حذر فضيلة الشيخ د. علي محي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مما قد يؤدي إلى نشوب حرب بالمنطقة وقارن فضيلته في خطبة الجمعة بجامع عائشة رضي الله عنها بين ما يحدث الآن وبين ما نقلته لنا سورة الحجرات.
وأشار إلى انه في سورة آل عمران قال رب العالمين عما يريده الأعداء لنا “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ” وقد فسر المفسرون جميعا كلمة كافرين هنا، أي متفرقين، لأن هذا هو المقصود، لأن هذا حدث حينما أراد اليهود بث الفرقة بين الأوس والخزرج، فكاد أن يقتتلا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “أبدعوة الجاهلية تدعون وأنا بين أظهركم” فنزل قوله سبحانه وتعالى. أما في سورة الحجرات بين الله سبحانه وتعالى بأن الامة الاسلامية والحكام المسلمين ليس لهم أن يسمعوا للفسقة، فما بالك بالكافر، الفاسق هو مسلم فلا يجوز أن نسمع منه فيقول تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” لا تسمعوا لهؤلاء، ولا تسمعوا لأمريكا، وأقولها بصراحة هؤلاء لا يحموننا، وإنما يحمون مصالحهم، وهذا لا يعني أن الطرف الآخر على الصحيح، لا هو مخطئ، ولكننا نحن علينا أن نحمي مصالحنا، وأن ندرس بكل دقة ما هي مصالحنا، أن نتعامل مع امريكا بمصالحنا وهذا جائز ولكن لا يجوز أن يستغلوننا لحسابهم.
وقال فضيلته ان الفاسق المذكور في الاية كان صحابيا ولكن كان اسلامه ضعيفا، فذهب الى بني مصطلق، وهم قبيلة عربية كبيرة، ولما رجع الى الرسول أخبره بأنهم كادوا أن يقتلوه، وهم الان يجهزون جيشا لغزو المدينة. فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل خالد وأمره بالتثبت، فالتثبت من الله والعجلة من الشيطان، ولا يجوز لك أن تَقدِم الا بعد التثبت، فذهب ووجد أذان الفجر، ولم يجد أي أثر للتجيش، فالتقى بهم وعاد الى الرسول ونزل قول الله سبحانه وتعالى. والمشكلة اساساً كانت هناك حساسية قبلية بين هذا الصحابي وبين بني مصطلق، فما بالك بأمريكا وبريطانيا، وهم كما يصفهم جارودي بالدودة الطفيلية تعيش على ثرواتنا، تعيش على دودة أخرى وتأكل منها، فكما أخذوا ثرواتنا، وبنوا عليها حضارتهم، ونحن الامة الاسلامية عندنا 650 مليون شخص تحت خط الفقر، نموت بالجوع، وهم يعيشون كما يعيشون، والازمة الموجودة عندهم لا تعالج الا بأموالنا، ومن هنا بدأت امريكا بالتعافي، لأنهم باعوا خلال هذا الشهر ما يعادل 80 مليار دولار فقط من الطائرات. “فتصبحوا على ما فعلتم نادمين” وكم نندم على ما حدث للعراق، ما حدث في العراق جريمة، ومع الاسف الشديد سُلّم العراق تماما الى ما تعرفون، والان أصبح دمارا وتدميرا.
