صحيفة العرب القطرية
20/08/2010
تقوم رؤية (فلسفة) الاقتصاد الإسلامي على الأسس الآتية:
أولاً: إن ملكية وسائل الإنتاج بما فيها الإنسان لله تعالى، فالكل مخلوق لله تعالى وحده، ومملوك له ملكية مطلقة، وملكية القدرة على التصرف المطلق، فالكون كله بموارده الطبيعية وطاقاته ملك لله تعالى.

وهذه الرؤية يترتب عليها عدة آثار ونتائج في غاية من الأهمية، ومن أهمها:

1 – توحيد الله تعالى في خلق الكون وملكه، وبالتالي يجب على الإنسان أن يرجع الأمر كله إلى الله تعالى مع العمل الجاد البناء، ومن هنا ارتبط الاقتصاد الإسلامي بالعقيدة.

2 – عدم استعلاء إنسان على آخر، وعدم الطغيان، والافتخار بالمال واعتباره سبباً للاستكبار، كما فعل ذلك قارون فقال: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي».

3 – المساواة، والأخوة الإنسانية، حيث إنه ما دام الخالق واحداً لجميع بني البشر، وإنهم مخلوقون، ومملوكون لرب واحد، فإنهم سواسية كأسنان المشط، وبالتالي يجب عليهم التعاون لتحقيق أخوة إنسانية.

4 – الإحساس بالراحة عند أداء حقوق المال للمستحقين، لأن في ذلك أجراً، وقرباً من المالك الحقيقي، فقال تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً»، وبالتالي فلا منّ ولا إيذاء ولا تفاخر، لأنه يؤدي من مال الله، في حين أن الكافر لا يعطي لأجل الآخرة فقال تعالى: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ».

ثانياً: إن الله تعالى الخالق المالك قد خلق هذا الكون للإنسان، وسخره له، لذلك أذن له بالتصرف فيه، وفي موارده وطاقاته، وفي سمائه وفضائه، وهذا يترتب عليه أمران:

1 – إتاحة الفرصة للجميع دون تفرقة، وذلك من عدل الله تعالى.

2 – إن درجات التفاوت في التسخير والتمكين والرفاهية تعود إلى من يأخذ بسنن القوة والنصر، والتسخير والتمكين أكثر من غيره، من حيث العلم والعمل والقدرة على فك رموز الكون.

ثالثاً: إن الهدف والغاية والحكمة من خلق الإنسان هو: تحقيق العبودية لله تعالى بمعناها الشامل لكل عمل صالح يراد به تعمير الكون على ضوء منهج الله فقال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، أي أن مقاصد خلقه في نظر الإسلام هي: أن يكون عبداً صالحاً لله تعالى، ومصلحاً ونافعاً غير مفسد ولا ضار.

رابعاً: إن رسالة هذا الإنسان المخلوق على أحسن تقويم، الذي خلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، هي الاستخلاف والاستعمار (أي تعمير الكون)، فقال تعالى: «……إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وقال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»،

ويترتب على هذه الرؤية أو الفلسفة ما يأتي:

1 – وجوب تعمير الكون من خلال الأخذ بجميع السنن والوسائل العلمية والعملية والتقنية لتحقيق هذه الرسالة، وهذا الهدف.

2 – رفض الرهبنة وتقشفها، والزهد الذي يصل إلى عدم العمل والإنتاج، وأن الزهد في نظر الإسلام إنما يصح إذا كان متعلقاً بالقلب والقناعة مع تشغيل الأعضاء بالعمل، ولذلك أمرنا الله تعالى بالانتشار في الأرض بعد الصلاة مباشرة، فقال تعالى: «فإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ…»، بل قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ليست الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال وإضاعة المال، ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله تعالى أوثق منك بما في يديك».

3 – وإن الإسلام يحث الناس على غنى النفس، والبدن، وإن الحياة الكريمة تعني حياة تتوافر فيها المتطلبات المادية أيضاً، وأن الكفاية والأمن مقومان أساسيان للحياة الكريمة، ولذلك أمر الله تعالى بالأمن الاقتصادي والأمن السياسي والاجتماعي، فقال: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»، وأن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- قال: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، ولذلك حرم الله تعالى تحريم الطيبات، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ».