ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي القره داغي – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأستاذ الاقتصاد الإسلامي – اليوم الأربعاء الموافق 4 نوفمبر 2015م بحثه أمام المؤتمر العالمي العاشر لعلماء الشريعة حول المالية الإسلامية والمنعقد حالياً بالعاصمة الماليزية كوالالمبور تحت عنوان “تعزيز التواصل العالمي للصناعة المالية الإسلامية : الواقع والآفاق” .

                      عرض نقدي للمنتجات الموجهة لدعم التواصل العالمي

] الصكوك ، سوق السلع ، إدارة السيولة ، إعادة الشراء ونحوها [

 

    دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية –

    

بقلم

أ . د . علي محيى الدين القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

ونائب رئيس المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث

 

 

Description: 23_basmallah

 

  الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين  ، وبعد

 فقد طلب مني الأخ الحبيب الأستاذ الدكتور محمد أكرم لال الدين ، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية – ماليزيا، أن أقدم ورقة بعنوان : عرض نقدي للمنتجات الموجهة لدعم التواصل العالمي] الصكوك ، سوق السلع ، إدارة السيولة ، إعادة الشراء ونحوها [ ، للمؤتمر العالمي العاشر لعلماء الشريعة .

 وهأنذا أقدمها استجابة لطلبه الكريم ، ومساهمة مني في تطوير منتجاتنا الإسلامية ، وسيكون حديثي حول نقد ما في هذه المنتجات ، وما في بعضها من التحايل ، ثم الحديث عن الحل الجذري الذي يجب أن يكون هدفنا الاستراتيجي في هذه المرحلة بعد مضيّ أربعة عقود من إنشاء أول بنك إسلامي.

وسأتحدث عن الحل الجذري الذي يتكون في نظري من :

(1) إصلاح النظام القانوني المصرفي بحيث يكون مسنجماً مع الاقتصاد الإسلامي القائم على الاقتصاد العيني ومع الصيرفة الإسلامية .

(2) ضرورة الاعتماد على البعد المقاصدي الذي يتكون من ستة مبادئ.

(3) ضرورة تطوير نظام الملكية في الفقه الإسلامي .

(4) ضرورة تطوير نظام الضمانات إذا ما اتجهنا إلى التعامل بالاقتصاد العيني ونظام المشاركات.

(5) ضرورة التفرقة بين ثلاثة أنواع من الأموال الموجودة في البنوك الإسلامية ، وهي أموال المساهمين ، والودائع العامة التي لا بد أن يحتاط لها من حيث الضمانات والمخاطر ، والأموال التي يكون لأصحابها الاستعداد لتحمل المخاطر في مقابل زيادة الأرباح ، فهذه الأموال يجب أن ترتب لها شركات خاصة ، ومحافظ ، أو صناديق استثمارية.

(6) ضرورة إيجاد بدائل حقيقية للمنتجات التي فيها بعض الشبهات .

 هذا ما سأتحدث عنه بإذن الله  تعالى ، داعياً الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

   كتبه الفقير إلى ربه

                                                                       علي محيى الدين القره داغي

 

نظرة إلى المنتجات السائدة ، وما في بعضها من تحايل :

 

الموضوع الأول : المرابحات عن طريق أسواق السلع والمعادن الدولية سواء كانت في لندن ، أو دبي أو غيرهما ، حيث إن التعامل فيها وفقاً للمرابحة الدولية لا تتجاوز الأوراق التي ينظمها الوسيط (البروكر) في الغالب الأكثر.

 حيث تجري عمليات المرابحات في المعادن ، وبخاصة الألمنيوم ، والنحاس ونحوهما ، وتجري عن طريق السماسرة في بورصات السلع الدولية وبخاصة بورصة لندن للمعادن ، وبورصة شيكاغو ، والآن وجدت بورصتا دبي ، وماليزيا.

 

وأهم مميزاتها :

أ- أن هذه المرابحات تجري على معادن غائبة ، وبيع الغائب محل خلاف أجازه جماعة من الفقهاء .

ب- تقوم على عقد الوكالة .

ج- تمنح شهادات المخزون بأن السلعة متوافرة في المستودع الفلاني.

د- مؤجلة الثمن .

 

المشاكل الفقهية :

هذه الأمور كلها يمكن قبولها ، ولكن المشكلة الكبرى هي أن نظام البورصة العالمية في هذا المجال يقوم على أن من يتعامل معها فئتان :

الفئة الأولى : (وهي الأقل) تشتري السلع لاستهلاكها أو استعمالها كمن يشتري النحاس لاستعماله في صناعة الأسلاك الكهربائية مثلاً.

