منابر الدوحة – جريدة الراية
دعا فضيلة الشيخ د. علي محيي الدين القره داغي المسلمين إلى التوجّه بالدعاء إلى إخوانهم في سوريا وذكّرالمسلمين بالأخوة التي تجمعهم ومسؤوليتهم عن هذه الأخوة وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم شبهنا بجسد واحد “مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” وفي رواية كجسد واحد، أي مسؤولية وحس، فما دام هو جزء منك فإنك ايضاً مسؤول عن إخوانك في كل مكان، نحن مسؤولون عن فقرهم إذا استطعنا أن ندرأ عن فقرهم، ومسؤولون عن ظلمهم إذا ظلموا ما دمنا نستطيع أن ندرأ عنهم الظلم، وإذا لم نستطع فلا أقل أن نُشارك مأساتهم ونُحسّ بها، ونحاول بكل وسائلنا للدفاع عنهم، وإذا جاعوا كذلك فنحن مسؤولون كذلك عن جوعتهم، وإذا ماتوا بسبب الظلم أو الجوع أو الفقر كذلك يسألنا الله تعالى عنهم، وقد ورد في حديث ثابت يروى به الإمام بسنده وغيره أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ” أيّما أهل عرصة (منطقة أو اقليم أو أمة) أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله”.
هو القاهر
وقال فضيلته في خطبة الجمعة أمس بجامع السيدة عائشة رضي الله عنها بفريق كليب: حينما نحس بإخواننا في فلسطين اليوم، لا سيما هذا الرجل الأسير الذي امتنع عن الأكل بسبب المظالم على فلسطين، الأستاذ خضر عدنان، وأسأل الله أن يثبته ليحقق مطالبه، دخل في اليوم الثالث والستين في امتناعه عن الأكل والشرب بسبب المظالم التي شهدها ضد هؤلاء الأسرى وضد شعبه في غزة وضفة وفي كل مكان، فيضحي بنفسه في سبيل إبراز هذه القضية وقد وقف هذا الرجل هذا الموقف العظيم، وقد أخذوا حتى رئيس مجلس الشورى الفلسطيني، وكذلك أخذوا مجموعة من الشخصيات العاملة في الجمعيات الحقوقية والإنسانية والبرلمانيين الذين لهم حصانة في كل أعراف العالم إلا هذه الدولة الصهيونية، التي لا تعرف لا الشرع ولا الدين ولا القوانين وإنما تعرف شيئاً واحداً وهو قانون الغابة وقانون القوة ولكن الله سبحانه وتعالى فوق قوته ” وهو القاهر فوق عباده ” فأدعوا لهذا الرجل بالثبات، وقفوا معه ومع اخوانه الأسرى المضطهدين في سجون الاحتلال، ويُعانون أشد المعاناة من الظلم والقهر والاستبداد، وكونوا معهم ففلسطين قضيتنا الاولى، ولن يهدأ لنا بال ولا لهذه الأمة، ولن يكتب لنا الاستقرار مادام في قلب الأمة هذا السرطان الخطير، وهو الصهيونة العالمية.
ووصف الصهيونية بأنها أخذت من قلب الأمة الإسلامية والعربية هذا الجزء العزيز، كالسرطان في جسد الإنسان كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تشبيه الأمة بالجسد، لذا صلاحنا وقوتنا وعزتنا بانتصارنا لهذه القضية الأساسية، وكل هذه القضايا التي نحن نهتم بها بما يسمي بالربيع العربي لأجل قضية فلسطين، لأنها تُقرّب النصر وتُعيد الأمة إلى جهادها وأصلها وقوتها. ونرى أن هذه الدولة التي تحكم بالظلم والجور والاستبداد والتعنيف في سوريا منذ أربعين سنة أو أكثر، لم تطلق رصاصة واحدة ضد الصهيونية، وكل الدبابات التي كانت موجود ظاهرياً يوجهها اليوم الى صدور ابنائه في حمص، الحمص في خطر، تحاصر الآن بمئات الدبابات، وتدك بالمدافع، والقنابل تقع هنا وهناك، وتقتل الناس هنا وهناك، فأين إحساسنا؟ ومسؤوليتنا أمام الله؟ يجب أن نقف مع هذا الشعب، الشعب السوري، وأن نقف أيضاً ضد من يُساند هذا النظام مثل روسيا الظالمة المتجبّرة، التي نشرت الظلم والاستبداد وعاونت الانقلابات العسكرية في بلادنا من خمسين سنة، وإلى يومنا تُعاني أمتنا من هذه الانقلابات والظلم والمظالم والاستبداد، وما زالت هذه الدولة تقف ضد تطلعات الشعب، وضد الحرية التي أعطاها الله لنا، حتى في يوم القيامة لا يجبرنا الله على شيء ويسألنا هل فعلت كذا وكذا، لا يُجبر الله الإنسان وهو الخالق وهو المنعم فكيف هؤلاء يُجبرون شعبهم على أن يختار شخصاً ليس أهلاً له.
