د. علي القره داغي صحيفة العرب القطرية 19/08/2010 إن الدولة في الإسلام لها دورها في الاقتصاد، ولكن دورها ليس دوراًَ قائماً على التدخل المباشر، ومنع الحرية الاقتصادية، وتملك وسائل الإنتاج كلها، ومنع الملكية الفردية، كما هو الحال في النظام الشيوعي، كما أنها ليست معزولة عن التخطيط، ولا تاركة الحبل للملكية الفردية كما هو الحال في النظام الرأسمالي الحرّ، وإنما دورها إشرافي، ورقابي، وتوجيهي، وتشجيعي، وتخطيطي يستهدف تحقيق أغراض محددة، وهي تحقيق التوازن، والتوزيع العادل، وتوجيه الموارد لتشغيلها بصورة أفضل وأمثل، وعدم تجاوز أحكام الشريعة فيما يخص المال، وذلك من خلال ما يأتي:
1 – توفير المناخ الأمني، والتشريعي لتشجيع الإنتاج وتوظيف عناصره، وذلك يقتضي أن تبذل الدولة أقصى جهدها لتوفير الأمن والأمان للمجتمع، لأن رأس المال جبان فلا يتجه نحو الأماكن المضطربة، وكذلك توفير التشريعات اللازمة لحماية رأس المال، وترتيب البيئة الصالحة لتحقيق الأرباح المناسبة، بل عليها أن تضمن كجهة ثالثة رأس المال المستثمر إذا اقتضى الأمر، حتى يشيع الأمن الاقتصادي، ويدخل في ذلك توفير المناخ القانوني الآمن لحماية الحقوق، وعدم الاعتساف في فرض الضرائب، وإعطاء الضمانات الكافية لعدم الاضطراب القانوني وتنازع القوانين.
وعلى الدولة كذلك توفير ما يسمى في الوقت الحاضر بالبنية التحتية للمشروعات الاقتصادية من الطرق والمواصلات والاتصالات والخدمات المطلوبة، ولذلك كان الخليفة عمر رضي الله عنه يعتبر نفسه مسؤولاً أمام الله تعالى إذا لم يقم بتهيئة الطرق والشوارع في أنحاء العالم الإسلامي، حتى لو عثرت دابة بسبب سوء الطريق لسئل عمر عنها.
2 – توجيه الاقتصاد نحو التوازن المطلوب، وذلك من خلال العناية أولاً بضروريات المجتمع والدولة، وحاجياتهما، ثم الكماليات والمحسنات، أو على الأقل أن لا تطغى الكماليات على الضروريات والحاجيات، وأن لا تكون السلع الاستهلاكية على حساب السلع الإنتاجية، وأن يكون تشجيع الدولة نحو الادخار بعيداً عن التبذير والإسراف، بل عليها أن تكون هي أيضاً قدوة في الإنفاق المقتصد، وعدم استنزاف ثروات البلاد، بل عليها التفكير في مستقبل الأجيال، كما فعل عمر رضي الله عنه حيث طلب منه توزيع الأراضي المفتوحة على الفاتحين فرفضه، وقال: ما يكون للذين يأتون بعدنا، واستشهد في ذلك بآيات سورة الحشر التي تحدثت عن الفيء بأنها تكون للمهاجرين، والأنصار (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) فأقره الصحابة على ذلك، فمثلاً لا ينبغي للدولة الإسلامية أن تستنزف طاقات البترول المخزون، والغاز ونحوهما من الموارد الخام في أراضيها خلال فترة زمنية محددة، ثم تصبح الأجيال اللاحقة محرومة من هذا الخير، فعليها الاقتصاد في ذلك مع وضع صندوق للأجيال اللاحقة تودع فيه نسبة من حصيلة البترول ونحوه، وتستثمر استثماراً مهنياً شبه مضمون.
ومن أهم أنواع التوازن المطلوب من الدولة تحقيقه هو التوازن بين الصناعة والزراعة والتجارة، ومختلف الأعمال. 3 – الإشراف على المعايير والمقاييس والموازين ومواصفات السلع المنضبطة وسياسات الأجور ونحوها.
وقد كان نظام الحسبة الذي ظهر مع الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بهذا الدور. ويمكن أن يطور نظام الحسبة ليصبح جهازاً يشمل الجانب المالي والصحي والمعياري. 4 – منع الغش والاحتكار:
ومما يرتبط بالدولة حماية السوق من الغشاشين، والمحتكرين الذين يضرون بالمجتمع، وعن السلع والبضائع المحرمة والمغشوشة والمسروقة، ومحاربة جشع التجار الجشعين من خلال تسعير عادل.
5 – تدخل الدولة في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص من خلال توزيع عادل للدخل والثروة، سواء كان بأساليب مباشرة من خلال فرض ضرائب جديدة تصرف في المصالح العامة، وتحقيق الضمان الاجتماعي، أم غير مباشرة مثل الزكاة والأوقاف والوصايا، والنفقات والكفارات ونحوها، حيث يكون لذلك وبالأخص الزكاة دور عظيم في توزيع الثروة، وحماية رأس المال البشري من الفقر والعوز والبطالة.
6 – تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير تمام الكفاية حسب اصطلاح الفقهاء، لكل من يعيش على أرض الإسلام، وذلك من خلال جباية الزكاة والعشور، وفرض حقوق أخرى على المال -إن اقتضى الأمر- حتى يتحقق العيش الكريم للجميع.