الفئة الثانية : وهم المضاربون (المجازفون) حسب عرف البورصة (وهم الأكثرية) يشترون المعادن ، ويبيعونها مباشرة ، فهؤلاء يشترط عليهم في العقود : أن لا قبض ، لأنه تترتب عليه مخاطرة في نظرهم ، وإنما للمشتري الحق في بيعها إلى طرف آخر[1].

 

(1) اشتراط عدم القبض :

 وهذا الشرط يتعارض مع مقتضى عقد البيع ، لأن من شروط صحته القدرة على تسليم المعقود عليه ، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان[2]، وثبت بالاجماع على منع بيع الكالئ بالكالئ[3] ، وللسبب نفسه حرّم الله الميسر ، يقول ابن تيمية : (.. لأنه عقد وايجاب على النفوس بلا حصول مقصود لأحد الطرفين ، ولا لهما ، ولهذا حرّم الله الميسر الذي منه بيع الغرر، ومن الغرر ما يمكن قبضه وعدم قبضه ، والدواب الشاردة لأن مقصود العقد وهو القبض غير مقدور عليه) [4].

 وقد صدر قرار رقم (63(1/7) من مجمع الفقه الاسلامي الدولي في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة  1412 الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992م ، نص على اشتراط أن يكون محل العقد سلعة موجودة وأن يتضمن حق تسليم المبيع ، ونص كذلك على أنه : (لا يجوز بيع السلعة المشتراة قبل قبضها) بل نص على : (الطريقة الرابعة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس. وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً)[5].

 ثم أكد المجمع في دورته السادسة عشرة بدبي (دولة الإمارات العربية المتحدة) 30 صفر – 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 – 14 نيسان ( إبريل ) 2005م ، كلَّ ما قرره في الدورة السابعة والدورة السادسة عشرة مع إضافات أخرى.

 

(2) ربط الثمن بمؤشر معين مثل لايبور، وله حالتان :

الحالة الأولى : ربطه بمؤشر معين مثل لايبور لمعرفة نسبة الرح فقط فهذا لا مانع منه .

الحالة الثانية : ربطه بأن يتم البيع أو الشراء بثمن محدد في أساسه ومتحرم في جملته ، وذلك بأن يربط بمؤشر معين ، حيث تحدث هذه الحالة عندما تكون المدة طويلة ، ويخاف أحد الطرفين من تغير أسعار الفائدة نزولاً أو هبوطاً ، وذلك بأن يبيع له البضاعة برأس مالها المدفوع فلنفترض مليون دولار ، مع ربح سنوي مرتبط بمعدل الفائدة (لايبور) فهذا يحدث جهالة كبيرة وغرراً فاحشاً منهياً عنه[6].

 

(3) عدم ذكر مكان التسليم ، وهذا ما يحدث في المرابحات الدولية لأن القبض غير موجود ، بل غير ممكن بسبب الشرط ، وهذه مخالفة أخرى .

 

(4) إهمال شرط الحق في الحصول على الشهادة الأصلية للمخزون ، وهذا يحدث كثيراً إذ لا يذكر في العقد شرط الحق في الحصول على شهادة المخزون الأصلية ، وهي الشهادة القانونية الوحيدة لوجود السلعة المحددة ، بل يكتفون بصورة منها ، وقد لاحظنا إرسال هذه الصور لأكثر من بنك في وقت واحد ، وهذا يؤدي إلى احتمالية بيع السلعة على الأوراق لأكثر من شخص في وقت واحد.

 وأدهى من ذلك فإنه قد يشترط على البنك عدم الحق في المطالبة بشهادة المخزون الأصلية ، أو حتى صورتها ، وهنا تكمن الكارثة الكبرى الموغلة في الصورية والتحايل ، وذلك لأن هذا يؤكد عدم وجود السلعة ، أو أنها مبيعة لطرف آخر.

 

ربط المرابحات الدولية بقاعدة سدّ الذرائع:

 رأينا في المرابحات الدولية بصورتها الراهنة هذه المخالفات ، والحيلة هنا تأتي من خلال العقود المرتبة في الظاهر أنها متوافرة الأركان والشروط ، وفي حقيقتها أن فيها مخالفات جوهرية .

 وسدّ الذرائع يأتي هنا بمنع التعامل عن طريق المرابحات الدولية للمضاربات ، وفي الأسواق العالمية للمعادن.

 

الموضوع الثاني : التورق المنظم الذي صدر بحرمته قرار مجمع الفقه الإسلامي  قرار رقم (179(5/19) ، نذكره بنصه :

(أولاً: أنواع التورق وأحكامها:

1-التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقداً بثمن أقل غالباً إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد. وهذا التورق جائز شرعاً، شرط أن يكون مستوفياً لشروط البيع المقررة شرعاً.

2-التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (المموّل) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالباً.

3-التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانياً: لا يجوز التورقان (المنظم و العكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا.

