الدوحة – العرب
رأى فضيلة الشيخ د.علي محيي الدين القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنه رغم كل الاعتداءات فإن الإسلام ينتشر, ولكن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه, ففي كل يوم يسلم ويدخل فيه الكثيرون, وتتحول النقمة إلى نعمة, حتى هذه الهجمات تدفع الناس للقراءة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فتجعلهم يدخلون في دين الله أفواجا. هذا الدين سيصل إلى كل العالم بعز عزيز أو بذل ذليل, هكذا إرادة الله, وهكذا نرى الدين ينتشر, ولكن ليكن لنا شرف المشاركة فيها كما قال أحد كبار العلماء للسلطان ألب أرسلان: يا سلطان إن قافلة الدعوة والجهاد تسير فليكن لك شرف المشاركة فيها. وتحدث فضيلته مجددا عن الجرائم المؤذية التي لا يقبلها الإنسان والتي لا يمكن أن تحدث إلا في أيام المغول والتتر, فما يحدث في سوريا في الشام من قتل وتدمير وانتهاك الأعراض وانتهاك الحرمات بالطائرات والدبابات والأسلحة المدمرة التي اشتريت بأموال الشعب توجه اليوم لتدمير الشعب بالكامل, وقد تحدثت عنه أخيرا واعترفت به المنظمات الدولية, ولكن ما زالت الإرادة العربية ليست على المستوى المطلوب, فكل إرادة الدول العربية لا تساوي إرادة دولة واحدة تدعم هذا النظام الفاجر بكل قوتها, وأتمنى أن تصل الأمة الإسلامية كلها في الإرادة إلى هذه الدولة الواحدة. وكل هذه الدول التي لم تقم بواجبها مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى, فلا يجوز أن نترك شعبا يقتل بهذا الشكل. وكذلك إخواننا في بورما فهم أيضاً يضطهدون ويقتلون، ولا نجد من يحرك ساكنا, وكذلك إخوانكم في الجماعة الإسلامية في بنجلاديش يحاكم قادتهم كلهم بجرائم لا أساس لها وهم بريئون منها فيعاملون بأسوأ معاملة, وقد يصل الأمر إلى الإعدام لأنهم إسلاميون فقط.
ثقافتنا وثقافتهم
وكان فضيلته قد بدأ خطبته قائلا: هناك فروق كثيرة جدا بين ثقافتنا الإسلامية التي يربى عليها المسلمون منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم, من حبهم الكثير الذي يويد علي حب الفرد لنفسه للرسول عليهم السلام, وبخاصة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين, والذي وصفه الله سبحانه وتعالى وشهد له بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). هذه الثقافة الإسلامية الإنسانية التي تحترم الجميع ولا تريد أن تؤذي أحداً أبداً من العالمين مهما كانت دياناتهم, ومهما كانت عقائدهم باطلة, حتى ولو كانوا من عباد البقر فليس من شأن الإسلام الاستهزاء بهم ولا السخرية, وإنما شأن الإسلام الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدعوة بالحكمة والبصيرة. في حين أن الثقافة الغربية اليوم التي نشأ عليها الغربيون هي ثقافة التمرد على الله سبحانه وتعالى بكل ما تعني هذه الكلمة, وهي ثقافة أخذوها من القصص والخرافات, ثقافة مبنية على الصراع بين الإنسان وبين الخالق الرؤوف الرحيم, وهذا أمر بعيد عن العقل جداً, هذه الثقافة الغربية التي تقوم على التمرد على الله وتقوم على السخرية والاستهزاء بغير المادة، تختلف تماما عن الثقافة التي ندين بها, والتي تؤمن بها جميع الأديان السماوية الحقة، لذا لا يكون بعيداً أن تكون هناك صراعات على مستوى هاتين الثقافتين المختلفتين.
تربية على الحق
وأضاف قائلا: ومن جانب التربية فإن الإسلام يأمرنا أن نربي أبناءنا على الخلق العظيم وعلى المعاملة بالإحسان, بل معاملة السيئة بالحسنة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) بينما التربية الغربية قائمة على تفضيل هذا العنصر الغربي, أو الدماء ذات اللون الأزرق إن صح التعبير على بقية الدماء, رغم أن لون الدماء لا يختلف عقلا وشرعاً. ومن هنا ليس بعيدا بين حين وآخر أن تثار هذه المشاكل بين المسلمين, وليست جديدة, ولكنها اليوم جديدة من حيث الأسلوب, جديدة من حيث وسائل العرض, لأن العالم اليوم قرية صغيرة, يعلم الإنسان من خلال وسائل الإعلام الحديثة معظم ما يحدث في العالم ولاسيَّما التي تنشر من خلال ثوان معدودات.
