الدوحة – الشرق

الحلقة :الثامنة والعشرون

إن حظر دماء السنة والشيعة وأموالهم وأعراضهم، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع الاقتتال والاعتداء المتبادل، واستحضار ما أكده القرآن الكريم من حرمة الاعتداء أمر واجب، ومما زاد الطين بلة وصنع مع الأسف الشديد هوة واسعة بين السنة والشيعة المواقف والتصرفات وما حدث في العراق، وفي سورية أيضاً، فهذه مشكلة كبيرة ومثيرة جداً، حيث إن أهل السنة يقولون عن عائشة أنها: الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين راوية الأحاديث، ويترضون عنها، في حين أنها في نظر جمهور إخواننا الشيعة متهمة وتنال اللعن والكراهية.

2 — الصحابة الكرام في مجموعهم إلاّ عدداً قليلاً منهم ولا سيما الخلفاء الراشدون الثلاثة (أبوبكر وعمر وعثمان) رضي الله عنهم، حيث ينالون اللعن والطعن والاتهامات الكثيرة من إخواننا الشيعة، بينما هم لدى أهل السنة خيار الأمة مع الآل بعد الرسل والأنبياء، ويترضون عنهم فحينما يذكر أبوبكر يسمى الخليفة الراشد الصديق أبابكر رضي الله عنه، هكذا عمر وعثمان، وكذلك الصحابة.

فهنا إشكالية كبرى مثيرة حينما يكون شخص بهذه المنزلة عند أهل السنة مثل هؤلاء في حين يكونون عند جمهور الشيعة ظلمة ملعونين؟! فلا بدّ من العلاج.

3 — انتقال السلطة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حيث إنه في نظر أهل السنة كان انتقالاً طبيعياً اختار أهل الحل والعقد أبابكر ليكون خليفة المسلمين وكان لهم استرشاد بإصرار الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم على أن يؤم الصحابة في أوقات مرضه أبوبكر رضي الله عنه، في حين أن لجمهور الشيعة موقفاً مناقضاً لهذا الموقف يقوم على الوصاية والأحقية، وان أبابكر تآمر مع عمر لاغتصاب هذا الحق الثابت بالنص لأبي بكر رضي الله عنهم جميعاً.

4 — الأمر الآخر المثير للفتنة أكثر، هو أن هذه الخلافات بل إن هذه الشتائم واللعن والطعن تنشر في القنوات الفضائية ليلاً ونهاراً من قبل وسائل الاعلام للطرفين.

5 — كما تنال الشيعة من بعض أهل السنة والمتشددين من اللعن والطعن والتكفير والتفسيق، حيث يتهمونهم بأنهم يؤمنون بمصحف فاطمة الذي هو أكبر بكثير من المصحف الموجود الذي جمع في عصر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ثم في عصر الخليفة أبي بكر رضي الله عنه، ثم نشر في الآفاق في عصر الحليفة عثمان رضي الله عنه، وهكذا..

ولست بصدد استعراض هذه التفاصيل ولكن الواقع مشاهد ومعروض في وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والمكتوبة، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينهال عليهم سيل من الشتائم واللعن والطعن.

6 — والأكثر إثارة هو سعي كل طرف على الأرض لتغيير مذهب الاخر، فهناك جهود منظمة مدعومة بميزانيات كبيرة للتشييع أو التسنين، فعلى سبيل المثال كان المسلمون في أفريقيا يدينون بالإسلام على المذهب المالكي دون أن ينافسهم احد، ولذلك كانوا متحدين أمام تحدي التنصير على الرغم من فقرهم، وخلال العقود الأخيرة تمزق المسلمون — مع الأسف الشديد — على السنة والشيعة وحدثت مشاكل في نيجيريا وغيرها.

7 — ومما زاد الطين بلة وصنع مع الأسف الشديد هوة واسعة بين السنة والشيعة: المواقف والتصرفات وما حدث في العراق، وفي سورية أيضاً، ففي العراق يعتقد أهل السنة على أن حكام الشيعة قد قاموا بالاجتثاث والتهجير القسري والاقصاء، وما المظاهرات السنية العارمة في محافظات الأنبار، والموصل، وصلاح الدين اليوم إلاّ دليلاً على ذلك.

وأما موقف الشيعة في إيران والعراق، ولبنان والخليج فمتناقض تماماً مع موقف السنة، بل المسألة لم تعد مسألة مواقف، بل إن جمهورية إيران والقوى الشيعية تدعم مادياً ومعنوياً وعسكرياً بالسلاح والرجال نظام بشار أسد، او الحكومة السورية — لأي سبب كان — في حين أن جماهير السنة يقفون مع الشعب السوري الذي يتعرض للتقل والابادة والتهجير، والمواقف حول البحرين أيضاً متباينة.

وأمام هذه المثيرات للفتن يتعين علينا الالتزام بثوابت التقارب والوحدة، ومستحقاتهما ومقتضاياتهما، وهي:

‌أ — امتناع الطرفين عن إثارة الأمور الستة المذكورة السابقة، والالتزام بدرئها ومنعها، وتوجيه كل الجهود الممكنة للقضاء على أسباب الفتن وإثارتها، وام الفقرة السابعة فتحتاج إلى علاج أكثر تفصيلاً.

‌ب — حظر دماء السنة والشيعة وأموالهم وأعراضهم، وبذل كل الجهود الممكنة لمنع الاقتتال والاعتداء المتبادل، واستحضار ما أكده القرآن الكريم من حرمة الاعتداء، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد جعل حرمة الاعتداء على دماء المسلمين واموالهم وأعراضهم كحرمة ذلك في البلد الحرام والشهر الحرام.

‌ج — الانتقال من الامتناع السلبي من الطرفين إلى العمل المشترك، والكتب النافعة، والمشاريع الجامعة، والندوات والمؤتمرات الفعالة للتقارب الحقيقي والتعاون البناء للوصول إلى التكامل والوحدة.

‌د — الاستفادة القصوى من القرارات والتوصيات التي صدرت عن مؤتمرات التقريب التي قام بها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، بل وتفعيلها، وكذلك قرارات المجامع الفقهية.

‌ه — إبراز القدوات الصالحة للتقارب.

‌و — القيام بالتوعية الشاملة لخطورة الحروب الطائفية التي يريدها المشروع الصهيوين الأمريكي، وإيجابيات التقارب الحقيقي الصادق، ومنافعه العظيمة على الأمة، من خلال الدراسات الجادة والتربية داخل البيت والمسجد، ومن الحضانة إلى الجامعة.

‌ز — الانتقال من التوعية الشاملة إلى الثقافة الواعية التي تصبح جزءاً من كيان المسلم.

‌ح — تأليف كتب تجمع المشتركات بين الطئفتين، وتعالج المختلف فيه بينهما بروح صادقة، ونية خالصة، وأسلوب جذاب هادئ وهادف.