ويوصي بما يلي:

(أ) التأكيد على المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية باستخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة في جميع أعمالها، وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة التزاماً بالضوابط الشرعية بما يحقق مقاصد الشريعة الغراء، ويجلي فضيلة الاقتصاد الإسلامي للعالم الذي يعاني من التقلبات والكوارث الاقتصادية المرة تلو الأخرى.

(ب) تشجيع القرض الحسن لتجنيب المحتاجين للجوء للتورق. وإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية صناديق للقرض الحسن. والله أعلم) [7].

وقد كتبت كتاباً حول التورق المصرفي بين التورق المنضبط والتورق المنظم ، فصلت فيه القول ورجحت فيه القول بجواز التورق العادي المنضبط ، وحرمة التورق المنظم غير المنضبط[8].

 

الموضوع الثالث : المرابحة العكسية التي صدر بحرمتها قرار مجمع الفقه الإسلامي (قرار رقم 179(5/19) وهو القرار الذي ذكرته في التورق المنظم ، حيث سماه المجمع : بالتورق العكسي فحرّمه أيضاً.

علاقة التورق المنظم والمرابحة العكسية بسدّ الذرائع والحيل والبُعد المقاصدي :

 إن التورق المنظم ، والمرابحة العكسية يتمان في الغالب الأكثر عن طريق المرابحات الدولية في سوق السلع والمعادن التي ذكرناها في السابق ، ولدى التعمق في هذين المنتجين نرى أنه لا تتوافر فيهما شروط البيع الصحيح ، كما أنهما لا تتحقق بهما مقاصد الشريعة من التنمية ، ومقاصد البيع من التسليم والتسلم ، والتبادل الحقيقي ، وإنما هما عقدان صوريان للوصول إلى الربا ، فهما ينطبق عليهما قول ابن عباس رضي الله عنهما : (بيع درهم بدرهمين بينهما حريرة)[9] ، وقد نص المجمع في قراره السابق رقم (197(5/19) على أن فيهما – أي التورق المنظم ، التورق العكسي – 🙁 تواطؤاً بين الممول ، والمستورق صراحة ، أو ضمناً ، أو عرفاً ، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة ، وهو ربا).

 ويزداد عقد المرابحة العكسية سوءاً وإشكالية من حيث يترتب عليه تحقيق الضمان حيث إن العميل يأتي إلى البنك ليضمن رأس المال والربح بَدَلَ الودائع الاستثمارية التي تقوم على المضاربة الشرعية ، وإذا استجاب البنك ، فإنه يقوم بعملية تورق منظم ، ومرابحة عكسية ، أي يكون البنك الآمر بالشراء ، والعميل يكون هو القائم بعملية المرابحة ، ويصبح الثمن الناقص حسب نسبة المرابحة ملكاً للبنك ، وأن العميل مقرض للبنك ، فمثلاً لو كان المبلغ مليون ريـال ، واتفق العميل والبنك على أن ربح العميل 10% مثلاً لمدة عام كامل ، حينئذ يقوم البنك نيابة عن العميل بشراء سلعة دولية بمبلغ مليون ريـال ، ثم يشتريها من العميل بمبلغ مليون ومائة ألف ريـال لمدة عام كامل ، وبالتالي أصبح هذا المبلغ ديناً في ذمة البنك ، وفي هذا مخاطر كبيرة ، لأن البنك الإسلامي يدخل في الاستثمارات المباشرة وغيرها وبالتالي يمكن أن يتعرض لمخاطر في حين أن الأموال التي أخذها مضمونة برأس مالها ، وفائدتها ، وهنا يحدث عدم التوازن بين حالتي الأخذ والصرف ، ومن هنا تفرض القوانين على البنوك التقليدية أن لا تدخل في أي استثمار بأموال المودعين لأنها أخذت الأموال مع فوائدها مضمونة ، فكيف يسمح لها بأن تصرفها فيما فيه شيء من المخاطر ، فما دامت قد أخذت الأموال مضمونة بفوائدها ، فلا بدّ أن تعطيها قرضاً مضموناً بفوائده.

 وأن مآلات هذين العقدين (التورق المنظم ، والمرابحة العكسية ) ديون أو قروض بفوائد دون تبادل حقيقي بين السلع والخدمات ، ولا تحريك للأسواق ، وإنما تعامل في الأوراق ، وان المستفيد الأكبر هو الوسيط (البروكر) حيث يأخذ نسبة في كل عملية ، فقد أنتجت المرابحات الدولية للبنوك الإسلامية وغيرها عدداً من الوسطاء الأغنياء كان الأولى بهذه الأموال أن تذهب للمتعاملين عن طرق عقود مباشرة.