“واعلموا أن فيكم رسول الله” واليوم فينا الاسلام والسنة، هذا الذي يرشدنا، ثم بعد ذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بأمرين، نحن غافلون عنهما، الأمر الاول: تقوية مؤسسات المجتمع المدني وهم الدعاة، والحمد لله، نحن في هذه الدولة نستطيع ان نقول ما لا يستطيع الاخرون في دولهم، حتى في دولة خليجية الخطبة تكتب، وكذلك مؤسسات الامر بالمعروف ومؤسسات حقوق الانسان والصحافة الحرة وهذه حماية للدولة، والامر الثاني أن يكون هناك جيش للأمة الاسلامية جيش لمنظمة التعاون الاسلامي وجيش للجامعة العربية “..ما الذي قدمته الجامعة العربية للشعب السوري ؟ هل منعوا القتل؟ بل ازداد عدد القتلى! لم يكن هناك قصف، واليوم فيه قصف. والمراقبون، حتى لو كتبوا بالعدل، وبعضهم ما كتب بالعدل، بل كتبوا بالزور، وحتى لو كتبوا ما الذي ينفع؟ لابد ان للأمة اذا ارادت أن تبقى مستقلة لابد ان يكون لها جيش ولها قوة، وحتى لو ذهبت الان قوة من الجيش العربي، كما في الاقتراح المبارك، يجب ان تكون قوية لتفصل بين الطرفين، ويا ليت أن يكون هناك جيش عربي واسلامي ليذهب ويمنع ويصلح.
الصلح الصلح
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا:اذا نظرنا الى قرآننا الكريم، والى السنة النبوية المشرفة، لوجدنا أنهما يولّيان عناية قصوى للصلح على جميع المستويات، على مستوى الافراد، على مستوى الاسر، على مستوى القبائل والعشائر والشعوب، حتى أصبح الصلح شعار الاسلام والمسلمين، ردده الانبياء والمرسلون على مر تاريخ الرسالات، كما عبر عن ذلك القرآن الكريم على لسان سيدنا شعيب فقال “إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ” فقد حصر رسالته، ورسالة الانبياء، في الاصلاح بين الناس، على جميع المستويات، حتى يعيش العالم، بل حتى يعيش الفرد مع الاخر، والاسرة داخل الاسرة، والمنطقة بين أهلها، والقبائل والعشائر فيما بينها، حتى يعيشوا جميعا في وئام وفي محبة وتسامح وتعاطف كما يريد الله سبحانه وتعالى لهذه الامة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بأنهم أخوة ” إنما المؤمنون أخوة” والأخوة تقتضي التسامح، والاخوة تقتضي الصلح، لأن الانسان لا يخلو من نقص، لا يخلو من خطأ، لا يخلو من غضب فيخطئ مع الآخر، فليس هناك مجال الا الصلح العاجل قبل ان يستفحل الأمر، لأنه كما يقال”معظم النار من مستصغر الشرر”، حتى داخل الاسرة قد تحدث مشكلة بسيطة بين الزوج والزوجة فلا تعالج فتكبر، فتصل – لا سامح الله – الى الطلاق والفراق، والمشاكل بين العائلتين، وترك الاولاد ضائعين بالاضافة الى ما يحدث بين الأسرتين أو العشيرتين من مشاكل، كل ذلك لسبب بسيط كان يمكن معالجته من قبل.
تحذير من الفتنة
وتابع:أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلح الدائم فقال “والصلح خير” بهذه الجملة الإسمية الشاملة، بكل ما تعني هذه الكلمة، ومما يعني بأن الانسان المسلم يجب أن يكون يقظا متدبرا مستوعبا لكل كلمة يقولها، فقد يقول الانسان كلمة بسيطة لا يلقي لها بالا، فتؤدي الى احداث فتنة بينه وبين الاخر، وربما إحداث فتنة بين أسرة أو عشيرة أو قوم أو شعب كل على حسبه، فقد تكون كلمات بعض رؤساء تؤدي الى مشكلة كبيرة بين هذه الدولة او ذاك وتحدث مشاكل لا قبل لنا بها.
