آلية الالتزام بالمعايير الشرعية وضرورته


  التعريف بالعنوان :


1-  آلية :


مصدر صناعي من ” آلة ” وهي لغة لها معان كثيرة ، المناسب لها هنا : أداة العمل ، وفي علم الميكانيكا : جهاز يؤدي عملاً بتحويل القوى المحركة المختلفة كالحرارة والبخار والكهرباء إلى قوى آلية ، مثل الآلات التي تحرك السفن ، وجمعها : آلات[1] .


والمقصود بها هنا : الوسائل المؤدية للالتزام بالمعايير الشرعية . 


2- الالتزام :


لغة : مصدر التزم ، فيقال : التزم به ، أي فرض على نفسه ما لم يكن واجباً عليه[2] .


والمقصود به هنا لا يخرج عن معناه اللغوي . 


3– المعايير الشرعية :


المعايير : لغة : جمع معيار ، وهو من العيار ـ بكسر العين ـ وهو : كل ما تقدر به الأشياء من كيل أو وزن[3] ، وما اتخذ أساساًَ للمقارنة ، وعيار النقود : مقدار ما فيها من المعدن الخالص ، والمعيار هو ما يقدر به الشيء ، وفي الفلسفة : نموذج متحقق ، أو متصور لما ينبغي أن يكون عليه الشيء ، ومنه العلوم المعيارية كالمنطق[4] .


والمقصور بالمعايير الشرعية ، هي الضوابط التي تضبط العقود والأنشطة الإنسانية بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها ، ولكن المراد بها هنا هي : المعايير الشرعية والمعايير المحاسبية ، ومعايير الضبط والمراجعة التي أصدرتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، وهي اليوم تقرب من بضع وسبعين معياراً ، ولا زالت تزداد بفضل الله تعالى .


 أهمية الالتزام بالمعايير الشرعية وفوائده للجميع :


  إن وجود معيار شرعي، أو محاسبي شرعي لكل عقد من العقود المطبقة ، ولكل منتج من المنتجات في غاية  من الأهمية لما يترتب على ذلك الفوائد الآتية :


 أولاً ـ إن وجود معيار شرعي لأي عقد ، أو منتج ، بصياغة قانونية واضحة يجعل المؤسسة المالية تسير على هداه بوضوح وبخطوات راسخة للوصول إلى تطبيق أحكام الشريعة دون لبس أو غموض .


إن التزام المؤسسة المالية بهذه المعايير يترتب عليه كسب ثقة المتعاملين بها واحترامهم لها .


ثانياً ـ إن الالتزام بهذه المعايير سيؤدي بإذن الله تعالى إلى مزيد من تحقيق التعاون بين المؤسسات المالية من خلال الأعمال المشتركة ، بل إلى توحيدها من حيث العقود والضوابط والمبادئ العامة .


ثالثاً ـ إن وجود هذه المعايير يفيد المتعاملين من حيث الالتزام بأحكام الشريعة ، وبالتالي يعلمون ما لهم وما عليهم من واجبات وأحكام .


رابعاً ـ إن المعايير الشرعية تفيد جهات القضاء أو التحكيم للوصول إلى الحكم العادل الواضح البين ، وقد كانت في السابق إشكالية تثار دائماً : كيف تحكم في الخلاف : هل بالمذهب الحنفي ، أو المالكي ، أو الشافعي ، أو الحنبلي ، أو الإمامي ، أو الزيدي ، أو الاباضي ….. ثم داخل المذهب بأي قول من أقوال المذهب أو أية رواية من رواياته ؟


 لذلك كانت المحاكم تلجأ إلى القوانين حتى مع نص في العقد على الالتزام بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة ، وهذا ما حدث في بعض الخلافات مع بعض البنوك الإسلامية وعرضت على المحاكم البريطانية فحكمت فيها القوانين بهذه الحجة .


خامساً ـ إن وجود هذه المعايير والالتزام بها يفيد الدولة ، والمصارف المركزية ، وجهات الرقابة والتدقيق ، بكيفية التعامل مع المؤسسات المالية الإسلامية وضبطها ، والتعرف على أعمالها وعقودها ، وكيفية التدقيق عليها على ضوء أسس وضوابط حددتها المعايير الشرعية .


سادساً ـ إن وجود هذه المعايير الشرعية والمحاسبية يفيد شركات التدقيق الخارجي في كيفية الضبط والتدقيق الداخلي على أسس وموازين وأوزان محددة .