 

الموضوع الرابع : الإجارة المنتهية بالتمليك في بعض صورها  :

 إن المؤسسات المالية الإسلامية حريصة على تطبيق عقود الإجارة المنتهية بالتمليك حسب صورها المقبولة شرعاً .

 وقد صدرت بشأنها عدة قرارات من أهمها : قرار رقم 110(4/12) حيث بيّن ضواط الصورة الجائزة ، والصور الممنوعة ، نذكره بنصه :

( الإيجار المنتهي بالتمليك:

أولا:  ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:

‌أ-  ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.

‌ب- ضابط الجواز:

1. وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زمانا بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة. والخيار يوازي الوعد في الأحكام.

2. أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.

‌ج- أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير تلف ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.

 إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.

‌د- يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.

‌ه-تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.

ثانيا:  من صور العقد الممنوعة:

‌أ- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعا تلقائياً.

‌ب- إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.

‌ج- عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلا إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار).

د- وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.

ثالثا:  من صور العقد الجائزة:

أ- عقد إجارة يُمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقا على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم 13(1/3).

‌ب-عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة، وذلك وفق قرار المجمع رقم 44(6/5).

ج- عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.

‌د- عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء، على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق، وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44(6/5)، أو حسب الاتفاق في وقته.

رابعا:  هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة إن شاء الله تعالى.

صكوك التأجير: قرر المجمع تأجيل موضوع صكوك التأجير لمزيد من البحث والدراسة ليطرح في دورة لاحقة. والله الموفق؛؛)[10] .

 

ولكن هناك بعض التطبيقات الخاطئة ، منها :

(1) العقد الذي ينظم العلاقة بين البنك المؤجر ، والمستأجر على أساس أن البنك المؤجر لا يتحمل أي مسؤولية من مسؤوليات الملكية من ضمان التلف والنقص ، فيحملها على المستأجر ، فهذا العقد ليس إجارة ، بل هو عقد صوري للتمويل بفائدة ، لأن العقد باطل ، وتصبح الزيادة ربا محرماً.

(2) العقد الذي يشترط فيه أن تتم ملكية الأصل المؤجر للعميل بمجرد دفع الأقساط المحددة – على تفصيل في ذلك- أي أن يصاغ العقد على أن تملك المستأجر للأصل المؤجر يتم تلقائياً بعد دفع الأقساط.  وهو باطل حسب قرار المجمع رقم 110(4/12).

(3) العقد الذي ينص على تقسيم ثمن الأصل مع أرباحه على زمن قصير فتكون الأقساط غير مناسبة بشكل واضح مع أجرة المثل ، فالحل هنا هو أن تكون الأجرة مناسبة ، ثم يتم بيع الأصل إلى العميل بالثمن الذي يتم الاتفاق عليه.

(4) العقد الذي يتضمن عقد إجارة ناجز ، وعقد بيع معلق على شرط سداد أقساط الإجارة في المدة المحددة .

 ومن المعلوم أن البيع المعلق على زمن مستقبلي أبطله جماهير الفقهاء قديماً وحديثاً ، وان هذه الصورة المذكورة للإجارة المنتهية بالتمليك قال بمنعها وبطلانها مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره السابق قرار رقم 110(4/12) في فقرة ثانياً ، حيث ذكرها ضمن صورة العقد الممنوعة شرعاً ، وكذلك قال بالمنع هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .

فهذه الصورة كلها من الصور الممنوعة شرعاً ، وبالتالي فيجب سدّ أي وسيلة أليها.

 

الموضوع الخامس : التحايل وسدّ الذرائع في الصكوك :

 لا شك أن للصكوك الحقيقية دوراً عظيماً في تحريك الأسواق واستثمار الأموال ، وتحقيق السيولة والمساهمة في التنمية الشاملة ، ولكنها أصاب بعضها ما أصابها من التحايل ، فدفعها إلى الخروج عن مقاصدها الحقيقية ، فأصبحت بمثابة سندات مع عناء كبير في إخراجها في مظهر الصكوك.

 ومن المعلوم أن هناك فروقاً جوهرية بين الصكوك والسندات من أهمها أن الصكوك لا بد ّان تمثل ملكية للأعيان ، او المنافع ، أو الحقوق ، وأن حملتها هم مالكون لها مباشرة ، أو عن طريق شركات مملوكة لهم ، أو وكيلة عنهم.

 كما أن للصكوك مقاصد مهمة في المساهمة في التنمية الشاملة ، ودعم النشاط الاقتصادي ، وترسيخ الاقتصاد العيني والنفعي بحيث لا تكون مجرد ائتمان وعمل في دائرة الديون.

وقد وضع مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 30(5/4) مجموعة من الضوابط لإجازة الصكوك ، نوجزها فيما يأتي :

 

1- أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله ، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته .

