العرب – الدوحة

مواصلة لمقالاته الفكرية حول تأصيل العمل الإنساني، يرى الدكتور القره داغي أن المؤسسات الخيرية الإنسانية العاملة في بلاد الإسلام بحاجة إلى مزيد من التنظير والتأطير والتوجيه لتحقق التنمية الشاملة التي تحتاجها الأمة، مشيرا إلى أن الفترة التي غفل فيها المسلمون عن دور العمل الإنساني العظيم استثمرها أصحاب الدعوات الباطلة، فبدؤوا بنشر ضلالاتهم عن طريق الأموال، وحاولوا تغيير العقائد والأديان عن طريق الفقر، والجهل والمرض، فأعطوا المال للفقراء حتى يضلوا الطريق، أو يخرجوا من الإسلام الصحيح، وعلموا الأطفال في المدارس ليخرجوا عن فطرتهم، وليكونوا دعاة إلى الباطل في بلاد الإسلام، وعالجوا المرضى واستغلوا ضعفهم وحاجتهم.

ثم تنبه إلى ذلك المسلمون فقاموا بإنشاء مؤسسات وجمعيات خيرية لحماية المسلمين، وإغاثة الملهوفين، غير أن هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية تحتاج إلى مزيد من التنظير، والتأصيل والتوجيه، والتخطيط، والريادة، والقيادة، والقدوة، ومزيد من التعاون البناء، والشراكة النافعة لتنطلق من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة التنمية الشاملة والبناء، وليكون لها دورها في النهضة المنشودة، وليعود لها دورها في تحقيق الحضارة، كما كان للوقف دوره العظيم في حضارتنا الإسلامية حتى نستطيع القول بأن الحضارة الإسلامية هي هبة الوقف -بعد الله تعالى- فكل ما سجله تاريخنا الإسلامي من كتاتيب ومحاضر، ومدارس، وجامعات، ومستشفيات، وجسور وقناطر، وخانات ونحوها، كان للوقف دور عظيم فيها.

وسنبذل جهدنا لتأصيل الشراكة والتعاون البناء بين جميع المؤسسات الخيرية والإنسانية في العالم أجمع، وبناء جسور التواصل بين جميع من يريد التعاون على الخير من أصحاب الأديان والثقافات، والشعوب، وذلك لأن المعاناة أصبحت عالمية، وبالتالي تحتاج إلى تعاون عالمي، ولأن حجم المآسي كبير جدا، يتطلب جهود الجميع، ولأن حجم المصائب ضخم جدا يتطلب التعاون على توزيع الأدوار حتى يصل الخير إلى جميع من يستحقه.

التعريف بالتعاون الإنساني في الإسلام

التعاون لغة: مصدر باب «تعاون» الذي يدل على المشاركة المتساوية بين طرفين مثل التراضي، والتواصي، وهو من العون بمعنى المساعدة، والظهير على الأمر، فيقال: تعاون القوم إذا ساعد بعضهم بعضا، واستعان به أي طلب منه العون، والمعونة هي العون، والإعانة هي منحة حكومية للأفراد أو الدول.

والتعاون في علم الاقتصاد: مذهب اقتصادي شعار الفرد للجماعة، والجماعة للفرد، ومظهره تكوين جماعات للقيام بعمل مشترك لمصلحة الأعضاء، والاستغناء عن الوسطاء، ومنه ينبثق التأمين التعاوني.

والتعاون في علم الاجتماع: اجتماع مجموعات مختلفة أو أفراد بدافع المنافع المشتركة، فهو حينئذ ضد التنافس الذي تكون فيه المنفعة الشخصية هي الدافع.

والتعاون الإنساني: هو ارتباط مجموعة من الأفراد على أساس الحقوق والالتزامات المتساوية لمواجهة ما قد يعترضهم من المشاكل والتحديات الاقتصادية أو الاجتماعية ونحوها، والتغلب عليها، ومن أهم أنواعها التعاون لأجل مساعدة المحتاجين، وإغاثة الفقراء وإنقاذ الملهوفين.

والتعاون في نظر الإسلام: يكون على البر والتقوى وهما يشملان جميع أنواع الخير، كما أمر الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وقد فسر البر بقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، حيث يشتمل التعاون على غرس العقيدة والقيم والأخلاق الفاضلة، ودفع الأموال -زكاة وصدقة عامة- مع حاجة صاحبها إليها وحبه لها إلى الأقارب لترسيخ أواصر المحبة، وإلى جميع المحتاجين من بني البشر.

وأما نوعية ما يقدمه التعاون فهي أيضا شاملة لكل ما يوجد لديه من الإمكانيات المتاحة لديه، وأن كل واحد يختلف عنده هذا التعاون حسب طاقاته وقدراته، فالحكام والملوك والأمراء يختلف تعاونهم عن الآخرين، حيث إن دائرته أوسع، وأن الأغنياء يكون تعاونهم بالمال ونحوه، والعلماء بالفكر والعلم ونحوهما، وهكذا تشمل نوعية التعاون جميع ما يمكن أن يتعاون به ويكون مفيدا ولو بفائدة قليلة.;