العرب – الدوحة

لمحاولته تتبع خيوط بداية التطرف الديني في الإسلام، قال الدكتور علي محيي الدين القره داغي إن الخوارج هم أول من وضع بذرة التطرف الديني والغلو فيه، وأضاف: إذا رجعنا إلى السنة المشرفة سنرى خطورة الغلو في الدين لدى الخوارج، وأن من صفاتهم الجرأة على الدين وعلى الصحب، حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسّم قسما أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: اعدل، فقال: “ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل”، فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: “دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر ويخرجون على حين فرقة من الناس”، قال أبوسعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتُمس في القتلى، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته.

وفي رواية لمسلم عن جابر قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل. قال: “ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل”. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية”، وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي سعيد في قصة توزيع ذهب على أربعة نفر، فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فمن يطع الله إن عصيته؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني؟”. قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله -يرون أنه خالد بن الوليد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من ضئضئ هذا قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”.

وروى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم إلى علي بين أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة”، وفي رواية أخرى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لا تكلوا عن العمل”.

ويظهر من هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها مما ذكرتها كتب الصحاح والسنن والمسانيد أن هؤلاء القوم تبنوا الفكر المتطرف، والغلو في الدين، والتشدد في الحكم، مع تزكية أنفسهم بأنهم أفضل الخلق وأن القرآن لهم فقط، وأن تأويله لصالحهم، وأنهم مكثرون للصلاة والصيام والقراءة ومبالغون فيها وفي الاعتناء بمظاهرها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفهم بأن هذه العبادات الظاهرية لن تتجاوز أماكنها، بل اتهم شر الخلق والخليقة، فقد روى مسلم وغيره عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بعدي من أمتي، أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، ثم شر الخلق والخليقة”، حيث يدل هذا الحديث على أن الخيرية لا تتحقق بكثرة الصلاة والصيام والقراءة وحدها، وإنما بالفكر المعتدل والالتزام بالأخلاق والقيم المصاحبة لها، وبالتربية والتزكية، وإشارة هذه الأحاديث الصحيحة إلى أن الخوض في قراءة القرآن دون الفقه والفهم العميق يترتب عليه الإفراط والتفريط، والتشدد والتكفير.

وقد نقل كثير من العلماء الإجماع على وجوب قتالهم إذا حملوا السلاح، فقال ابن تيمية: “والأئمة متفقون على قتال الخوارج المارقين”، ثم قال: “وقد أجمع المسلمون على وجوب قتال الخوارج والروافض إذا فارقوا جماعة المسلمين، كما قاتلهم علي رضي الله عنه” وهذا القتال مشروط بما يأتي:

1- أن تدعوهم الدولة إلى الحوار والمصالحة، وأن تستجيب لمطالبهم المشروعة، وأن ترفع عنهم الظلم البين إن وجد.

2- أن يرفعوا السلاح في وجه الدولة، إما بالمنع من أداء واجبها، أو بالإقدام على القتل والنهب، والإرهاب والتخويف.

3- أن يمتنعوا عن الحوار أو المصالحة والسمع والطاعة، بأن يريدوا فرض رأيهم بالقوة. وحينئذ يجب قتالهم حماية للأمن والأمان ووحدة الدولة والمصالح العامة، وبناء على ما سبق فإن الانحراف الفكري إذا أدى إلى الإرهاب والقتل والاعتداء فإن الإسلام شرع مجموعة من العقوبات المفروضة نصا واجتهادا في باب الحرابة والفساد، وباب البغاة، ولكنها تحتاج إلى الاجتهادات المؤصلة للجرائم الواقعة تحت لافتة الإرهاب الداخلي والإرهاب الخارجي.;