2- أن تتوافر الأركان والشروط المطلوبة في العقود التي قام الصك عليها ، وأن تنتفى الموانع لصحتها ، وأن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في تلك العقود.

3- أن لا يتم تداول الصكوك إلاّ بعد أن تتحقق الغلبة للأعيان والمنافع .

 وبالتالي فلا يجوز تداول صكوك المرابحة ، أو التي كان محلها الذهب ، أو الفضة مطلقاً إلاّ بشروط عقود الصرف وبيع الديون.

4- أن يد المضارب ، والشريك ، والوكيل يد أمانة ، ولا يضمن إلاّ بسبب من أسباب الضمان المشروعة.

5-  لا يجوز أن تشمل الصكوك على نص بضمان المضارب لرأس المال (وكذلك الشريك والوكيل) ، ويجوز لطرف ثالث أن يقدم ضمانات لرأس المال على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة.

6- لا يجوز أن تتضمن على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل ، ولكن يجوز أن تتضمن وعداً ملزماً بالبيع بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضى بها الطرفان.

7- ولا يجوز أن تتضمن نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح ، وإلاّ كان العقد باطلاً[11].

 وقد فصّل هذه المعاني بصورة واضحة المعيار الشرعي الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، المعيار رقم 17 الخاص بصكوك الاستثمار كما أكده قرار المجلس الشرعي لـ AAOIFI، نذكره لأهميته :

( أولاً: يجب أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع شرعاً وقانوناً، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم خدمات، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند (2) وبند 5\1\2. ويجب على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته.

ثانياً: لايجوز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون ، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها، أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي رقم (21) بشأن الأوراق المالية.

ثالثاً: لا يجوز لمدير الصكوك، سواء أكان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضاً عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ويجوز أن يكون احتياطي لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصاً عليه في نشرة الاكتتاب. ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقاً للمعيار الشرعي رقم (13) بشأن المضاربة، بند 8\8. أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك

رابعاً: لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (12) بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة، بند 3\1\6\2.، وفي المعيار الشرعي رقم (5) بشأن الضمانات، بند 2\2\1 و  2\2\2.  علماً بأن مدير الصكوك ضامن لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، سواء كان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار.

أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، فيجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول _عند إطفاء الصكوك_ بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول، بإعتبارها تمثل صافي قيمتها.

خامساً: يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على ألا يكون شريكاً أو مضارباً أو وكيلاً بالاستثمار.

سادساً: يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، وتتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقاً للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وماتتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية وفقاً للمعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند 5\8\1\5.

هذا ويوصي المجلس الشرعي المؤسسات المالية الإسلامية أن تقلل في عملياتها من المداينات، وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر ، وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة .وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين) .

 وبناءً على ذلك فإن أي صك لا يحقق شرط تمثيل الصك للملكية ، أو نحوها من الشروط الأساسية فإن ذلك الصك باطل ، وأن أي وسيلة تؤدي إلى الالتفاف حول هذه الشروط والأركان فهي وسيلة محرمة يجب سدّها.

ونذكر هنا مجموعة من صور الصكوك التي لا تحقق هذه الأركان والشروط التي ذكرناها سابقاً:

(أ) الصكوك التي في جوهرها وحقيقتها لا تمثل الأعيان ، أو المنافع ، أو الحقوق المالية على سبيل الحقيقية ، وإنما تمثل التزامات وديوناً ، وبالتالي فهي في جوهرها سندات محرمة ، لأنها تترتب عليها الزيادة التي هي الفائدة المحرمة ، كما أنها يتم تداولها مع أنها تمثل الديون.

(ب) الصكوك التي تقوم على المضاربة ، أو المشاركة أو الوكالة ، والتي يشترط فيها استرداد القيمة الاسمية ، وقد لا يعبر عن هذا الشرط ، ولكن تذكر مادة ترتب استرداد القيمة الاسمية بعملية حسابية ، أو أن يكون الاتفاق بسعر يحدده أحد الطرفين من خلال وعد ملزم ، فهذا الشرط سواء كان منصوصاً عليه ، أو مدلولاً عليه بأي لفظ هو شرط باطل يجعل العقد باطلاً او فاسداً ؛ لأن هذا الشرط يترتب عليه ضمان رأس المال في العقود المذكورة ، وهذا مخالف للنصوص الشرعية والاجماع المنعقد على ذلك ، كما أن ذلك يقطع المشاركة في باب الشركة والمضاربة ، وهو أيضاً ممنوع ، ولكن إذا كان الوعد بضمان القيمة الاسمية ، أو أي قيمة محددة من طرف ثالث ، فهذا جائز حسب القرار السابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي .

(ج) الصكوك القائمة على موجودات غير قابلة للبيع حسب قانون البلد ، حيث صدرت صكوك على أساس المطار في دولة لا يجيز قانونها بيع المطار.

