الدوحة:21 رمضان 1432هـ
الموافق:21/08/2011م
تهنئة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لثوار ليبيا
بإحراز التقدم في ساحة الحرب في الشهر الفضيل
وتوصياته لهم في التعامل مع المتحاربين وعند النصر المبين
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونصلي ونسلم على الرحمة المهداة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينتهز هذه الفرصة التاريخية التي يحرز فيها الثوار الليبيين تقدما في ساحات الحرب ووصولهم إلى العاصمة (طرابلس) داعيا الله تعالى أن يحقق لهم النصر المبين بأقرب فرصة، وأن يمكّنهم في ليبيا، ويمكّن بهم شريعة الإسلام العظيمة السمحة الرحمة التي بعثها الله للعالمين.
والاتحاد إذ يهنئ الثوار بإحراز هذا النصر المبارك ليتوجه إليهم بالتوصيات الآتية:
أولاً: يدعو الاتحاد الثوار في ليبيا إلى الالتزام الكامل بأخلاقيات الحرب في الإسلام وقيمه السامية في التعامل مع المخالفين، وخُلُق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع الأسرى، والمستضعفين، وكذلك الالتزام بتلك الأخلاق العالية لدى الخلفاء الراشدين في حالات الحرب، ووصاياهم، وبخاصة أخلاق سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أثناء حربه مع مخالفيه من الخوارج وغيرهم.
ومن أهم هذه الوصايا ما يأتي:
1 – عدم جواز قتل من لم يحارب مثل النساء والأطفال وكبار السن والصبيان، ونحوهم ممن لم يشاركوا في القتال فقال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]. وروى أبو داود بسنده أن رسول الله قال: “لا تقتلوا فانياً ولا طفلاً صغيراً”، وروى أحمد بسنده عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: “اخرجوا بسم الله… ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع”، وجاء في وصية أبي بكر ليزيد بن آبي سفيان: (إنك ستجد قوماً حبسوا أنفسهم لله تعالى فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له). وروى ابن ماجه بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً” أي أجيراً.
2 – عدم الإقدام على قتل الوالدين وذوي الأرحام المحاربين إلاّ في حالة الضرورة وذلك للأدلة المعتبرة، أما الوالدان فلقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15].
3- عدم التحريق والاغراق وقطع الأشجار ونحوها إلاّ إذا اقتضتها ضرورة الحرب، أو يترتب على ذلك الإقلال من إراقة الدماء.
4- عدم استعمال أسلحة الدمار الشامل التي يترتب عليها أضرار بغير المقاتلين من النساء والأطفال والحيوانات والأجيال اللاحقة، حيث الأدلة الشـرعية على عدم جواز ذلك متضافرة من الكتاب والسنة.
وقد نص بعض الفقهاء منهم المالكية على عدم جواز استعمال السمّ على الأعداء.
5- عدم قتل الحيوانات، وقد كانت وصية أبي بكر لمن يرسلهم إلى القتال: (لا تعقرن شاةً ولا بعيراً إلاّ لمأكله).
6- عدم الاضرار بالبيئة بقدر الإمكان من عدم قطع الشجر ونحوه إلاّ إذا اقتضته ظروف الحرب، حيث جاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه: (لا تحرقن شجراً، ولا تقطعن شجراً مثمراً).
7- عدم جواز قتل الأسرى، حيث لا يجوز للثائر أن يقوم بقتل أي أسير من المتحاربين حتى ولو كان مجرم حرب، وإنما يسلمه لقيادته حتى يحاكم محاكمة عادلة، إياكم ثم إياكم الاستهانة بالقتل والتساهل فيه، فلا يزال المسلم في فسحة في دينه إلا أن يرتكب قتل نفس بدون حق.
8- عدم جواز أخذ مال سواء كان عاما، أو خاصا، فهذا من الغش والغلول وأكل أموال الناس بالباطل، وإن أموال المحارب المقتلوب المسلم لا تعتبر غنيمة وإنما ترد على ورثته، أما الأموال العامة للدولة أو مؤسساتها فيجب الحفاظ عليها أيضا، وأما الأسلحة والذخائر الحربية التي غنمها الثائر فيجب عليه تسليمها فورا إلى مؤسسات الثورة(المجلس الانتقالي ومؤسساته).
فلا يجوز للثائر المسلم أن يأخذ في هذه الحرب شيئا من الأموال العامة أو الخاصة، ولا تُطبق على الحالة الليبية قواعد الحرب بين المسلمين والكفار، وإنما تطبق المبادئ العامة والقواعد والأحكام الخاصة بقتال البغاة التي أصلها الخليفة علي بن أبي طالب والمجتهدون من بعده.
ثانياً: وعند تحقق النصر المبين يوصي الاتحاد الثوار والمسؤولين عنهم بما يأتي:
1- استحضار التقوى والخشية من الله تعالى، واستذكار خلق الرسول صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة من العفو والتسامح والتراحم والتواضع، وقوله المشهور: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” إلا مع مجرمي الحرب الذين يسلّمون إلى المحاكم ليحاكموا محاكمة عادلة.
2- التهيئة من الآن لكيفية الحكم وإدارة البلاد وتشكيل فرق الأمن لتحقيق الأمن والاستقرار فورا وعدم ترك الأمور للفوضى.
3- الحفاظ على الجيش والشرطة، وإصدار عفو عام عنهم من الآن يشمل الجميع ما عدا مجرمي الحرب، حتى لا يحدث ما حدث في العراق من الفوضى والاضطراب.
4- التركيز على الحفاظ على الأموال العامة والخاصة وذلك بإصدار أوامر صارمة تقضي بعدم جواز القيام بالإتلاف والإضرار حتى عند المواجهة إلا بمقدار الضرورة التي تقدر بقدرها، فلا يجوز تدمير مبنى، أو معسكر لمجرد أن فيه مقاومة، وإنما يجب عليهم الحفاظ على إبقائه سليما بقدر الإمكان.
ثالثاً: يوصي الاتحاد بإلحاح أن يقوم المجلس الانتقالي باستكمال مشروعات القوانين والأنظمة والقرارات والخطط والبرامج الخاصة بإدارة الحكم وتحقيق الأمن والاستقرار لتكون جاهزة للتطبيق الشامل على المناطق المحررة، بل تطبق من الآن على المناطق المحررة، حتى لا تنتشر الفوضى، وتستغل من قبل الأعداء.
رابعاً: يوصي الاتحاد المجلس الانتقالي والمسؤولين والثوار والشعب الليبي أن يحافظوا على مقاصد ثورتهم في إقامة الحكم الرشيد القائم على هوية هذه الأمة (الإسلام) الذي يتيح الحرية للجميع، ويحقق الديمقراطية الحقيقية في جانبها العملي من الفصل بين السلطات، وحرية الشعب في اختيار ممثليه بكل شفافية على أساس العدل والشورى والمساواة.
والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعلمائه وخبرائه جاهز لما يكلف به لخدمة الشعب الليبي، {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105]
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أ.د. علي القره داغي أ.د. يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد