الراية – الدوحة
استنكر فضيلة د.علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رؤية بعض الشباب المغلوطة للإيمان، منتقدًا سلوكيات اتخذها شباب مستعدون لتفجير أنفسهم، نتيجة التغرير بهم. وأبدى أسفه من عدم الاستجابة لدعوة الانضمام إلى قافلة الدعوة في إفريقيا، مشيرًا إلى أن عدد المستجيبين لها أقل من عدد الأصابع.
وتحدّث فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب عن المضطهدين المُشردين من ديارهم ولا سيما في سوريا، الذين مرّت أربع سنوات على محنتهم، مبينًا أنه أكبر مأساة، وذكر أن ما فعله نظام بشار الأسد بالسوريين والسوريات لم تفعله الصهاينة خلال خمسين سنة بالشعب الفلسطيني، لافتًا إلى أن عدد القتلى السوريين تجاوز 300 ألف شخص، بالإضافة لتدمير آلاف البيوت والمساجد وتشريد 9 ملايين سوري في الداخل والخارج وقتل آلاف داخل السجون وانتهاك أعراض المئات وموت الكثير بسبب البرد. ونصح بالدعاء للأشقاء السوريين المنكوبين، معتبرًا الدعاء أقل ما نقوم به تجاههم.
الحشد الشعبي الطائفي
وعرّج د.القره داغي على أحوال السُنة في العراق فذكر أنهم يُطردون ويُقتلون من الطرفين: داعش والحشد الشعبي الطائفي وعصائب أهل الباطل، الذين يقتلون ويبيدون إخواننا أهل السنة، وقال: حتى الآن هناك أكثر من مليوني شخص من أهل السنة وغيرها موجودون في منطقة صغيرة وهي إقليم كردستان ومن دون أي معونة إلا قليل من المساعدات التي ترسلها قطر والأمم المتحدة.
وتحدّث عن الوضع في غزة العزة، مشيرًا إلى مرور عام على العدوان الإسرائيلي ولم تصلهم المعونات لبناء ما دمره الصهاينة، مشيدًا بما أرسلته قطر جزاها الله خيرًا.
وأشار إلى ما يحدث في مصر قائلاً: إخواننا في مصر يعذبون ويقتلون ويسجنون والمحاكم تصدر أحكامًا ظالمة حتى على البنات الصغار، بتهمة المشاركة في المظاهرات وإبداء الرأي وهو حق مشروع.
سورة العصر حجة على الخلق
وعلق في الخطبة على سورة العصر، قائلاً: هذه السورة العظيمة التي قال فيها الإمام الشافعي رحمه الله: “لو ما أنزل الله تعالى حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم”، مستشهدًا بقول الإمام ابن القيم رحمه الله في تفسير كلام الشافعي أنه يتضمن أمرًا مهمًا هو أن هذا الدين يقوم على أربع مراتب أساسيّة أولاً: معرفة الحق. وثانيًا: العمل بالحق. وثالثًا: تعلم الحق وتعليمه. ورابعًا: الصبر على الإيمان وعلى العمل وعلى التعلم وعلى التعليم.
احترام الوقت
وذكر أن هذه المراتب الأربع توجد في سورة العصر فقوله سبحانه وتعالى (إلا الذين آمنوا) أي عرفوا الحق، و “عملوا الصالحات” قاموا بكل أعمال الصالحات، “وتواصوا بالحق” أي أنهم تعلموا وعلّموا الناس الحق، “وتواصوا بالصبر” أي الصبر على الإيمان ومقتضياته، والصبر على العمل وكذلك الصبر على التعلم والصبر على التعليم.
وأوضح أن القسم بـ (والعصر). فيه احترام الوقت في بداية الطريق وأول المنهج ثم السير على هذا الطريق والأمر الثاني هو: الإيمان بالله تعالى، وبكتبه، وملائكته، ورسله وما أمر الله به، وما نهى الله عنه، أي الإيمان بكل ما أنزل الله.
شعب الإيمان
وذكر فضيلته أن الإيمان كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” وذلك يعني أن الإيمان يشمل كل الجوانب الإيجابية، ويربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وهو مفجّر الطاقات، وهو الذي يجعل الإنسان لا يحسّ بالتعب ولا بالألم، لأنه يأمل أن ينال رضاء الله سبحانه وتعالى، وهو مستعد أن يضحي بنفسه في سبيل الله.
وأشار الشيخ القره داغي إلى خلل أصاب الأمة، حيث نجد القوة موجودة في بعض الميادين وبدون ضوابط، ولا نجدها في ميادين أخرى ليتحقق التوازن.