سابعاً ـ إن الالتزام بهذه المعايير يسهل عملية التصنيف والجودة ، حيث يمكن المنافسة على ما هو الأجود .


ثامناً ـ وأخيراً : إن الالتزام بها يؤدي إلى التطوير ، ولكن هذا إنما يتحقق بإمكانية المراجعة بهذه المعايير على ضوء ضرورة العمل والتطبيق ، ففقه التطبيق والمعايشة أهم أنواع الفقه ، كما قال تعالى : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ….. )[5] .


 


تمهيد في بيان آليات التفعيل والتنفيذ :


إذا قارنا بين المعايير الشرعية والمحاسبية ومعايير الضبط والمراجعة والأخلاقيات التي صدرت من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1991 ، والتي تكاد تصل إلى بضع وسبعين معياراً ، وبين معايير المحاسبة الدولية ، يظهر لنا أن أسباب تنفيذ الثانية بالشكل المطلوب هو ما يأتي :


 


أولاً ـ أن المعايير الدولية قد صيغت صياغة عالية الجودة ، من حيث اللغة ، والأسلوب والصياغة القانونية العالية الواضحة .


ثانياً ـ أن الهيئات المشرفة على معايير المحاسبة الدولية قد بذلت جهوداً مضنية لاقناع المؤسسات المالية العالمية بأهميتها بل وتبنيها ، كما سعت لدى المنظمات الدولية ، مثل منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها حتى أصحبت عضواً فيها .


ثالثاً ـ السعي الحثيث لدى المنظمات الدولية ذات العلاقة بالمؤسسات المالية ، حتى أصبحت تحظى بالقبول العام والاحترام ، بل غدت تحظى بالتقدير والاعتراف الدوليين .


رابعاً ـ السعي لدى الدول وبخاصة لدى مصارفها المركزية لقبولها ، والاعتراف بها ، بل إصدار القوانين الملزمة لجميع المؤسسات المالية العاملة في ظلها بأن تخضع لهذه المعايير المحاسبية الدولية .


خامساً ـ القيام بمجموعة من المؤتمرات والندوات والآليات ، وورش العمل للتعريف بهذه المعايير ، وأهميتها ، وفوائدها على الجهة المنفذة .


بمثل هذه الخطوات الجادة ، وصلت المعايير المحاسبية الدولية إلى الاعتراف الدولي بها .


لذلك فإذا أردنا نحن في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية أن تقبل معاييرها وتلزم بها علينا أن نخطو ست خطوات للوصول إلى هذا الهدف المنشود .


  اعلى الصفحة



الخطوات الست لتحقيق الهدف المنشود:


الخطوة الأولى:


إعادة النظر في صياغة معاييرنا المكتوبة باللغة العربية للوصول إلى صياغة قانونية عالية الجودة من حيث اللغة ، والأسلوب ، والصياغة ، والطباعة الراقية ، ورقة وإخراجاً ، وحروفاً ، وليست مثل الطباعة الحالية مع احترامنا لها .


 


الخطوة الثانية :


  العناية القصوى بترجمتها إلى اللغات الحية في العالم بنفس المستوى السابق والمواصفات العالية ، وبخاصة اللغات الآتية : 


       ‌أ-   اللغة الانجليزية ، التي كادت أن تصبح لغة العلم والمال في عالمنا اليوم ، وأريد أن تكون الترجمة عالية الجودة ، وأن تطبع في المطابع العلمية المحترمة مثل مطابع أوكسفورد ، حيث إن المتخصصين يقولون : ان 50% في أوروبا تعود إلى الجهة التي تطبع الكتاب .


      ‌ب-  اللغة المالوية ، ا لتي يتحدث بها حوالي أربعمائة مليون مسلم في شرق آسيا ( اندونيسيا ، وماليزيا ، وبروناي ، وغيرها ) .


فكيف ندعي العالمية ، ولا زلنا نحن لم نول العناية القصوى بهذه الترجمة داخل العالم الإسلامي ،  نعم إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ، ولكن مع الأسف الشديد بسبب إهمال العالم العربي لها وأسباب أخرى لم تعد لغة العالم الإسلامي ناهيك عن العالم ، لذلك علينا أن نولي عناية قصوى باللغات الحية في العالم مع عنايتنا القصوى باللغة العربية ، وهذا يتطلب القيام بترجمة عالية الجودة ، يقوم بها مركز علمي محترم ، أو جماعة من العلماء الأكاديميين تحت إشراف هيئة المحاسبة والمراجعة ، ثم تطبع طباعة أنيقة جداً .