إيجابية الانتصار للرسول
نحن المسلمين نسمع هذه الإساءات بين الحين والآخر من الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم, ولكن اليوم حينما جاءت قلة قليلة هجينة ومشينة قامت بهذا العمل الإجرامي أثارت العالم الإسلامي, وحق له أن يثور لنبي أحب إليهم من أبنائهم وأموالهم ومن روحهم وقلوبهم. ولكن الرسول نفسه الذي نثور له أمرنا وطبقه على نفسه بأن يكون رد الفعل دائما فعلا إيجابيا, وألا تقابل الخطيئة بالخطيئة, والجريمة بالجريمة, بل إن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم هو ادفع بالتي هي أحسن (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فكان من مواصفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب القديمة وفي القرآن الكريم أن حلمه يغلب غضبه, وبينما كان الرسول عليه الصلاة والسلام جالسا بين أصحابه إذا برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنه وهو من علماء اليهود, دخل على الرسول عليه الصلاة والسلام واخترق صفوف أصحابه, حتى أتى النبي عليه السلام وجذبه من مجامع ثوبه وشده شداً عنيفاً. وقال له بغلظة: وفّي ما عليك من الدين يا محمد, إنكم بني هاشم قوم تماطلون في أداء الديون. وكان الرسول عليه السلام قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد, فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهز سيفه وقال: ائذن لي بضرب عنقه يا رسول الله, فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء) فقال اليهودي: والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك دينا, إنما جئت لأختبر أخلاقك. فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد, ولكني قرأت جميع أوصافك في التوراة فرأيتها كلها متحققة فيك إلا صفة واحدة لم أجربها معك, وهي أنك حليم عند الغضب, وأن شدة الجهالة لا تزيدك إلا حلماً, ولقد رأيتها اليوم فيك فأشهد ألا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله. وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين.
اذهبوا فأنتم الطلقاء
وقال فضيلته: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس, كم آذوه في مكة المكرمة, وكم عذبوه وجوعوه وحاصروه وأرادوا قتله وفعلوا ما فعلوا, ومع ذلك لما عاد إلى مكة فاتحا وهو ساجد غير مستكبر قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. هذا منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل, وهذه الأمة يجب أن تقتدي برسول الله صلى اله عليه وسلم, لأن من أهم شروط قبول العبادة أن تكون عبادتنا وفق منهج الله, وأن تكون خالصة لله وليس للأهواء والعواطف, وحبنا للرسول, وثورتنا له ضد الأعداء عبادة, والعبادة يجب أن تسير وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفق منهج الإسلام, وبعيدة عن الأهواء والشهوات والعواطف التي قال سلفنا الصالح: إنها مثل العواصف تعصف بالإيمان وتعصف بالقيم والأخلاق.
قتل السفراء
وعلق على ما جرى بقوله: فما حدث من قتل بعض السفراء والاعتداء على بعض الأماكن وإحراق السيارات العامة أو الخاصة, كل ذلك بعيد عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولو كان ذلك في عصر رسول الله لمنعنا منعا باتا, ولعاقب من يعتدي على أموال الآخرين حتى ولو كان على أموال الكفرة, لأن الأموال مصونة, ولاسيَّما إذا دخلوا بأمان, وإنه الأمان يعطى ويسعى بذمتهم أدناهم فما بالك بالحكومات والدول, فالرسل لا يقتلون, والرسول حمى رسل مسيلمة مع أنهم كانوا مرتدين إلى أن وصلوا إلى منطقتهم، بالإضافة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا شيئا يسمى فقه المآلات يسمى سد الذرائع, وفقه المآلات أي أننا ننظر في مآلات أفعالنا ما الذي يترتب على أفعالنا, وما نتائج أعمالنا، وسد الذرائع أي أن نسد كل وسيلة وإن كانت مباحة ما دامت تترتب عليها مشكلة أو حرمة أو أمر محرم, فيجب أن تسد هذه الذرائع, ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم المنافقين علما يقينيا, وكان يعلم أن بعضهم ارتدوا عن الإسلام تماما وأنهم يكيدون للإسلام والمسلمين, ولأن لهم علاقة مع الروم, وبنوا مسجد الضرار على أساس هذه العلاقة, ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم رغم طلب بعض أصحابه ذلك, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم معلما أمته فقه المآلات وسد الذرائع: كلا حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه. أي الخوف من تشويه سمعة الإسلام وهذا من باب المآلات السيئة للفعل, فمنع فعلا مشروعا وعقوبة مشروعة من الناحية الشرعية.