هذا هو منهج الاسلام بأن المسلم مصلح، ولا يجوز الا ان يكون مصلحا “لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ”، فلذلك ليس هناك خير إلا في هذه الامور، إما ان يكون الانسان يقوم بالصدقة والخير والاحسان، حينئذ يكسب ود الناس، ويتحقق التعايش والتسامح. أو يأمر بالمعروف وبالخير، فهذا جانب أساسي للأمة، وهو يحمي الامة كذلك من الانهيار، حينما يكون هناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أو إصلاح بين الناس حينما تقع المشكلة، وهذا التسلسل غريب وطبيعي جدا في هذه الاية، فالصدقة هي الاصل، فتكون العلاقة بين المسلمين قائمة على الاحسان، قائمة على المحبة، قائمة على الخير، بأن هذا أخوك وأنت أخوه لذلك المطلوب منك أن تحسن إليه، فالصدقة كما فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بها المال فقط، انما الكلمة الطيبة صدقة، تبسمك في وجه أخيك صدقة، زيارتك صدقة، إعادتك للمريض صدقة، سؤالك عنهم صدقة، تعاونك معهم صدقة، فمفهوم الصدقة واسعة جدا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر حينما عيّن وحدد سلام الانسان، أنه يصل الى حوالى 360 سلامة، أي مفصل، وكل مفصل عليه صدقة، الصدقة أنواع شتى، فدائرة الصدقة هي الاساس، فإذا لم تعمل بالصدقة، فأنت حينئذ تعمل بالأمر، فتلاحظ فتجد بين فلان وعلان – لا سامح الله – بينهما سوء تفاهم ،فتصلح بينهما، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ثم بعد ذلك -لا سامح الله- اذا لم تكن هناك صدقة، أو لم تنفع الصدقة، ولم يكن هناك أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، أو أن الأمر بالمعروف لم يحقق الغرض المنشود، ووقعت مفسدة، هنا يجب عليك أن تقوم بالاصلاح بين الناس.
هذا هو المجتمع الاسلامي الصحيح، إذا سرنا عليه، وبدون ذلك تكون المشاكل والمصائب والتفرق والتمزق كما نشاهد في أمتنا الاسلامية اليوم.
الإصلاح شعارا
وتحدث فضيلته عن الاصلاح فقال: جعل الله سبحانه وتعالى هذا الشعار من أعظم الشعائر الاسلامية، التي رفعها الانبياء والمرسلون عليهم السلام من سيدنا آدم الى سيدنا رسول الله صلى الله عيه وسلم خاتم الانبياء وخاتم المرسلين. .وهذا الاصلاح بين الافراد، ولا سيما بين الأسر، ولاسيما بين الأسرتين، أو بين الزوج وزوجه، حيث قال الله سبحانه وتعالى ” إن يريدا إصلاحا ” أي يجب أن يكون هناك حكمان من الأسر، من الأقارب، من المجتمع، من أهل الفضل والخير والاصلاح، لابد أن يتدخلوا، وقبل أن تستفحل الامور، وهذان الحكمان سواء كانوا من الاقارب أو من الجيران أو من العلماء أو الخبراء أو من المجتمع.” يوفق الله بينهما” وهكذا اذاً أهمية الامور، من خلال الأسر تعالج بهذه الطريقة المحكمة، بحيث لا تترك المجالات بأن تبقى هذه الخلافات الزوجية دائرة كما نراها لعشر سنوات أو أكثر، فلا يجب أن تبقى هذه الصراعات، ولا بد أن تحسم، وأن يجلس الرجل مع زوجته يحسمان المسألة ،وإذا لم يستطيعا يستمدان ويستعينان بالآخرين، حتى تحل المشكلة، وهكذا الأمر بين شخص وآخر، وبين قبيلة وأخرى، وبين دولة وأخرى، ولكن الإسلام أولى عناية ايضا بإلاضافة الى هذه العناية بالأفراد، أولى عناية داخل المجتمع الاسلامي شعوبها وقبائلها واليوم بين دولها.
