) قال الداعية علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأحد أبرز المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي، إن الدولة في ظل الاقتصاد الإسلامي مطالبة “بالرشد الاقتصادي” وهو مسار وسطي بين الرأسمالية والشيوعية لجهة النظر إلى دورها، مضيفا إن الثوابت التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي هي حق، في حين أن آراء العلماء تحتمل الصواب والخطأ.
مواقف القره داغي، الذي يشغل مناصب عديدة بينها نائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث، جاءت في مداخلة له اطلعت عليها CNN بالعربية ضمن “ندوة البركة” للاقتصاد الإسلامي في جدة، وتناول فيها البحث الذي قدمه خبير المصرفية الإسلامية الشيخ عبدالستار أبوغدة حول دور الدولة الاقتصادي وفق التأصيل الإسلامي.
وقال القره داغي إن النشاط الاقتصادي يشمل ما يسمى عند الاقتصاديين بـ”الأنشطة الخمسة” وهي الإنتاج، والاستهلاك، والتداول، والتوزيع، وإعادة التوزيع، واستطرد بالقول: “ولكن تبين لي منذ أكثر من عقد أن هذه الأنشطة هي مدار الاقتصاد الوضعي، ولكن الاقتصاد الإسلامي لا يبدأ في نشاطه بالإنتاج، وإنما هناك نشاط آخر يسبقه.. وهو الوعاء والمحضن له، وهو التملك، إذ أن الشريعة تفرض علينا أن يكون إنتاجنا في شيء مشروع.”
وقدم القره داغي مقارنة تاريخية لدور الدولة، فقال إن الفكر الرأسمالي قام على أساس الاقتصاد الحر وعلى أن يكون دور الدولة حيادياً غير فاعل، وحقق نجاحات اقتصادية، وقدرة على الابتكار، لكنه أصابته أزمات كبيرة أدت إلى حدوث تغييرات جذرية في أسسه من الرأسمالية الحرة إلى المقيدة.
وتابع القره داغي بالقول إن النظام الرأسمالي “اهتزت أركان بالأزمة الأخيرة، فلم يستطع جهاز السعر (قانون العرض والطلب) تحقيق توازن في الأسواق، وكفاءة الانتاج في كثير من الحالات.”
أما في حالة الفكر الشيوعي، فلفت القره داغي إلى أن الدولة كانت تقبض على جميع مفاصل الاقتصاد وأنشطته وتدير مؤسسات الاقتصاد، كما كان يحصل في الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن سقوط الاتحاد كشف مشاكل ذلك النظام لجهة منع الملكية الفردية والحرية التنافسية.
وانتقل القره داغي بعد ذلك للحديث عن دور الدولة في ظل الشريعة الإسلامية قائلا: “الدولة في ظل الاقتصاد الإسلامي مطالبة بالرشد الاقتصادي القائم على التوازن والتكامل، فقد رأينا أن الأفكار الاقتصادية أصبحت مثل الأغصان اللينة تعبث بها الرياح يميناً، وشمالاً، شرقاً وغرباً، فمرة يُدان تدخل الدولة، ومرة يُقدس، وهذا هو الفرق بين الأفكار البشرية التي تنبثق من الواقع، وتتأثر بالمتغيرات، وبين المبادئ الكلية والأحكام القطعية المنزلة من عند الله تعالى.”
واستطرد القره داغي بالقول: “لا أقول: إن كل ما يقوله الاقتصاديون الإسلاميون هو حق ومعبر عن الاقتصاد الإسلامي، لأن معظمه اجتهادات قابلة للخطأ والصواب، وإنما أقول إن المبادئ العامة والقيم والقواعد الكلية الخاصة بالاقتصاد في الإسلام هي الثوابت، وهي تقوم على مبدأ الرشد والرشادة القائم على التوازن، والتكامل بين دور الدولة والأفراد والمجتمع، وبين التدخل المجحف، والتسيب القاتل.”
وعلق القره داغي على ما ذكره أبوغدة حول قضية الخصخصة وموقف الشريعة الإسلامية منها واعتبار أن الدولة لا يمكنها ممارسة التجارة بنجاح فقال: “كنا نريد أن يناقش الباحث آراء المؤيدين والمانعين لتتضح الصورة بشكل أفضل. وفي رأيي أن الخصخصة لا ينبغي أن تشمل الخدمات العامة، والقضايا المرتبطة بتوفير السلع والخدمات الضرورية، مثل الماء والكهرباء، ونحوهما.”
وحول ما ذكره أبوغدة عن دور الدولة في القطاع المالي قال القره داغي: “كنت أود أن يفصل فيه القول وبخاصة وهو خبير كبير في المصارف الإسلامية.. كما أنه لا يخفى عليه أن المصارف المركزية – على الرغم من جهودها التي تشكر عليها – لكنها لم تهيئ إلى الآن البيئة المتكاملة للمؤسسات المالية الإسلامية.