منهج الإسلام بإيجاز في تحقيق التنمية، والقضاء على الفقر والبطالة ودور الزكاة فيه
التعريف بالتنمية، والفقر والبطالة :
1- التنمية :
التنمية لغة ، مصدر نمَّى الشيءَ ، أو الحديثَ تنمية : أنماه ، وأصله من نما الشيء نماءً ونمواً : زاد وكثر ، يقال : نما الزرع ، ونما المال ، أي زاد وكثر .
واصطلاحاً : لم يرد لفظ " التنمية " في القرآن الكريم ، ولكن وردت ألفاظ تحقق الهدف المقصود منها ، قوله تعالى : (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) أي طلب منكم التعمير ، إضافة إلى كلمات الانبات والاحياء ونحوهما ، ولكن ورد في السنة النبوية لفظ " ينمو " في باب الجهاد ، كما أنه وردت فيه ألفاظ متقاربة منه .
والمقصود بالتنمية في الفكر الإسلامي هي : تنمية داخل الإنسان وخارجه مادياً ومعنوياً .
والذي يظهر لي أن الكلمة المناسبة للتنمية هي : التزكية بمعناها اللغوي المستعمل في القرآن الكريم أيضاً ، فقال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ….. ) فالتطهير هنا تطهير للداخل – من الحق والحسد والإحساس بالمظلومية من جانب الفقراء ، ومن الجشع والهلع وحبّ المال وعدم الإحساس بالمسؤولية من جانب الأغنياء -، بالإضافة إلى حبّ الخير، والتعاون، والمودة والتكافل، والجسد الواحد من خلال أداء هذا الواجب ، فالزكاة إذن تزكية للنفوس.
وأما قوله تعالى (وَتُزَكِّيهِم) فلا يحمل على تزكية الداخل وتطهيره، حتى لا يكون تكراراً ، لأن الأصل هو التأسيس والتجديد في معاني القرآن، وإنما يحمل على معناه الثاني الحقيقي أيضاً وهو التنمية والزيادة، وبذلك جمعت معاني الزكاة ومشتقاتها في القرآن الكريم التنمية البشرية الداخلية – من تزكية النفوس ، والقلوب، والأرواح والعقول – وتطويرها، كما شملت التنمية الاقتصادية، وذلك لن من معاني الزكاة لغة : النماء والزيادة وتطهير النفس، وأكدها القرآن الكريم من خلال الآية السابقة ، ومن خلال آيات أخرى، منها قوله تعالى : (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ).
فالزكاة إذن زيادة ونمو حقيقي عند الله تعالى ، وكذلك فهي نمو اقتصادي وبركة، وقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ، وقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ) يراد بها تزكية الداخل كله.
وبذلك جمعت معاني الزكاة ومشتقاتها في القرآن الكريم جميع معاني التنمية الشاملة المقصودة، ولا سيما إذا وسعنا دائرة (الزيادة) لتشمل جميع أنواعها من خلال أسبابها الشاملة للتعمير والاستثمار ونحوهما، ودائرة (التزكية الداخلية) لتشمل كل ما في الداخل من الروح والقلب ، والنفس ، والعقل.
2- الفقر:
لغة : هو الحاجة ، والعوز ، فالفقر هو المحتاج مطلقاً .
وجمهور الفقهاء على أن الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم ، وهما من الكلمات التي إذا ذكرتا معاً يراد بكل واحدة معنى مستقل ، وإذا انفردتا شملت كل واحدة معنى الأخرى مثل الايمان والاسلام ، فإذا أطلق لفظ " الفقراء " وحده فيراد به ما يشمل معنى المساكين أيضاً ، ولكن إذا ذكر مع " المساكين " فيراد بالفقراء معنى ، وبالمساكين معنى آخر ، مثل قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ) فقد ذهب الحنفية إلى أن الفقير هو من يملك شيئاً دون النصاب الشرعي للزكاة ، وان المسكين لا يملك شيئاً ، فعلى ضوء هذا فإن المسكين أشد حاجة من الفقير ، في حين أن المالكية والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى عكس السابق ، فيكون الفقير أشد حاجة من المسكين .
والحق أن القرآن الكريم استعمل اللفظين معاً في الآية السابقة فقط مما يدل على وجود فرق بينهما ، وأن كل واحد منهما مصرف مستقل من مصارف الصدقات ، وتكرر لفظ الفقر ومشتقاته فيه أربع عشرة مرة منفرداً ، في حين تكرر لفظ " المسكنة ، ومسكين ، ومساكين " خمساً وعشرين مرة ،ولذلك تطبق عليهما القاعدة السابقة في الجمع ، والانفراد .
ونحن هنا نقصد بالفقير : المحتاج إلى الضروريات ، أو الحاجيات ، من الغذاء والدواء والمسكن ، والملبس ونحو ذلك ، مع ملاحظة نسبية الفقر ونسبية الضروريات والحاجيات ، وتأثرها بالأعراف.
فقد أشار القرآن الكريم إلى الحاجيات الأساسية للإنسان فقال تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)
3 – ونقصد بالبطالة : عدم توفير الحياة الكريمة لغير القادرين على العمل، أو الذين لم تستطع الدولة أن توفر لهم فرص العمل المناسبة