الإنسان يتحمّل المسؤولية
في خطبته الأولى عن المسؤولية، ذكّر المسلمين بما كان في خطبته السابقة وأهمية هذه المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، حيث إن هذه المسؤولية ولخطورتها وشدّة عظمتها أشفقت من حملها السموات والأرض والجبال، ولكن هذا الإنسان قد تحمّل هذه المسؤولية، فيجب أن يكون على قدر المسؤولية.. وقلنا إن الله سبحانه وتعالى قد زوّد هذا الإنسان من أجهزة داخلية من العقل والسمع والبصر والفؤاد وإلى غير ذلك من الأجهزة، بالإضافة الى الوحي، حتى يكون هذا الانسان قادراً على تحمل هذه المسؤولية، لأنه الله سبحانه تعالى لا يسأل الإنسان عن شيء إلا إذا أعطاه اسباب وإمكانية تطبيق ذلك الشيء، فالله سبحانه وتعالى حق وعدل في كل ما يكلف به الإنسان، فلم يكّلف الإنسان بما لا يُطيق، وإنما كلفه داخل قدرته وإرادته.
ماهي المسؤولية؟
لكن ماهي هذه المسؤولية ؟ قال فضيلته :المسؤولية تعني أن يكون الإنسان مسؤولاً عن كل ما آتاه الله سبحانه وتعالى من النعم، سواء كانت هذه النعم داخلية أم خارجية، النعم الداخلية من نعمة العين، والبصر، والقلب، والأجهزة الدقيقة، أو النعم التي لا تُحصى ولا تعد داخل جسد الانسان، وكذلك خارج الانسان من المال، والأهل، ومن تسخير الكون، ومن ترتيب الأمور، ومن أن الله سبحانه وتعالى سخّر لهذا الانسان كل شيء، وأعطاه حق الملكية، وغير ذلك ممّا سخّر الله سبحانه وتعالى للإنسان، وبالتالي فالمسؤولية تأتي على قدر الصلاحيات كما يقولون في علم الإدارة، أو كما نقول نحن في الفقه الإسلامي، المسؤولية تأتي بقدر الحقوق، لأنه ما من حق إلا وأمامه واجب، ولا من واجب إلا والله سبحانه وتعالى أكرمنا بأن أعطانا بمقابل هذا الواجب حقاً أو ربّما أكثر من حق في الدنيا والآخرة .
السؤال الخطير
وأوضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن العظيم بيّن كيف نُسأل، فبيّن الله سبحانه وتعالى هذا السؤال عن الإنسان، ومن أخطر من أنواع هذا السؤال للإنسان حينما يقف الإنسان فرداً فرداً أمام الله سبحانه وتعالى، “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا”، وتصور أخي المسلم وأختي المسلمة، أنك أمام الله سبحانه وتعالى، ويسألك عن كل النعم التي أعطاه الله سبحانه وتعالى لك، ثم بين الله سبحانه وتعالى خطورة هذه المسؤولية وقال “وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ”، مسؤولون عن كل شيء ،عن كل حق أعطاهم الله، عن كل نعمة سخر الله سبحانه وتعالى لهم، عن كل شيء زوّد الله سبحانه وتعالى به الانسان في هذه الدنيا. وهذا السؤال آخر مراحله حينما يقف الإنسان أمام ربه، وتسبق هذا السؤال الخطير مجموعة من الاسئلة من قبل الملائكة، بدءاً حينما يموت الإنسان ويقبض، وحينئذ يأتي له الملكان فيبدأ بالسؤال من بعد موته مباشرة، وإدخاله في القبر، حينما يسأل عن كل ذلك، ثم تستمر هذه الأسئلة لتصل الى موقف عظيم، موقف خطير في ذلك اليوم “وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ”، في ذلك اليوم الذي لا قول للإنسان فيه إلا نفسي ونفسي، وينسى كل شيء، ينسى والدته ووالده، ينسى زوجته، ينسى أقاربه وإخوانه، ويبحث عن نفسه كيف يُنجيها، وكيف يُنجِّيها الله سبحانه وتعالى، في ذلك اليوم يكون الإنسان مسؤولاً وموقوفاً أمام الله سبحانه وتعالى ويسأله، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم كيفية هذه الأسئلة حيث يقول: ” لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع : عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ”.