الحرب كارثة
وحذر فضيلته من الحرب بقوله :هذه مشكلة كبيرة جدا، ولابد أن نكون صرحاء فيها، سواء كان على مستوى الدول، او على مستوى الشعوب، فلو حدث اليوم حرب -لا سمح الله – لا تكون مثل الحرب العراقية الايرانية، أو احتلال العراق، وإنما تكون كارثة عظيمة، لأن هذه المنطقة هي عبارة عن منطقة كلها بترول وكلها مصانع وغاز، فلو -لا سمح الله- صارت المشكلة، سيكون الخاسر فيه نحن بالكثير. فلذلك يجب على العقلاء من الطرفين ان يقوموا، لماذا أمريكا ترسل رسالة الى المرشد العام خامنئي ولماذا العرب لا يرسلون؟ لماذا هم يهتمون بأمورهم ولا يهتم العرب ولا المسلمون بأمورهم؟ هم يدورون مع مصالحهم فعلينا نحن ان ندور كذلك مع عقيدتنا ومع مصالحنا، وأن نحمي مصالحنا، وأن لا نجعل هذه المنطقة، منطقة الصراع لتصفى مشاكل ايرانية وأمريكية على حسابنا ونحن الذين نخسر. أنا أعتقد لو وصلت هذه الاصوات الى أي حاكم من هؤلاء، بأن لا نساعد الاعداء في تبرير عدوانهم، وفي إثارة هؤلاء، فهذا ليس صحيحا، الصحيح هو انه ولو اختلفنا طائفيا او في أي شيء، فنحن عندنا غطاء وهو الاسلام، عندنا غطاء القبلة الواحدة مهما كنا، وعندنا مصالح مشتركة، واذا وصلت الرسالة من عند دول الخليج بصورة حقيقية الى ايران، لا بد أن تستجيب، واذا لم تستجب فهي ستتحمل المسؤولية. المهم ان تكون السياسة الخليجية سياسة مستقلة نابعة من روح دينها ومن روح مصالحها.
مسؤولية إيران
ورأى أن القضية في غاية الخطورة، وربما ايران تتحمل مسؤولية كبيرة من خلال إثارتها، لكنها مع ذلك يجب علينا جميعا علماء وخبراء وحكام وشعوب أن نبحث جميعا للإصلاح، وأن نجعل المعركة الدائرة في مسألة الذرية، هذا لا يهمنا ،إسرائيل عندها قنبلة ذرية فليكن لإيران ايضا فرضا قنبلة ذرية، المشكلة بين اسرائيل وأمريكا وايران فلا نجعل نحن انفسنا طرفا في هذه المسألة. هذه المسألة لابد أن تحل بهذه الطريقة، وإلا سوف تكون كارثة، وقد قرأت بعض الوثائق، ذكر فيها انهم “ان استطعنا أن نضرب السنة بالشيعة سوف تستمر الحروب لمئة سنة”، فترتاح اسرائيل وتتفرج علينا مئة سنة، ويستشهدون بذلك بما حدث في تاريخنا الاسلامي، حينما كان هناك خلافة سنية في بغداد ودولة عبيدية في مصر وفي تونس والمغرب والجزائر، وحينئذ لما انشق العالم الاسلامي أتى الصليبيون، وأخذوا القدس الشريف لتسعين سنة، وبعض مناطق الشام لمئتي سنة،الى أن جاء صلاح الدين، وأول ما فكر فيه صلاح الدين هو توحيد الامة، فمن التوحيد الى التحرير، فوحد الامة واعاد مصر وتونس والجزائر الى الامة السلامية الواحدة، وحينئذ اشتغل على التوحيد 20 سنة واشتغل على الحرب سنتين، وهزم الصليبين شر هزيمة في معركة حطين، وأعيد القدس الى الاسلام والمسلمين.
هذا ما يبنون عليه وهذا ما يراهنون عليه، ويجب علينا أن نكون عند هذا الوعي، وأسأل الله أن يحمي هذه المنطقة فمنطقة الخليج هي التي تمد العالم بالخير، فلو ذهبت إلى آسيا أو إلى أفريقيا، إلا والخيرات تأتي من الخليج الى هؤلاء الفقراء والمساكين. وحتى هذا الصرع سيكون منعاً للدعوة وفائدة للتنصير في هذه الدول الفقيرة.