(د) عدم إخراج موجودات الصكوك من ملكية المصدر في ظل القوانين التي لا تعترف بملكية المنفعة ، حيث إن القوانين الفرنسية ، والقوانين العربية المنبثقة منها لا تعترف بالملكية النفعية ، فإذا أصدرت الصكوك بناء على قانون لا يعترف بملكية المنفعة مثل القوانين الفرنسية والتي انبثقت منها فإن الذي سجل باسمه الأصل وهو المالك الحقيقي في القانون (على تفصيل ليس هذا محله) [12].

(ه) الصكوك التي يلتزم فيها مصدر الصكوك ، أو مديرها بالإقراض لحملتها عند نقصان رأس المال ، أو الربح الفعلي عن المتوقع ثم يسترده فيما بعد من الأرباح التالية ، أو عند شراء الصكوك عند اطفائها بقيمتها الاسمية ، وحينئذ يحسب القرض منها.

 وهذا النوع يجمع بين عقد قرض وعقد معاوضة ، وهذا الجمع غير جائز لورود أحاديث صحيحة في النهي عن الجمع بين سلف وبيع[13] كما أن هذا الشرط يقرب الصك عن السند تماماً من حيث ضمان رأس المال والفائدة[14].

 فهذه الأنواع الخمسة ونحوها ممنوعة شرعاً ، وبالتالي فأي وسيلة (من خلال العقود والوعود والشركات ذات الغرض الخاص) تؤدي إلى واحد منها فهي ممنوعة يجب سدّها ، بل إن تلك الوسيلة داخلة في الحيل غير المشروعة.

 

الموضوع السادس : التحايل في العقود المركبة :

 المراد بالعقود المركبة : كل منتج مالي يتكون من أكثر من عقد بحيث تُعدّ الحقوق والآثار الناشئة منه بمثابة آثار العقد الواحد سواء كان الترتيب بين تلك العقود بصيغة الجمع ، أو التقابل[15] .

 وقد عبر فقهاؤنا عن ذلك بالجمع بين عقدين وضربوا له أمثلة للجمع الجائز كالجمع بين الإجارة والبيع ، وللجمع غير الجائز كالجمع بين القرض والبيع[16] ، أو بيع الشيء نقداً بكذا ، ونسيئة بكذا في صفقة واحدة[17] ، وكذلك بيع العينة[18] .

 ولتركيب العقود أسباب قد تكون مقبولة شرعاً ، مثل التقليل من المخاطر والتكاليف والتسويق ، وقد تكون غير مشروعة كالتاحيل على أحكام الشريعة أو الذريعة إلى الربا كالجمع بين القرض والبيع.

 وليس بالضرورة أن يكون العقد المركب من عقدين جائزين شرعاً يكون مشروعاً بل قد يكون غير مشروع مثل الجمع بين عقد معاوضة ، وعقد سلف ، وقد تكون مشروعة ، كما أن هذه العقود التي تشكل عقداً واحداً قد تكون متجانسة مثل الجمع بين عقود المعاوضات المالية ، أو التبرعات المالية ، وحينئذ يكون الأصل فيها الجواز ، وقد تكون غير متجانسة بأن تكون متناقضة ، أو متعارضة مثل الجمع بين عقد البيع والقرض .

 

ضوابط صحة العقود المركبة :

يمكن ضبط العقود المركبة من حيث المشروعية والصحة ، بما يأتي :

1- أن لا يكون الجمع بين العقدين أو الأكثر منهياً عنه مثل النهي عن بيع وسلف.

2- أن لا يكون بين العقود المجتمعة تضاد وتعارض .

3- أن لا يُفضي التركيب إلى فعل محرم ، أو ترك واجب[19].

 

تطبيقات العقود المركبة ، والحيل :

 إن للعقود المركبة تطبيقات كثيرة فهي موجودة في معظم المنتجات المالية الإسلامية مثل الإجارة المنتهية بالتمليك ، والمشاركة المتناقصة ، والبطاقات المصرفية بأنواعها الثلاثة ، والمرابحات المركبة وغيرها ، والذي يهمنا في هذا الموضوع هو التطبيقات التي تقوم على الحيل غير المشروعة ، منها :

1- اشتراط القرض في الصكوك – كما سبق – وبعض المنتجات المالية القائمة على المعاوضة المالية.

2- التورق المنظم – كما سبق –

3- المرابحة العكسية – كما سبق –

4- قلب الدين في الدين أو فسخه فيه[20] .