       ‌ج-   اللغات الإسلامية السائدة ، مثل اللغة الأوردية ، والتركية ، والفارسية ، والكوردية ، واللغة الهندية العامة ، ونحوها .


       ‌د-   اللغات الروسية والصينية ، والاسبانية ، والفرنسية ، والألمانية ونحوها بنفس المستوى السابق من حيث ملاحظة ما يأتي :




  1.  أن يقوم بترجمتها مراكز علمية أكاديمية أو جماعة من العلماء المرموقين ، وليس أي شخص كان كما يحدث اليوم .



  2.  أن تكون الصياغة صياغة قانونية عالية الجودة ، وأن يكون الأسلوب جميلاً رائعاً ، واللغة واضحة سلسلة دون تعقيد ولا تلبيس ولا تكلف .



  3.  أن تراجع الترجمة بدقة من قبل لجنة علمية .



  4.  أن تقوم بطبعها مطابع محترمة لها تأريخها وسمعتها العلمية .



  5.   أن تطبع طباعة فاخرة : ورقة وإخراجاً .



  6.   أن يكون النشر والتسويق على المستوى المطلوب .


 


المقترح لتنفيذ الخطوتين السابقتين :


والمقترح العملي لتنفيذ الخطوتين السابقتين هو : قيام الهيئة بتشكيل :


1.    مركز للمراجعة ، والنشر والترجمة يقوم بهذه المهمة ، وترتيب ميزانية مناسبة لذلك .


2.    التنسيق الكامل مع الجامعات ، ومراكز النشر والبحث في العالم أجمع .


3.  تحويل الموقع الالكتروني للهيئة إلى موقع عالمي بجميع اللغات الحية في العالم، ويمكن في سبيل تحقيق ذلك التعاون مع المواقع العالمية ، مثل موقع www.islamonline.net.


 


الخطوة الثالثة:


الخروج من دائرة الإقليمية إلى دائرة العالمية مروراً بالعالم الإسلامي ، وهذا يتطلب ما يأتي :


أولاً ـ تحقيق عالمية لغة المعايير ـ كما سبق شرحه في الخطوة الثانية السابقة ـ .


ثانياً ـ الإعلام الجدي من خلال موقع عالمي باللغات الحية ـ كما سبق ـ ومن خلال التواصل مع الإعلام العربي والعالمي كالجزيرة ، والعربية ، وBBC ونحوها .


ثالثاً ـ زيارة المؤسسات المالية ذات العلاقة بالمعايير المالية ، وتوطيد العلاقة بها بكل الوسائل المتاحة .


وقد يتطلب ذلك القيام بندوات ، أو ورش عمل أو نحو ذلك للوصول إلى هذا الهدف ، إضافة إلى النشرات الجيدة المقبولة شكلاً ومحتوى .


رابعاً ـ توطيد العلاقة مع المنظمات الدولية مثل منظمات الأمم المتحدة ، وصندوق النقد الدولي للوصول إلى الاعتراف بمعاييرنا ، أو قبولها ، أو عدم معاداتها على الأقل ، وإنني أعلم أن الهيئة قد خطت خطوات جيدة في هذا المجال للوصول إلى العضو المراقب ، ولكننا نحتاج إلى المزيد .


  وأعتقد أن الاستعانة بالمحاميين الدوليين ، والمستشارين الدوليين أمر جيد للاستفادة مادياً ومعنوياً من المنظمات الدولية في جميع الجوانب .


  


الخطوة الرابعة :


السعي الحثيث لدى الدول الإسلامية ، وبخاصة لدى مصارفها المركزية للوصول إلى الاعتراف بالمعايير الشرعية ، والمعايير المحاسبية التي أصدرتها الهيئة ، وإقناعها بإصدار قوانين تلزم جميع المؤسسات المالية الإسلامية العاملة على أرضها بالعمل بها .



 اعلى الصفحة 



 


ولتحقيق ذلك يتطلب ما يأتي :


 


1.    زيارات مكثفة من مسؤولي الهيئة للمصارف المركزية بكل دولة لشرح أهداف المعايير ، وأهميتها وفوائدها للجميع .


2.  تكليف أعضاء المجلس الشرعي ، وكذلك تكليف المسؤولين عن المؤسسات المالية الإسلامية للتواصل ، كل في بلده مع مسؤولي البنوك المركزية لتحقيق هذا الهدف المنشود .