياشة لدى الشباب من خلال تضخيم دور هؤلاء الرؤوس وأهميتهم وإسقاط بقية العلماء في أعين الشباب وتشويه الصراعات والتوتر الدائم والإعجاب بهؤلاء الرؤوس الضالة للوصول إلى التقليد الأعمى وتعطيل العقل.
– الفقر والبطالة، والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، حيث إن لهذه الأمور دوراً يستغله أصحاب الفكر المنحرف لزرع الكراهية، ولكسب الشباب المحتاج.
وأما الأسباب الخارجية للانحراف الفكري (أي خارج جماعة المتطرفين) فتعود إلى ما يأتي:
1 ـ غربة الإسلام في ديار الإسلام، حيث يرى المسلم في دار الإسلام أن الفساد يستشري والباطل يتبجح، والعلمانيين يبوحون بكل ما يريدون، والخمر تشرب، والفواحش ترتكب جهاراً، والأفلام الداعرة تنشر، والمسرحيات والتمثيلات تنال من الإسلام، ناهيك عن استعراضها للفساد والمتبرجات.
ويرى المسلم أن معظم الدول بنص دستورها على الإسلام، في حين لا يطبق شرع الله في معظم مجالات الحياة، بل تقنن قوانين تبيح ما حرمه الله من الخمور والزنا ونحوها، ومن جانب آخر يرى أن معظم الحكام لا يولون عنايتهم الخالصة بقضايا الأمة، بل خائضون في ملذاتهم ولهوهم في حين أن الشعوب المسلمة في محن ومصائب ومشاكل وفي فقر ….؛ كما يرى الظلم الاجتماعي على أشده، وأن استغلال المناصب للإثراء بدون سبب مشروع، فاللصوص الكبار يتمتعون بالحرية والتكريم واللصوص الصغار قد يتعرضون للعقاب.
فالشاب المسلم الملتزم حينما يرى هذا التناقض الغريب إذا لم يكن لديه الفقه المكين يتجه نحو التشدد وتكفير المجتمع.
2 ـ الهجوم العلني على الإسلام، وإعلان الحرب ضده دون عناية من معظم الحكام بهذه الهجمات الخطيرة.
3 ـ مصادرة حرية الدعوة وعدم إفساح المجال للدعوة والدعاة، حيث إن الحديد لا يفله إلاّ الحديد، فلو كان هناك مجال للدعوات الإسلامية المعتدلة كان بوسعها إقناع الشباب بالمنهج الوسطي المعتدل.
4 ـ الكيان الصهيوني واحتلال قبلة المسلمين الأولى، من أهم أسباب الانحراف الفكري، فالتطرف والعنف والإرهاب وجود العدو الصهيوني على الأراضي الفلسطينية العربية المسلمة، وعبثه فيها من تقتيل وتشريد دون رعاية لهذه الأمة، ولا احترام لأي قرار للأمم المتحدة، ومع ذلك يقف معهم العالم الغربي وبالأخص أميركا، وأن معظم الدول العربية والإسلامية تقف بين متفرج، ومتعاون ومتآمر وبين عاجز.
يعود الصراع الحاد داخل العالم الإسلامي إلى الاتيان باليهود وزرعهم في فلسطين، ثم احتلالهم لها باسم الدين، حيث تعتقد اليهود أن فلسطين كلها أرض الميعاد هي أرضهم المقدسة وأن هجرتهم إليها تعبير عن إرادة الله، معتمدين على التلمود الذي يعتبر فلسطين نقطة الارتكاز للسيطرة على العالم، لأنها هي قطب العالم الذي يجب أن تقوم فيه الدولة العبرية، واستطاعت الصهيونية العالمية من خلال مؤتمراتها وبالأخص مؤتمر بازل في عام 1897م أن تستغل العاطفة الدينية الكامنة لدى اليهود وتسخيرها لخدمة مطامعها السياسية الاستعمارية حتى أصبحت أرض الميعاد من أهم أسس الصهيونية ومقوماتها، وتمسكت بالوعود التوراتية لأرض الميعاد وحدودها والتوسع فيها، حيث يقول بن غوريون في الكتاب السنوي لعام 1951: ( الآن فقط وبعد سبعين سنة من كفاح الرواد استطعنا أن نصل إلى أول استقلالنا في جزء من وطننا العزيز). لم يكتف بذلك بل دعا إلى التوسع معتمداً على نصّ من التوراة يخبرهم بأن (كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم)، وقال ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: (لا يزال هناك عشرون ألف كيلو متر من فلسطين القديمة لم نضع أيدينا عليها حتى الآن)، وقد فسر إيريك رولو، المحرر السياسي لصحيفة اللوموند الفرنسية في عدد صادر قبيل عدوان حزيران 1967 (قول أشكول بأنه يقصد أن جزءاً من العراق وسوريا، وكافة الضفة الغربية وشرق الأردن هي أجزاء فلسطين القديمة التي يحلم أشكول أن يضع يده عليها).;