وضرب مثلاً على ذلك ببعض الشباب المستعدّين لتفجير أنفسهم، وهم في معظمهم طيّبون ولكن غرّر بهم، ولم يوضح لهم أحد المنهج الصحيح المعتدل، وذكر أنه في المقابل تمّت دعوة الشباب لأن ينضموا إلى قافلة الدعوة في إفريقيا وفي أماكن أخرى فلم يستجب أحد إلا أفراد أقل من عدد الأصابع، وقال: رغم قلة العدد إلا أن آثاره بالغة.
السلوكيات الجميلة
وأكد فضيلته أن هناك ارتباطًا بين أمرين: هما أن الإيمان يجب أن يكون مرتبطًا بالعمل الصالح – ومرتبطًا بالسلوكيات الجميلة وبالرحمة، حيث ربط الله بين تمكين الأمة في الأرض وبين الرحمة (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).
وذكر أن الشرط الأساسي أن يكون الإنسان عبدًا لله وليس عبدًا لأهوائه وعواطفه، فمجرد العاطفة بإقامة الدولة الإسلامية لا يغني من الجوع، لذلك لم يدع الرسول ولم يطالب بالدولة في مكة المكرمة وإنما دعا إلى الصلاة والتربية. أما في المدينة فأقام دولة الإسلام على الرحمة، فهذا المُنافق يقول للرسول صلى الله عليه وسلم إنكم الأذل ويسمي نفسه بالأعز ولا يقتله الرسول حتى لا يُقال إن محمدًا يقتل أصحابه.
وأوضح أن سورة العصر توجهنا نحو الزمن ثم إلى الإيمان الشامل القائم على الأخلاقيات والسلوك ومن ثم على العمل الصالح الذي لا يُخالف شرع الله أولاً ثم يكون العمل صالحًا لوقته صالحًا للأمة صالحًا للفرد.
وبيّن أن كلمة الصالح هنا تشمل عدّة عناصر أساسيّة منها أن يكون العمل متقنًا، مؤكدًا أن تفوقنا على غيرنا لا يكون بالعمل العادي، ولا بالعمل الحسن وإنما بالعمل الأحسن والمُتقن في كل المجالات والعلوم، وهذا ما بيّنه القرآن الكريم في 20 آية منها (لنبلوكم أيكم أحسن عملاً) اي أفضل عملاً والعمل هنا نكرة أي عمل اليوم غير عمل الغد والأحسن اليوم غير أحسن الغد.
وأوضح القره داغي أن الأمر الرابع في سورة العصر نفهمه من خلال (وتواصوا بالحق): أي الإحساس بالمسؤولية، عن النفس والأهل وعن المجتمع جميعًا، وقال إن أي كافر يموت ولا تصل إليه الدعوة فكلنا مقصّرون في عدم إسلامه، مقصرون في إيصال الواجب بل أوصلناه مشوهًا وبطريقة غير صحيحة.. فقد ذكر لي أحد الدعاة في أمريكا بأنه وفّق في إسلام سجين خطير حسب ما صنفوه وكان رجلاً ضخمًا وأفرج عنه بعد أن حسنت تصرّفاته وغاب عني لفترة ثم عاد وهو يعاتبني بشدّة على أننا لا نقوم بواجب الدعوة وعلى عدم إيصال الدعوة إليه مبكرًا حتى يستطيع إيصال الدعوة إلى أمه قبل وفاتها، ويُحمّلني مسؤولية وفاة أمها على دينها قبل أن يفرج عنه رغم أنه استطاع أن يسلم على يديه والده وإخوانه.
العلماء والدعاة
وعلق على كلمة (تواصوا) فقال إنها جملة فعليّة والجملة الفعلية تدل على التجدّد وأن التوصية تكون في كل لحظة وفي كل يوم ثم أنها فعل ماضٍ ومتحقق فيجب أن يتحقق وإلا لن يتحقق الإيمان الحقيقي ثم إنه واجب الجميع وليس واجب العلماء فقط وكل حسب قدرته (وبلغوا عني ولو بآية).
وذكر أن الدعوة فريضة على جميع المسلمين ولكن الفرق بين العلماء والدعاة أن الدعاة يدعون ولكن لا يفتون، أما العلماء الفقهاء المُتخصصون هؤلاء فهم الذين يفتون فما عدا الفتوى فالدعوة واجب على الجميع فردًا وجماعة.. وكلمة “الحق” يشمل الإسلام، ويشمل العدل، وحق الإنسان وكرامته، وكل ما هو حق.. ثم جاءت كلمة “وتواصوا” بصيغة المشاركة لباب التفاعل وهذه الصيغة تدل على المساواة أي أن توصيتي لك مثل توصيتك لي فلا فرق بين كبير وصغير في التوصية وليس هناك شخص أكبر من أن ينصح وأن يوصيه أو يوصى عليه وليس هناك شخص أصغر من أن يوصي (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم) فالجميع ينصحون والجميع يتواصون.. والأمر الخامس أن تتحوّل الأمة إلى حركة دافئة منقذة غير قابلة للظلم والباطل وإنهاك الحرمات بل يتواصون بالحق.