 

الموضوع السابع : التحايل عن طريق الوعود الملزمة المنفردة أو المتقابلة:

 لم يكن للوعد الملزم في الفقه الإسلامي في العصور السابقة دور كبير ، فكان محصوراً في زاوية محددة عند بعض الفقهاء يخص الوعد بتبرع إذا ترتب عليه ضرر على الموعود له ، أو أن الموعود له قد أقدم على الفعل بسبب الوعد ، ولم يوجد القول بالوعد الملزم مطلقاً داخل المذاهب الأربعة … [21]. 

 أما اليوم فقد تضخم دور الوعد الملزم حتى تجاوز دور العقد ، بل أصبح مفتاحاً لحلّ مشاكل لا يستطيع العقد حلّها ، فيتم الالتجاء إلى الوعد ويُركَّب الحلّ عليه ، فأصبح الحلّ في حلّ مشكلة الصرف ، وتبادل العملات ، والذهب ، والصكوك ومعظم المنتجات المالية الإسلامية .

وأنا لست ضد الوعد ودوره المناسب مع حجمه ، ولكن يجب أن يُضبط بضوابط ، من أهمها :

(1) أن لا يُتخذ الوعد الملزم وسيلة للتحايل للوصول إلى فعل محرّم أو ترك واجب وحق .

(2) أن لا يتخذ الوعد الملزم بديلاً عن العقد من حيث الحقوق والالتزامات بل أن تبقى دائرة الوعد محصورة في المكملات .

(3) أن لا يكون في مقابله وعد ملزم آخر ، وإلاّ أصبحت مواعد ملزمة ، وهي محظورة ، لأنها تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الإنسان ما ليس عنده) ، وهذا ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 40-41(2/5 ، 3/5) [22] .

 

الخلاصة مع بيان الحل الجذري :

 في رأيي المتواضع أن الحلول الجزئية الترقيعية لن تجدي لأنها تكون بمثابة علاج للعرض ولا تعدّ علاجاً للمرض نفسه .

 لذلك أرى – والله أعلم- أن الحل الجذري يكمن في وضع خطة استراتيجية تستهدف تحقيق الأمور الآتية : وتنطلق منها ، وهي :

 

الأمر الأول : إصلاح النظام القانوني المتعلق بالاقتصاد والصيرفة :

 إن من المعلوم للجميع أن معظم القوانين الاقتصادية المتعلقة بالاقتصاد بصورة عامة وبالصيرفة بصورة خاصة هي القوانين المرتبطة بالاقتصاد الرأسمالي ، والصادرة أولاً في الدول الغربية المتعلقة بالبنوك التقليدية (الربوية) والمؤسسات ذات العلاقة من حيث تنظيم السياسات المالية والاقتصادية ، والنقدية والضريبية ونحوها ، حيث إنها ينسجم بعضها مع بعض في إطار الفكر الرأسمالي الربوي.

 فالمؤسسات المالية الإسلامية تعمل في ظل هذه القوانين والسياسات ، ولذلك يكون من الصعب أن تحقق كل الأهداف او معظمها في ظل اقتصاد آخر يختلف عن السابق من حيث العقيدة والفكر والقيم ومعظم التطبيقات فمثلها كمثل شخص يضع أجزاءً من مكينة في مكينة أخرى مختلفة عن الأولى تماماً.

 لذلك فإن السعي لإصلاح النظام القانوني المصرفي هو أول الطريق ، وأنه المفتاح للانسجام والتطوير والتفاعل في ظل الاقتصاد الإسلامي ومبادئ الصيرفة الإسلامية .

وهذا يتطلب إصدار التشريعات الآتية :

1- إصدار قانون عام شامل لجميع الأنشطة الاقتصادية (التملك ، والإنتاج ، والاستهلاك ، والتبادل ، والتوزيع ، وإعادة التوزيع) ويتضمن كذلك الإصلاحات القانونية في السياسات المالية والاقتصادية ، والنقدية ويحدد أدوات السياسة النقدية وفقاً للمنهج الإسلامي ، وهناك دراسات جادة حول هذه المسائل ، ولي مساهمة متواضعة فيها من خلال كتابي (المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي)[23].

2- إصدار قانون خاص بالمؤسسات المالية الإسلامية ، وبخاصة الصيرفة الإسلامية يراعى فيها خصوصيتها ، وأحكامها ، وكيفية تنفيذها وكل ما يتعلق بها.

 

الأمر الثاني : ضرورة الاعتماد على البعد المقاصدي بمكوناته الستة :

إن الحلّ الحقيقي الناجع لتطوير منتجاتنا ، ولتحقيق الاقتصاد العيني ، والتنمية الشاملة ، ولمنع الحيل وسدّ الذرائع المفضية إلى الفساد هو الاعتماد على البُعد المقاصدي الشامل المتكون من ستة مبادئ أساسية للعقود ، والمنتجات ، هي :

المبدأ الأول : ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة العامة عند إنشاء العقود .

