صحيفة العرب القطرية
11/08/2010
سنحاول الإجابة في هذه السلسلة من المقالات عن السؤال المثار: هل يوجد شيء اسمه الاقتصاد الإسلامي علماً ونظرية وسلوكاً؟
•ونتحدث عن النظام الاقتصادي الإسلامي وفلسفته والخصائص العامة للاقتصاد الإسلامي ومصادر الاقتصاد الإسلامي
ومنهجية البحث والاستنباط لبيان الاقتصاد الإسلامي
المبحث الأول: معالم الاقتصاد الإسلامي:
يمكن أن نعبر عن هذا المبحث بهذا السؤال المثار: هل في الإسلام علم اقتصاد؟ ونظام اقتصادي؟ ونظرية اقتصادية، وفلسفة اقتصادية، وحل للمشكلة الاقتصادية؟
هناك من ليس لديهم إدراك بالشريعة الإسلامية أو عمق في الفقه الإسلامي يكون جوابهم بالنفي، وبهذه السهولة غمطوا حق الإسلام، وحق فقهائه العظام الذين كتبوا عن هذه الجوانب، وبالأخص النظام المالي، ونسوا، أو تناسوا أن هذا الدين جعل أحد أركانه الزكاة التي هي نظام مالي لإعادة التوزيع؟! كما أنهم تجاهلوا أنه كانت للإسلام دولة دامت أكثر من 1300 سنة، وأنها دخلت الحرب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مع مانعي الزكاة لأجل حقوق الفقراء، حيث قال الصديق رضي الله عنه: (والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها).
يقول الأستاذ الدكتور عيسى عبده: (يقول بعض البسطاء إن الاقتصاد الإسلامي علم مستورد، ولا عهد للمسلمين به إلاّ نقلاً عن الغرب… وهذا الغرب قد نقل عن الإغريق.. ومن ثم غرق الكثير من بلاد المسلمين في بحر لجيّ من ضلالات الرأسمالية وبغيها…. واصطبغت المعاملات بالكثير من صبغة الغرب، وقد كان مستعمراً جائراً، وإنه لا يزال… ثم ظهرت كذلك الاشتراكيات بمختلف صورها، وأسهمت أجهزة عديدة في تثبيت هذه المذاهب في أرض المسلمين… حتى استسلم الكثيرون لها….).
ثم يقول مجيباً: (يبحث علم الاقتصاد في كسب المعاش، وإشباع الحاجات والادخار، والاستثمار وفي ملكية الأشياء، وفي الإنفاق والاستهلاك…)
(فإذا كان الإسلام قد خلا من وضع القواعد لكل ما تقدم ذكره… فهل يكون شرعاً كاملاً؟ وإذا كان الإسلام برسالته الخالدة… قد أهمل النظر في مقومات الحياة الدنيا، وترك هذا الأمر لمماليك القرن التاسع عشر ومن جاء في إثرهم…. فهل يكون هذا الشرع كاملاً؟).
وبما أن هذا الدين كامل، وأن هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وخالدة، فيكون جواب المسلم هو أن الإسلام قد عالج موضوعات الاقتصاد، كما عالج بقية الموضوعات، لأنه دين كامل فقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً).
ولكن هذا الكمال لا يعني أنه قد نزل نص من الكتاب والسنة في كل حادثة قديمة وجديدة بل يعني أنه أنزل النصوص للثوابت، ووضع المبادئ العامة والقواعد الكلية التي تحل كل المشاكل والمستجدات في ظلها.
يقول الإمام الرازي في تفسير الآية السابقة: (إنه تعالى لما جعل الوقائع قسمين: أحدهما التي نص على أحكامها، والقسم الثاني أنواع يمكن استنباط الحكم فيها بواسطة قيامها على القسم الأول، أنه تعالى لما أمر بالقياس (الاجتهاد) وتعبد المكلفين به كان ذلك في الحقيقة بياناً لكل الأحكام، وإذا كان كذلك كان ذلك إكمالاً للدين).
ولذلك يكون جوابنا على هذه الأسئلة على ضوء ما ذكرناه من تعريف علماء الاقتصاد الوضعي لهذه المصطلحات، وما ذكروه من مهمات ومحتويات لها من خلال التركيز هنا على إثبات علم الاقتصاد الإسلامي، ثم الحديث عن النظام الاقتصادي الإسلامي، والنظريات الاقتصادية الإسلامية المتميزة حتى يتضح الأمر أكثر.