حملات الصليبيين
وذكر من التاريخ: منذ 1200 سنة بدأ الصليبيون حملاتهم وليست العسكرية فقط كما فعلوها في الشام والأندلس, بل حملات فكرية وغزو ثقافي وترجموا القرآن ترجمة مشوهة ونشروها ونسخوها, فقط من أجل أن يبرهنوا أن الإسلام دين الإرهاب والقوة, ولا يعرف الوعود والعقود, فترجموا الله بالقيصر الظالم, أي أن المسلمين يثنون على الظلمة, وعندما يوصف الرب بالرحمن الرحيم ترجموها إلى شديد العقاب, وأنه متكبر جبار, فيصفون الله بأوصاف ليست للإله الذي نحن نعبده. وبعدها بدأ المستشرقون بتشويه صورة الإسلام وتشويه سنة المصطفى لنشر إسلاموفوبيا منذ عهدهم, ولذا فنحن المسلمين حينما نقوم بأي تصرف يظهر أمام هذا التلفاز العالمي الغوغائية, فتصور ولو بمكان بسيط على أن الإسلام دين إرهاب.
الإسلام والأخلاق
وأكد فضيلته على أن الإسلام انتشر بالأخلاق وبالقيم, ولذلك لم يصف رب العالمين الرسول بأنه الفاتح الأعظم أو المنتصر أو القوي أو المجاهد الأكبر, إنما قال بهذا القسم العظيم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وجاءت الجملة جوابا للقسم, أي في قمة التأكيد, وليس في اللغة العربية من تأكيد بالقسم ولفظ “إن”, وكذلك لام التوكيد, واستخدام “على” بدلا من “في”, كل ذلك يدل على أنك يا محمد صلى الله عليه وسلم مسيطر ومهيمن, على خلق عظيم, وأن الخلق العظيم جزء أساسي من فطرتك التي تقوده.
اليوم لا بد أن يكون ردنا على هؤلاء بالفعل والأخلاق والقيم وبصفات الرسول وشمائله, ولكن مع الأسف ليس عندنا مع كل إمكاناتنا العددية والمالية قناة فضائية أو موقع إلكتروني كبير، باللغات الخمس الأساسية تنشر وتدافع عن الإسلام, وحتى الكتب قليلة جداً بهذه اللغات. وكنا قد حاولنا أن نعمل على نشر صفات الرسول لثلاثين لغة من خلال “إسلام أون لاين” لكن مع تغيير الإدارة لم نعرف ماذا قدموا حتى الآن. فهل نشرنا ما يكفي عن رسول الله والدفاع عنه من خلال الكتب المترجمة الصحيحة بأموالنا أو أموال البترول؟ لماذا لا تصرف ملايين بل مليارات من أجل الدفاع عن رسولنا وسمعته وسمعة أمته؟
وقف للإسلام
واختتم قائلا: نحن سعينا من خلال الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لجمع التبرعات لعمل وقف فلم نجمع إلا مبالغ بسيطة, أما المسيحية في اجتماع واحد للقسيس في كولورادوا في سنة 1988 جمعوا الأغنياء وفي يوم واحد جمعوا مليار دولار لأن عدد المسلمين آنذاك مليار شخص, فقالوا يجب أن نجمع مقابل كل مسلم دولارا لنحوله عن دينه, وجمعوا ذلك من خلال جمعيات تابعة لهم. فالمظاهرات لا تكفي, ولا ندخل الجنة فقط بها, وإنما ندخل الجنة بالإيمان والعمل المنظم وخدمة القرآن الكريم. الله سبحانه عندما استهزئ به قال له (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي أظهر دينك وبلغ رسالتك, وهذا هو المطلوب أن تبلغ الرسالة عن طريق الإنترنت والتلفاز والأفلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم, وعن شمائله, بصورة مكثفة وبشكل مستمر من دون انقطاع… نحن في الاتحاد أرسلنا رسالة إلى الأمين العام في الأمم المتحدة, وطالبنا فيها بإصدار قرار بمنع ازدراء الأديان السماوية, ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي يمثل أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم, كما تمنع الازدراء بالهولوكوست. فيجب علينا التحرك الصحيح, وإلا فسيعاتبنا الرسول صلى الله عليه وسلم, وإلا لا سامح الله قد يقول ردوا هؤلاء لأنهم لم يقوموا بواجبهم نحوي.