المبدأ الثاني : ضرورة مراعاة مقاصد الاقتصاد الإسلامي من الإنتاج والتبادل الحقيقي ، والتنمية الشاملة والتوزيع العادل ، وتعمير الأرض ، وتحقيق الاستخلاف والتنمية والحضارة .

المبدأ الثالث : ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة للعقد أي مقتضى العقد نفسه.

المبدأ الرابع : مقاصد المكلفين بحيث لا تكون متعارضة مع مقاصد الشرع العامة ، والخاصة بكل عقد ، وبهذه تنتفى الحيل.

المبدأ الخامس: سدّ الذرائع والوسائل والآليات المفضية إلى الفساد .

المبدأ السادس : فقه المآلات ، أي النظر في نتائج العقد ، وما يترتب عليه من آثار وهذا ما يسمى بالتحليل الاقتصادي.

 فالواجب على الفقهاء أن يلتزموا في فتاواهم الخاصة بالعقود ، والصكوك ، والمنتجات بهذه المبادئ الستة.

 وعندما تكون هناك ضرورات، أو حاجات ملحة فحينئذ يجوز ان نخرج عن أحد هذه المبادئ استثناء ، واللجوء إلى مبدأ رفع الحرج ، وقاعدة : الضرورات تبيح المحظورات ، وأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة ، ولكن مع مراعاة أن الضرورات أو الحاجات تقدر بقدرها ، وأن تبقى في دائرة الاستثناء ثم إن رعاية المبادئ الخمسة السابقة لا تتنافى مع فقه التيسير ، ورفع الحرج ، ولا مع التطوير ، بل تدفع نحو الإتقان والإبداع ، وتحقيق الاقتصاد الحقيقي البعيد عن الصورية والشكلية ، والحيل.

 

 

الأمر الثالث : ضرورة تطوير نظام الملكية :

 لا زال الفقه الإسلامي منذ بداية القرن الثالث الهجري على تقسيم الملكية إلى ملكية تامة ، وهي ملكية الرقبة والمنفعة ، ولها خصائها ، وملكية ناقصة ، وهي ملكية الرقبة فقط ، أو المنفعة فقط ، أو الاختصاص ، ولها خصائصها[24] .

 ولم يحدث لها تطوير يذكر على ما ذكره فقهاؤنا الكرم ، ولذلك أرى تطوير نظام الملكية التامة ، والملكية الناقصة ، وإعادة النظر في بعض خصائصهما ، وليس هذا المقام هو مقام الخوض في تفاصيل هذا الموضوع ، ولكن أقترح ان يضم إلى فقهنا العظيم بعض التطبيقات المعاصرة المتوافرة في بعض القوانين الأجنبية ، ولكن مع وضع ضوابط وتعديلات ضرورية حتى تنسجم مع المبادئ العامة للملكية في الشريعة الإسلامية الغراء.

ومن هذ التطبيقات :

أ- ملكية المنفعة أو الملكية النفعية في القانون الانجليزي التي تساعد كثيراً في تطوير الصكوك[25].

ب- ملكية الانتفاع في القانون الفرنسي التي لها بعض تطبيقات مقبولة شرعاً كما بيناها في بحثنا[26].

ج- الملكية المشتركة في العقارات المقسمة إلى شقق وطبقات ، ومحلات ، حيث إنه من المعلوم في فقهنا العظيم ، أنها تقوم على الملكية الشائعة العامة ، ولم تنظم ، فاليوم نظمت تنظيماً جيداً وأدخلت فيه بعض التعديلات والإجراءات وصدر بشأنها بعض القوانين ، مثل القانون المغربي رقم (18-00) لتنظيم إدارة الملكية المشتركة حيث نص على أنه ينشأ اتحاد الملاك المشتركين بقوة القانون طبقاً للمادة13 ، ويتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ، ويمارس مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات كما يتحمل المسؤوليات بقوة القانون نفسه ، ويكون الغرض الحفاظ على إدارة الأجزاء المشتركة فهو الحارس الأمين المدير.

 ويترتب على ذلك مجموعة من الآثار ، منها أن كل شريك في العقار يصبح عضواً في الاتحاد وعليه الالتزام بدفع الاشتراكات المالية اللازمة للإدارة والصيانة ، والتعويضات ، كما أن الاعتراف بالشخصية المعنوية لاتحاد الملاك يترتب عليه أهلية التعاقد ، والتقاضي لمن يمثله إما بالانتخاب أو التزكية او التعيين ، ولكنه مقيد باحترام الحقوق الفردية للملاك المشتركين في الأجزاء المقررة[27].

 ومن الجدير بالذكر هنا هو أن بعض قرارات الاتحاد المهمة تحتاج إلى الاجماع مثل القرار بتشييد مبنى جديد ، في حين أن بعضها يتحقق بالغالبية[28] .